تسريبات حروب الظل

قيس النوري

تداولت مواقع التواصل الإجتماعي خلال الأسبوعين المنصرمين الكثير من التسريبات لمشاهد متخيلة، وسوَّقتها على أنها ترتيبات أميركية لرسم مستقبل العراق، حتى راح البعض منها إلى ما يشبه الإنقلاب لإنهاء الحالة المأساوية للوضع العراقي المتردي يوما بعد آخر نتيجة الإحتلال المزدوج الأميركي/ الإيراني، وكنتيجة طبيعية للعملية السياسية التي صممت أصلا لتدمير العراق دولة ومجتمع..

 

حقيقة التسريبات المفبركة لا تعدو كونها إحدى الوسائل والأساليب التي تعتمدها الأجهزة السرية المكلفة بتصميم الحروب السوداء لإشاعة ما يسمى باستراتيجية الإلهاء، الغرض منها جرُّ أطراف سياسية لبناء تصورات على ضوئها، ومن ثم الوقوع في فخ الإيهام بحل يأتي به المحتل..

المتمعن بجوهر التسريبات يلحظ بوضوح أن الأميركان يريدون زرع قناعة زائفة تتمثل بكونهم لوحدهم من يمتلك صياغة ما يراد للعراق وشعبه، وأنهم المخلص لرسم المستقبل متجاهلين عن عمد تغييب حقيقة ماثلة مجسدة على الأرض، أنهم هم لا غيرهم من سلم العراق لإيران وأعوانها، وهم من سمح وسهَّل بناء ميليشياتها الطائفية المسلحة والمنفلتة التي تقتل على الهوية، وتمارس التهجير ومطاردة العناصر الوطنية إمعانا بقصد لا يخفى على أحد لتمزيق النسيج المجتمعي العراقي وإكمال الصفحة اللاحقة للحرب بتوكيل إيران بمهمة تدمير وتمزيق المجتمع وهو هدف أضطلعت به إيران بأقسى وأبشع صوره.

نعم الأميركان يريدون إجراء تغيير في الحالة العراقية، لكن السؤال المهم لأي غرض يريد الأميركان أجراء التغيير؟!

ليس هناك من شك أن العملية السياسية التي أوجدها المحتل وصلت لطريق مسدود ولم تعد مقبوله أصلاً حتى من العملاء بعد أن وضعتهم في حرج مكشوف لإجماع مكونات شعب العراق برفضها ولعن شخوصها الممسوخين..

هنا وجد الأميركان ضرورة التحرك نحو صيغ جديدة لمعالجة ضمان استمرارية حربهم المستمرة على العراق مما يسمح بالإمساك به لتلافي وتعويق نضوج الشروط الموضوعية لثورة شعبية عارمة وبإجماع وتوحد شعبي رافض للمحتل الأميركي ووكيله الإيراني.

التغيير يعني في محصلته سيكون ترميماً لمشروع يواجه السقوط، وهو في جوهره ومراميه استمرار للأصل المتمثل بمحاولة الغاء العراق واخراجه من ميزان القوى في المنطقة لصالح العدو الصهيوني وأمنه، ولصالح إيران ودورها بعد الاتفاق النووي الأخير معها.

ربما هناك من يجادل بكون أميركا تتحكم في المنطقة وأنها وحدها تمتلك القدرة على صياغة المشاهد، والمسربة من بينها، وأن إيران فاعلة على الساحة العراقية من خلال ميليشياتها المسلحة لكن ممارساتها باتت تأكل من أصل المشروع الاميركي وعليه فإن المراهنة على جر الأميركان نحو جرف يبتعد عن إيران بات ممكنا..

الجميع يعلم أن السياسات متغيرة بطبيعتها، وأنها، أي السياسات، لا تعرف الثبات وإنما تتجه نحو مؤشر بوصلة المصالح وبضوئها تصاغ حركة السياسة..

بديهيات تجعلنا نتساءل: هل من مصلحة أميركا التقاطع الى حد القطيعة مع إيران فيما يتعلق بالعراق حصرا؟

الوقائع تشير إلى أن إيران عنصر إقليمي مفيد للسياسات الأميركية سواء في العراق أو المنطقة، إضافة ألى أن إيران مارست في الماضي، كما الحاضر، سلوكاً عدوانياً وفَّر للأميركان الكثير من فرص التدخل، إيران سوف تبقى عنصراً إقليمياً يديم القلق والأزمات وهي وظيفه مطلوبه أميركياً.

من هنا نقول: إن التغيير، أو الترميم، إن حصل، سوف لن يتجاوز تفاهمات محسوبة تخدم الإبقاء على العراق مهمشا وضعيفا مع احتمال فرض الأقلمة تمهيدا للتجزئة، لكن إيران رغم مظهرها الزائف بالقوة ليست سوى بالون كبير أريد له أن يكون أكبر من حجمه، لكي يمارس وظيفة عدوانية تجاه العراق والعرب، دلينا العملي أنها هزمت وتجرَّعت السم على يد رجال العراق رغم الفارق الكبير في ميزان القوة الشامل لصالحها، عليه فإن التعامل العربي معها يجب أن لا ينطلق من رؤية قاصرة نابعة من الخوف من قدراتها ومن ثم مجاملتها وغض النظر عن تدخلها في العراق.

على العرب إن أرادوا تحجيم إيران منازلتها في العراق، لأن هذا هو الطريق الوحيد لا غيره من خلال موقف واضح وصريح ومعلن بدعم المقاومة الوطنية التي كانت العامل الحاسم في وضع أميركا في موقف الباحث عن مخارج، سوف لن تؤدي إلإ الى مزيدا من المأزق و لن تنفع معه تسريبات مشبوهة.

الأمل مرهونٌ فقط بإجماع شعب العراق بمقاومة ما يراد للعراق من نوايا باتت أكثر من مفضوحة في مراميها وأهدافها الشريرة، الإجماع الرافض هو وحده يعيد العراق بلدا معافى ويعيده أملا للأمة نحو نزوعها الأصيل بالتحرر والانعتاق..

كان العراق وسوف يبقى بالرغم من قوى الشر مستودع الرجال صناع الحياة.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,028,204

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"