سرور ميرزا محمود
مما لاشك فيه أن نمط الحياة التي نعيشها في غربتنا وإن تأقلمنا بها لا يمكنها أن تبعدنا عن رمزية العيد في بلدنا رغم كوننا نعيش في بلد عربي جميل بأهله وبعاداته وتراثه وله بعض العادات المتقاربة مع ما نفعله في الأعياد.
ومع ذلك وهذه الرمزية هي أسس ثابتة في حياتنا كما عشناها، لنهرب قليلاً مما نعيشه الآن ونذهب بإتجاه الماضي الجميل، ونخوض في الذاكرة لاستخراج عبق وشذرات مظاهر وعادات وتقاليد فرحة وممارسات العيد الصغير والكبير وأعياد الطوائف الأخرىفي المجتمع العراقي ألذي تتشابه فيه الكثير من الممارسات آخذين بنظر الاعتبار الخصوصيات حيث تختلف مظاهر العيد والعادات والتقاليد المتبعة فيه باختلاف الناس والمجتمع والمكان الذي يعيشون فيه سواء كان في المدن أو القرى.
لقد كان هناك تراث مجذر يعكس البعد الحضاري لدولة ومجتمع أسس الحضارة الانسانية الأولى والذي مر تأريخه بأزمان جميلة ومرة، العيد فرحة ومحبة فيه تجتمع الناس وتتبادل التهاني والأحاديث والذكريات في جو يسوده الود والتآلف والشوق، فالعيد معاني كبيرة وأن أختلفت ألوانه وطريقة الاحتفال به وفقاً لتباين الثقافات واختلاف المواقع والمحيط العام الا أنها متجانسة في مفهوم الفرحة والسعادة بكل قيمها وخصوصاً للأولاد والشباب ولكلا الجنسين وللعائلة والمجتمع أيضاً، حيث هناك ممارسات ومفاعيل تتداخل فيها الملامح الثقافية والملامح الخاصة في أغلب مناطق العراق، من المعلوم فأن التاريخ تناول العاصمة العباسية بغداد بمعانى كثير منها ارتبطت بشخصياته وبمعالمه وبعاداته وتقاليده ووسائل العيش فيها كل حسب انتمائه وتدرجه الاسرى، ففى بغداد معالم لايعرفها الا القربين منها ورغم ان بغداد لم تنفصل عن جيرانها باكتساب العادات فى المسرات وفى الاحزان وكذلك فى الاكلات وطقوس المناسبات، فأيام رمضان لها طعم خاص عند اهل بغداد واكلاته وحلوياته وكذلك ايام اعياده العامة والخاصة، فالعامة يحتفل بها الجميع عيد الفطر وعيد الاضحى وأعياد الميلاد ورأس السنة، والخاصة يحتفل بها قسم من اهالى بغداد مثل زكريا والمحيا فلكل مناسبة لها طقوسها الخاصة مثل الشموع فى صوانى زكريا مع الجكليت والمسقول والحلاوة، واشعال الطلقات الورقية والبوتاس وشعلة الشمس والزنابير النارية فى يوم المحيا ومناسبات اخرى كاقامة المواليد الدينية فى مناسبة بدء السنة الهجرية ومولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمسلمين وطقوس اخرى للفئات الاخرى المسحيين والصائبة، وهناك طقوس متميزة للاكراد، فلكل منهم مايميزه عن الاخرين فى مناسباتهم، وكذلك الايام الخاصة بزيارة المراقد الدينية فى بغداد وخارج بغداد، ففى أكثر مناطق العراق وعلى وجه الخصوص بغداد وديالى والبصرة والموصل والسليمانية واربيل ودهوك لها مناسبة الربيع ونوروز يحيون نوع معين من الافراح في أجواء كرنفالية مليئة بالموسيقى والغناء، إذ يخرج العراقيون مسلمون ومسيحيون وصابئة ويزيديون منذ الصباح إلى المتنزهات والحدائق احتفالاً بالمناسبة التي تتزامن أحياناً مع عيد الفصح، وتتوافد العوائل على الحدائق حاملين أطعمتهم لقضاء اليوم بأكمله، والاستمتاع بالهواء الطلق وسط لهو الأطفال، كثيرة جدا المواضيع التى تضم هذا الجانب ولكن فى حقيقتها تمثل عادات ظلت راسخة حتى الثمانينات فى عصر نهوض العراق ولكنها للاسف تراجعت كثيرا فى القرن الحالى بسبب ظروف العراق وهجرة ملايين العوائل منه وفقدان الاف بسبب القتل والتفجيرات فضاعت افراح العوائل بل بدأت تتناسى لدى الكثيرين واخشى ان تندثر مستقبلا بسبب هذا الوضع المضطرب الذى تعيشه العوائل وانقطاع الكهرباء وقلة المياه وحزن الكثيرين عن فقدان أبناءهم وذويهم فلعنة الله على مسببي ذلك ممن لا يحبون العراق وإرثه الحضاري والانساني.
في الأيام الثلاث الاخيرة من شهر رمضان واستعداداً لاستقبال العيد يبدأ شارعا الرشيد والنهر بمخازنهما المعروفة، حسو أخوان، وأورزدي باك، وعبدالله فريج، ونعيم نعمو، وأحمد خماس، ودرباب والأفراح، وزبلوق، وصادق محقق، والحذاء الأحمر (ريد شو)، والحذاء الذهبي، وباتا، وصالح محسن قبل أن يصيب البعض منهم عملية التأميم، وفي الأعظمية الشريط الأخضر وحكمت جيتانو والخياط سامي السامرائي ومحلات مجيد ونة وأقمشة يوسف محمد طه، كل يعرض ألبسته وأحذيته وأقمشته مع وجود خصومات لجلب الزبائن وتحفيزهم للشراء، فيقوم الرجال وحسب ميزانيتهم وأذواقهم بشراء الألبسة الجاهزة أو التفصيل عند الخياطين، والأحذية له ولزوجته ولأولاده بنين وبنات، فالملابس الجديدة جزء من العيد.
اما الشورجة في هذا الحدث فهي لشراء مستلزمات العيد الغذائية فقط ويخفت نوعاً ما بريقها، والرجال والأولاد يزورون محلات الحلاقة لقص وتهذيب الشعر حيث تبقى محلات الحلاقة مفتوحة طوال اليوم والى ساعات متأخرة، وليلة العيد الى الصباح ولآخر زبون.

أما النساء والبنات فيستعرضن تفننهم بنظافة البيت وترتيبه، ويقومون بصنع الكليجة بكافة أنواع الحشوات من الجوز المبروش والسمسم والتمر والسكر والهيل الذي هو رمز سعادتهم وفرحهم، وهذه العادات والتقاليد لا تختلف في كافة مدن العراق بل حتى في أريافها، وهنا نتخوف أن تتغير هذه العادات والتقاليد المتوارثة وأن يصيبها خطر الأنقراض في ظل العولمة وتغير طباع الناس حسب مستجدات التغيير المستوردة، وعند إعلان بشرى العيد يتغنى البغداديون شأنهم شأن المحافظات الأخرى بترديد أغنية أم كلثوم ياليلة العيد وأغنية الفنان ناظم الغزالي أي شيء في العيد أهدي إليك..، ويبدأ الانشراح والفرح والمرح.
في صباح العيد المبكر كثير من الرجال والأولاد يخرجون لأداء صلاة العيد ويلتحق بعض من النساء لزيارة المقابر مع رجالهم وأولادهم لقراءة الفاتحة على موتاهم، بعدها يتهنى الجميع بألذ إفطار للعائلة بعد مراسيم التهنئة، النساء يبدأن في تجهيز طعام العيد والتفنن في إعداده أبتداءً من الفطور، الكاهيوالقيمر والعسل و الدبس والبيض والجبن والزبد والكليجة بأنواعها والشاي المهيل في جو جميل وعائلي بهيج، والأطفال والأولاد يريدون إنهاء الفطور بالسرعة لكي يلبسوا ملابسهم الجديدة وينظروا الى آبائهم الذين يدخلون الى قلوب الأولاد السرور بإعطائهم العيدية وتراهم فرحين بتقديمها، ويبقى الأطفال والأولاد هم الرابحون، النساء والبنات يتزين ويتجملن وهن بدورهم بانتظار العيدية، وأول من يطرق باب الدار هم الجرخجي (الحارس الليلي) والمسحراتي والزبال وأحياناً البوسطجي وعامل الكهرباء والتلفون بالرغم من أن كثيراً من العوائل كانت لا تملك تلفوناً، وبعض من الفقراء بانتظار الكليجة والعيدية، بعدها يبدأ مشوار التمتع بأيام العيد خارج البيت وأول ما يقوم به الرجال بزيارة جيران المحلة ليتبادلوا تهاني العيد، والنساء أيضاً يتبادلن الزيارات في غياب الرجال، لنتكلم عن واقع تعايشنا معه ومارسنا لهونا ومسراتنا في أيام الطفولة والولدنة في الأعظمية إحدى درر بغداد ولا أظنها تختلف عن باقي مناطق العاصمة والمحافظات الأخرى لممارساتها للأعياد بالاضافة لما تحويه من طيبة وبساطة وسعادة وخير، من الصعب أن نراه الآن في ظل ما حصل من تدمير وتخريب ومآسي ما خلفته أيدي وصانعي الاحتلال ومن اشترك معهم وبكل مقاييس العمالة والدناءة والذين ابتعدوا عن حب الوطن وأصالته.
في محلات الأعظمية توجد أماكن ترفيهية مليئة بالمبادرات والتنوع لتقديم أجمل لحظات الترفيه للأطفال والأولاد والشباب وحتى الكبار نذكر منها:
*- النادي الملكي (الأولمبي) يقع النادي في ساحة عنتر، تقوم الهيئة الادارية باتخاذ الترتيبات والوسائل لتزين النادي وتهيأته لمواسم الأعياد فتكون هناك لعبة الدمبلة، وطاولات كرة المنضدة وأكشاك لعب الجوائز، وأحياناً مسرح صغير لفعالية القرقوز المحبوبة جداً للأطفال، وجر الحبل وغيرها، ويبدأ كرنفالها من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، فترى الأطفال والأولاد والشباب وبألبستهم الجديدة والجميلة يمارسون مختلف الألعاب وكلها بإشراف ومراقبة الهيئة الإدارية المتكونة من شخصيات رياضية وعسكرية ومدنية، في أيام العيد يحصل تعارف بين الجنسين وبحدود إنسانية طبيعية لا تشوبها أية ممارسات غير أخلاقية، وفي باب النادي يتوزع بائعو العنبة واللبلبي والشلغم والدوندرمة والكرزات وكل حسب مواسمه.
*-نادي الأعظمية في الشارع المؤدي الى المقبرة الملكية، يتميز النادي بكثرة رواده وهو أكثر شعبية من النادي الملكي نظراً لسهولة الانتماء له، مع ذلك كلا الناديين احتوى على خيرة اللاعبين الذين أنجبهم العراق في المصارعة والملاكمة وكرة السلة وكرة الطائرة والسباحة وغيرها من الألعاب الفردية والجماعية، هناك هيئة إدارية للنادي من الشخصيات الرياضية ومحبي الرياضة وبدورهم يعتمدون على لاعبي النادي في مهام إنجاح برامج العيد ويزودون بعلامات في ألبستهم وكنت أحد الذين يشاركون بذلك، فكان النادي يعمل من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً وكانت الألعاب هي الدمبلة وجر الحبل وطاولات كرة المنضدة وأحياناً كرة السلة للناشئين، ولعب أخرى وكان النادي يمتلأ طوال الوقت ولمختلف الأعمار من الطفولة الى الشباب وبإشراف الهيئة الأدارية، ويذهب ريع النادي لشراء المستلزمات الرياضية ومساعدة بعض اللاعبين المعوزين، وفي خارج النادي هناك عربة المأكولات والعمبة، ولعب اللكو والسي ورق حيث لها روادها من يحبون المقامرة والغشمة الذين يتم اصطيادهم.






