أحلام الإنسان التي اتفق العلماء أنها تأتي بشكل عام أثناء النوم، وعرفها بعضهم بأنها سلسلة من التخيلات التي تحصل لدى الشخص أثناء النوم، أو أنها نشاط تفكيري قد يحدث نتيجة استجابة لمنبهٍ ما أو دافعٍ معيَّن، هذه الأحلام لا شك أنها جزء من محاولة العقل الباطن زرع روح الأمل لدى الإنسان الذي يواجه تحديات متنوعة في الحياة.
وأصعب أنواع الأحلام هو الحلم بعودة أيام الماضي القريب، لأن الإنسان قد تعاطى معها وتفاعل مع حيثياتها كحقيقة ملموسة، وفي لحظة من الزمن صارت في مهب الريح، وهذا ما وقع على العراقيين، حيث انقلبت حياتهم رأساً على عقب، وصارت حقائق الأمس القريب أحلام اليوم.
صار الإنسان العراقي يحلم ببديهيات الحياة، وصار يتمنى أحلاماً بسيطة، يتمنى مكاناَ آمناً يعيش فيه يحفظ فيه حياته وشرفه وكرامته، ورغم بساطة هذه الحقوق أو الأحلام إلا أنها صارت بعيدة المنال عن العراقيين.
العراقيون صاروا يهربون بالملايين من واقعهم المأساوي إلى بلدان الدنيا القريبة والبعيدة، لكن يبدو أنه حتى منافي الأرض صارت لا تستوعبهم أو لا يستوعبونها، وكأنهم أصبحوا لا يعرفون العيش إلا على أرض الرافدين رغم أنها أضحت عنواناً للهدم والنهب والقتل.
العراقيون اليوم يعودون لبلادهم من المنافي المختلفة ليس لأن العراق بات آمناً، بل لأنهم وجدوا في بعض البلدان التي هاجروا إليها أسوأ أنواع المعاملة، وعليه فضلوا الموت في أرضهم بكرامة على الحياة بذل وخنوع خارج وطنهم!
وفي يوم الخميس الماضي أعلنت وزارة الخارجية العراقية عن وصول مائة لاجئ عراقي إلى مطار بغداد الدولي قادمين من فنلندا، وهؤلاء يمثلون الوجبة الأولى من اللاجئين الذين أبدوا رغبتهم الطوعية بالعودة إلى العراق.
وفي بداية الشهر الحالي قال مكتب الهجرة البلجيكي أن" 111 لاجئاً عراقياً عادوا إلى بغداد بعد أن شعروا بخيبة أمل وإحباط بسبب بطء إجراءات الحصول على اللجوء، ورحيلهم جاء بناء على طلبهم ورغبتهم".
وسبق للمتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية "ستار نوروز" قد أعلن نهاية العام الماضي أن" 1387 لاجئاً عادوا إلى البلاد على دفعتين نتيجة لعدم حصولهم على الإقامة وتعرضهم للمخاطر وسوء أوضاعهم، وأن المحاولات لإعادة اللاجئين غير الشرعيين - والذين يعانون أوضاعاً صعبة نتيجة لعدم حصولهم على الإقامة وسوء أوضاعهم المعاشية وعدم حصولهم على الخدمات المناسبة - مستمرة.
وأكد نوروز" وجوب اتخاذ إجراءات تحد من هجرة الشباب لا سيما وأن طرق الهجرة غير آمنة".
حالة الضياع والهجرات الجماعية العبثية المستمرة لم تأت من فراغ، وإنما هي نتاج طبيعي لغياب السلطة والعدالة الاجتماعية، وبهذه المناسبة نذكر باحتفال العالم في العشرين من الشهر الجاري باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الذي أقرته الأمم المتحدة، التي تنظر للعدالة الاجتماعية على أنها" مبدأ أساسي من مبادئ التعايش السلمي داخل الأمم، وأن العمل على تعزيز حقوق الشعوب الأصلية والمهاجرين يكون ذلك اعلاءاً منا لمبادئ العدالة الاجتماعية. وعندما نزيل الحواجز التي تواجهها الشعوب بسبب نوع الجنس أو السن أو العرق أو الانتماء الاثني، أو الدين أو الثقافة أو العجز نكون قد قطعنا شوطاً بعيداً في النهوض بالعدالة الاجتماعية".
غياب العدالة الاجتماعية واستمرار تطبيق سياسات تكرس الفقر والتهميش والإقصاء وعدم المساواة يُعد من أكبر الآفات التي تنخر جسد الأمة العراقية، وهذا ما أدى إلى استمرار الهجرة الجماعية غير المدروسة وضعف روح المواطنة!
استمرار حالة التنفير والتهجير لشباب العراق من بلدهم تعد واحدة من أكبر المؤامرات والجرائم التي ترتكب بحق الوطن المليء بوقائع سياسية وعسكرية متنوعة تنبؤ بغد مخيف لا نعرف كيف ستكون نهايته؟!
إن تحقيق العدالة الاجتماعية ووضع معايير وأهداف ومؤشرات لقياس مدى الوفاء بها أمر ممكن جداً إذا وجدت الإرادة السياسية الحقيقية النقية!
لكن السؤال هنا: هل هذه الإرادة موجودة في المشهد السياسي العراقي الآن؟!