الاقليم السني وسيلة اخرى لتقسيم #العراق

عوني القلمجي

أميركا حزينة ولا تنام الليل جراء ما حل بالعراق من دمار وخراب، ومن ‏شدة حبها لهذا البلد، قررت انقاذه من السقوط وانهاء معاناة اهله. ومن اجل ‏ذلك، وضعت خارطة طريق تضمنت:

 

انهاء تواجد داعش في العراق، ثم ‏التخلص من المليشيات المسلحة، وحل الحشد الشعبي، والغاء جميع ‏القوانين التي صدرت بعد عام 2003، والتي تتعاكس مع قوانين الدولة ‏المدنية، وتعديل الدستور، وتطهير القضاء، وتقديم الفاسدين والسراق ‏والمجرمين الى المحاكم، واقامة نظام فدرالي شبيه بالنظام السويسري، ‏كبديل لنظام المحاصصة الطائفية والعرقية.‏

هذا هو ملخص المسرحية البائسة والتافهة والمقززة، التي يعرضها الاعلام ‏الأميركي منذ عدة شهور، لاظهار أميركا بالملاك الصالح والمصلح، لتكون ‏مقبوله من لدن العراقيين الذين فقدوا الثقة بها، حتى تتمكن من تمرير ‏جريمتها التي تنوي ارتكابها في المستقبل القريب، والمقصود هنا تقسيم ‏العراق. بالضبط كما فعلت قبل ارتكاب جريمتها باحتلال العراق. حيث ‏عرضت ذات المسرحية البائسة والتافهة والمقززة، التي صورت فيها أميركا ‏حزينة ايضا، ولن تنام الليل قبل تخليص الشعب العراقي من الظلم ‏والاضطهاد والدكتاتورية والحروب، واقامة نظام ديمقراطي له، وبناء ‏العراق من جديد، وتوفير الحياة المرفهة.الى اخر هذه الترهات المضحكة.

نعم ايها السادة كان بإمكان أميركا تقسيم العراق، سواء بعد الاحتلال ‏مباشرة، او في اعقابه. لكن الذي حال دون ذلك، وجود عدد من العقبات التي ‏اعترضت طريقها، وكان من الصعب تجاوزها، او حتى الاستهانة بها، ‏ولولاها  لاصبح العراق مقسما، منذ عدة سنين، الى دويلات متعددة وضعيفة ‏ومتحاربة فيما بينها، على الحدود والماء والثروة والطائفة وغيرها. ‏

وكان من بين اهم هذه العقبات، القتال الدائر حينها بين المقاومة العراقية ‏وقوات الاحتلال، الذي استمر سنين عديدة، الامر الذي منعها من تقسيم ‏العراق، كونه سيصب في صالح المقاومة، التي كات تؤكد على الدوام نية ‏أميركا بتدمير العراق وتقسيمه الى دويلات طائفية وعرقية. وهذا بدوره ‏سيدفع، عموم العراقيين للالتحاق بصفوفها ، خاصة وان أميركا تعلم علم ‏اليقين، بمدى تمسك العراقي الشديد بوحدة بلده واستعداده للدفاع عنها بكل ‏الوسائل الممكنة.‏

العقبة الاخرى تخص دول الجوار، وخاصة دول الخليج العربي،حيث مارست ‏هذه الدول ضغوطا شديدة لمنع أميركا من تقسيم العراق ، ليس حبا به، وانما ‏تحسبا من انتقال عدواه الى بلدانهم. وأميركا لن تنسى بهذه السرعة حجم ‏الدعم والتعاون والمشاركة، التي قدمتها هذه البلدان لها، سواء في عدوانها ‏على العراق عام 1991 ، او في احتلالها للعراق عام 2003، ناهيك عن ‏الخدمات التي قدمتها في مجال شرعنة الاحتلال والمساعدة في تكريس ‏مشروعه لامد طويل.‏

ومن هذه العقبات ايضا، حجم الاكاذيب الكثيرة التي ساقتها أميركا لتبرير ‏الاحتلال، والتي يمكن اختصارها بالكذبة الكبرى، بانها جاءت الى العراق من ‏اجل تدمير اسلحة العراق المحظورة، او ذات الدمار الشامل، وتخليص دول ‏اوربا ومدنها من الصواريخ الكيمياوية العراقية التي قالت عن امكانية ‏وصولها الى المدن الاوربية خلال 45 دقيقة، وتقسيم العراق حينها ‏سيكشف، دفعة واحدة، زيف كل هذه الاكاذيب امام دول وشعوب العالم اجمع.‏

ومع ذلك، وعلى الرغم من خشية أميركا من تجاوز هذه العقبات، فانها لم ‏تتخل عن مشروع تقسيم العراق نهائيا، او وضعه فوق الرفوف العالية، ‏وانما سلكت طرق ووسائل اخرى تبعدها عن الشبهات، وتهيء لها في نفس ‏الوقت، الظروف المناسبة التي تستطيع بعدها تجاوز جميع تلك العقبات. من ‏هذه الوسائل تضمين الدستور مواد ينص بعضها على اعتبار العراق دولة ‏اتحادية، واخرى تنص على منح حق الاستقلال لكل محافظة ،وثالثة خلقت ما ‏سمي بالمناطق المتنازع عليها وهكذا. ومنها اثارة النعرات الطائفية ‏والعرقية  لزج شعب العراق في اقتتال طويل الامد على امل ايصال الناس ‏الى قناعة بان العيش بسلام وامان لا يتحقق الا بالتقسيم. ومنها ما هو ناعم ‏مثل تسويق مخطط التقسيم على انه الحل السحري، مرة عبر لجان ومعاهد ‏دراسات كما حصل مع لجنة بيكر- هاملتون التي زارت العراق في نهاية عام ‏‏2006 واوصت بتقسيم العراق الى ثلاثة دويلات. وثالثة بواسطة مجلس ‏الشيوخ الذي اتخذ في شهر تشرين اول عام 2007، قراراً بتقسيم العراق‎. ‎

اليوم وصلت أميركا، على ما يبدو، الى قناعة بان ثمار وسائلها التي ‏استخدمتها قد اينعت وحان قطافها. فدعاة التقسيم الذين كانوا يروجون له ‏عن استحياء نراهم اليوم يطالبون أميركا بالتقسيم بطبقة صوت عالية، ومن ‏دون حياء او خجل، وفئات من الشعب العراقي باتت تنتظر التقسيم ظنا منها ‏بأنه الحل السحري لانهاء معاناتهم من القتل والتهجير والتشريد والجوع ‏والمرض. او لنقل مثل هؤلاء مثل الغريق الذي يتعلق بقشة.‏

والتقسيم اصبح مقبولا من قبل منظمات سياسية ودينية وعشائرية ‏وشخصيات مستقلة، سواء من داخل العملية السياسية او من خارجها، ‏اعتقادا منهم بانه يؤمن لهم مصالحهم الشخصية او الفئوية التي اصبحت ‏مهددة، او على الاقل يجدون فيه ملاذا امنا من العقاب. والانكى من ذلك، هو ‏امتداد هذه العدوى لتشمل احزاب وقوى وطنية، بل ودخل بعضها كطرف في ‏عملية التنفيذ من خلال حضوره العديد من الاجتماعات التي عقدت بحضور ‏أميركي، ومشاركة خليجية، وعلى وجه الخصوص قطر والسعودية، ولازال ‏هذا النشاط يسير على قدم وساق، ودعك من التبريرات العقيمة التي تصف ‏الاقليم السني المرتقب بالارض المحررة التي ستكون قاعدة انطلاق لتحرير ‏بقية ارض العراق من الاحتلالين الأميركي والايراني.‏

اما دول الجوار فانها اصبحت راضية تماما عن التقسيم، ولم تعد تخشى من ‏تداعياته الضارة، حيث حصلت على التزام أميركي يضمن لها سلامة ‏حدودها ويحافظ على امنها ويؤمن وحدة اراضيها. ولا يستبعد بانها بدات ‏التفكير بتحقيق اطماعها التاريخية في العراق ، فتركيا تتطلع دوما الى ‏استعادة الموصل او كركوك او كليهما، وايران التي فقدت حلمها في ابتلاع ‏العراق كله ترنوا عيونها على الجنوب. والسعودية ترى في الاقليم السني ‏سدا منيعا ضد التوسع الايراني، وهذا ما يفسر اشتراك دول الجوار، بهذه ‏الطريقة او تلك، في مشروع تقسيم العراق. وقد نجد نموذجا صارخا عنه في ‏التحرك السعودي التركي، للتدخل في سوريا والعراق.‏

ولكي لا نطيل اكثر، فأميركا قد وضعت مشروع تقسيم العراق موضع التنفيذ. ‏وان المرحلة الاولى منه هو تشكيل الاقليم السني، على غرار الاقليم الكردي ‏في الشمال، على الرغم من تغليف هذا الاسم بمفردات، من قبيل استعادة ‏حقوق السنة في مناطقهم، او بناء جيش وطني للسنة قوامه مئة الف، ‏وهكذا. يتبعه تشكيل اقليم شيعي في الجنوب. هذه هي الحقيقة، واي حديث ‏عن هذا المشروع التقسيمي بانه مجرد شكل من اشكال الانظمة الفدرالية ‏التي تعتمدها الدول المتقدمة، هو حديث ساذج. فمثل هذه المقارنات البائسة ‏لا تتناسب مع العراق الذي يرزح تحت الاحتلال الأميركي والايراني ‏والداعشي والمليشياوي الخ.‏

نحن اذن امام مواجهة مع صفحة كانت مطوية من مخطط الاحتلال، وهي قد ‏لا تقتصر على تقسيم هذا البلد، وتمزيق وحدته الوطنية فحسب، وانما قد ‏تدخل الشعب العراقي في حروب اهلية طويلة المدى، وليس من الحكمة ‏السياسية الاستهانة بها، فهذا المخطط الغادر يحظى اليوم بدعم دول خارجية ‏وقوى انفصالية محلية ودول جوار اصبحت متحمسة للتقسيم.‏

هنا لن اتطرق، كما جرت العادة، الى الحلول لمواجهة المصيبة القادمة، ‏بصرف النظر عن وزنها او قيمتها ، تحسبا من التكرار الممل والمؤلم في ‏نفس الوقت، بل اصبح الحديث عنها خداع للنفس وتضليل للذات واستخفاف ‏بالعقول، لانها لم تجد نفعا، مثلما لم تجد نفعا الجهود المضنية التي بذلت فيما ‏يتعلق بوحدة الاحزاب والقوى الوطنية المناهضة للاحتلال ولعمليته ‏السياسية، التي تعد الركيزة الاولى والاخيرة لدحر مثل هذه المشاريع ودحر ‏الاحتلال ذاته، وانما ساتوجه بالنداء لكل المخدوعين، والحالمين والذين ‏لازالوا يراهنون على أميركا، ويتغزلون بانجازتها الديمقراطية، اقول لهم ‏بان أميركا لم تزل مصرة على تدمير العراق كدولة ومجتمع، وان الوصول ‏لهذا الهدف، كما تعتقد، يمر عبر تقسيم العراق، ومن دونه ، فان امكانية ‏عودة العراق من جديد معافى وقويا، امكانية قابلة للتحقيق.‏

دعونا نسترسل اكثر، فاذا حدث لاي سبب كان، ووجدت أميركا من مصلحتها ‏التخلي عن مشروع التقسيم ، فان الكيان الصهيوني لن يهدأ له بال قبل ان ‏يرى العراق مقسما الى دويلات، بل ممزقا ومفككا. ومعلوم مدى تاثير هذا ‏الكيان في صنع القرارات الأميركية، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة ‏فيما يخص العراق. وقد نجد مثالا عنها في اعتراف بول بريمر، الحاكم ‏المدني السابق في العراق، بان حل الجيش العراقي جاء بضغط من اسرائيل. ‏بل وازعم بان أميركا العظمى مسروقة من قبل الصهيونية العالمية وكيانها ‏في فلسطين المحتلة.‏

قبل عام ونصف وعلى وجه التحديد في 26/8/2014 كتبت مقالا تحت ‏عنوان "أميركا ومشروع تقسيم العراق" وبعدها باربعة اشهر طرقت ذات ‏الباب في مقال عنوانه "ذهب المالكي وجاء العبادي والدماء تسيل"، ‏وكلاهما ركز على هذا المخطط  وعلى نية أميركا باقامة اقليم سني بعد انهاء ‏وجود داعش في العراق. وقلت، "ومع الوجود المسبق لاقليم الكرد في ‏الشمال، ومطالبات البعض باقامة اقليم في الجنوب، وجدت الادارة الأميركية ‏ضالتها، ودعوت في النهاية، اللهم احفظ العراق من التقسيم، واليوم اردد ‏هذه الدعوة واضيف: لم يبق لنا الان في هذا البلد يالله غير وحدته، فاحفظها ‏لنا، إن كنا غير قادرين على فعل ذلك.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,042,724

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"