أحلام في مهب الريح!‏

جاسم الشمري

أحلام الإنسان التي اتفق العلماء أنها تأتي بشكل عام أثناء النوم، وعرفها بعضهم بأنها ‏سلسلة من التخيلات التي تحصل لدى الشخص أثناء النوم، أو أنها نشاط تفكيري قد ‏يحدث نتيجة استجابة لمنبهٍ ما أو دافعٍ معيَّن، هذه الأحلام لا شك أنها جزء من محاولة ‏العقل الباطن زرع روح الأمل لدى الإنسان الذي يواجه تحديات متنوعة في الحياة.‏

وأصعب أنواع الأحلام هو الحلم بعودة أيام الماضي القريب، لأن الإنسان قد تعاطى ‏معها وتفاعل مع حيثياتها كحقيقة ملموسة، وفي لحظة من الزمن صارت في مهب ‏الريح، وهذا ما وقع على العراقيين، حيث انقلبت حياتهم رأساً على عقب، وصارت ‏حقائق الأمس القريب أحلام اليوم.‏

صار الإنسان العراقي يحلم ببديهيات الحياة، وصار يتمنى أحلاماً بسيطة، يتمنى مكاناَ ‏آمناً يعيش فيه يحفظ فيه حياته وشرفه وكرامته، ورغم بساطة هذه الحقوق أو الأحلام ‏إلا أنها صارت بعيدة المنال عن العراقيين.‏

العراقيون صاروا يهربون بالملايين من واقعهم المأساوي إلى بلدان الدنيا القريبة ‏والبعيدة، لكن يبدو أنه حتى منافي الأرض صارت لا تستوعبهم أو لا يستوعبونها، ‏وكأنهم أصبحوا لا يعرفون العيش إلا على أرض الرافدين رغم أنها أضحت عنواناً ‏للهدم والنهب والقتل.‏

العراقيون اليوم يعودون لبلادهم من المنافي المختلفة ليس لأن العراق بات آمناً، بل ‏لأنهم وجدوا في بعض البلدان التي هاجروا إليها أسوأ أنواع المعاملة، وعليه فضلوا ‏الموت في أرضهم بكرامة على الحياة بذل وخنوع خارج وطنهم!‏

وفي يوم الخميس الماضي أعلنت وزارة الخارجية العراقية عن وصول مائة لاجئ ‏عراقي إلى مطار بغداد الدولي قادمين من فنلندا، وهؤلاء يمثلون الوجبة الأولى من ‏اللاجئين الذين أبدوا رغبتهم الطوعية بالعودة إلى العراق.‏

وفي بداية الشهر الحالي قال مكتب الهجرة البلجيكي أن" 111 لاجئاً عراقياً عادوا إلى ‏بغداد بعد أن شعروا بخيبة أمل وإحباط بسبب بطء إجراءات الحصول على اللجوء، ‏ورحيلهم جاء بناء على طلبهم ورغبتهم".‏

وسبق للمتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية "ستار نوروز" قد أعلن نهاية ‏العام الماضي أن" 1387 لاجئاً عادوا إلى البلاد على دفعتين نتيجة لعدم حصولهم ‏على الإقامة وتعرضهم للمخاطر وسوء أوضاعهم، وأن المحاولات لإعادة اللاجئين ‏غير الشرعيين - والذين يعانون أوضاعاً صعبة نتيجة لعدم حصولهم على الإقامة ‏وسوء أوضاعهم المعاشية وعدم حصولهم على الخدمات المناسبة - مستمرة.‏

وأكد نوروز" وجوب اتخاذ إجراءات تحد من هجرة الشباب لا سيما وأن طرق الهجرة ‏غير آمنة".‏

حالة الضياع والهجرات الجماعية العبثية المستمرة لم تأت من فراغ، وإنما هي نتاج ‏طبيعي لغياب السلطة والعدالة الاجتماعية، وبهذه المناسبة نذكر باحتفال العالم في ‏العشرين من الشهر الجاري باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الذي أقرته الأمم المتحدة، ‏التي تنظر للعدالة الاجتماعية على أنها" مبدأ أساسي من مبادئ التعايش السلمي داخل ‏الأمم، وأن العمل على تعزيز حقوق الشعوب الأصلية والمهاجرين يكون ذلك اعلاءاً ‏منا لمبادئ العدالة الاجتماعية. وعندما نزيل الحواجز التي تواجهها الشعوب بسبب ‏نوع الجنس أو السن أو العرق أو الانتماء الاثني، أو الدين أو الثقافة أو العجز نكون قد ‏قطعنا شوطاً بعيداً في النهوض بالعدالة الاجتماعية".‏

غياب العدالة الاجتماعية واستمرار تطبيق سياسات تكرس الفقر والتهميش والإقصاء ‏وعدم المساواة يُعد من أكبر الآفات التي تنخر جسد الأمة العراقية، وهذا ما أدى إلى ‏استمرار الهجرة الجماعية غير المدروسة وضعف روح المواطنة!‏

استمرار حالة التنفير والتهجير لشباب العراق من بلدهم تعد واحدة من أكبر المؤامرات ‏والجرائم التي ترتكب بحق الوطن المليء بوقائع سياسية وعسكرية متنوعة تنبؤ بغد ‏مخيف لا نعرف كيف ستكون نهايته؟!‏

إن تحقيق العدالة الاجتماعية ووضع معايير وأهداف ومؤشرات لقياس مدى الوفاء بها ‏أمر ممكن جداً إذا وجدت الإرادة السياسية الحقيقية النقية!‏

لكن السؤال هنا: هل هذه الإرادة موجودة في المشهد السياسي العراقي الآن؟!‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,051,506

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"