في ذكراها .. لمن الوحدة العربية اليوم؟

محمد سيف الدولة

ان الايمان بحقيقة الامة العربية الواحدة وبضرورة توحدها، يعني في اهم منطلقاته الايمان بانتماء الشعب العربي كله الى امة عربية واحدة، لا فرق في ذلك بين مصري وسوري وفلسطيني وتونسي ..الخ، ولا بين مسلم ومسيحي أو سني وشيعي..الخ، ويعني أيضا انه لا فرق بين قومي واسلامي واشتراكي وليبرالي.

 

في ربع القرن التالي للحرب العالمية الثانية، كانت التحدي الرئيسي أمام مشروعات الوحدة العربية، هو كيف يمكن تحقيقها في ظل عداء الدول (القطرية) للفكرة وللمشروع ورفضها لإنهاء وجودها الذاتى والذوبان في كيان وحدوي اكبر. بل رفضها لاتخاذ اى خطوات ولو صغيرة وجزئية لتخفيف القيود على حقوق الحركة والاقامة والانتقال والتواصل بين الدول العربية وبعضها البعض. وما ترتب على ذلك من قيامها بفرض حصار وحظر حديدي على أى حركات أو شخصيات وحدوية وتجريمها واعتبارها من أكثر مهددات الأمن القومي للقطر.

وما زاد الأمر تعقيدا، هو فشل مشروع الوحدة المصرية السورية 1958-1961، وتعثر كل ما تلاه من مباحثات ومبادرات لوحدات ثنائية او ثلاثية. ثم كانت الضربة القاسمة هو الانقلاب على مشروع التحرر العربي بقيادة مصر، واستبداله بالمشروع الأميركى الصهيونى الذى يحكم المنطقة منذ كامب ديفيد حتى اليوم.

وما ترتب عليه من تراجع المشروعات والدعوات والحركات الوحدوية وتسرب جرثومة الاستسلام الى غالبية الرأي العام العربي وسيادة الاعتقاد باستحالتها وعدم واقعيتها في ظل الواقع الدولي والاقليمي الراهن ولسنوات طويلة قادمة لا يعلم مداها سوى الله. لتختفي القضية من اجندات وبرامج غالبية القوى السياسية العربية، وليقتصر ذكرها على الاحتفالات الموسمية بذكرى الوحدة المصرية السورية، مثلما يحدث هذه الايام.

كانت تلك هي التحديات الرئيسية وقتها، في ظل ايمان الشعوب العربية من المحيط الى الخليج بالعروبة وبالقومية العربية، وحلمها ومطالبتها بالوحدة، وتأييدها ودعمها لكل معارك التحرر العربي وتحرير فلسطين.

وكان ذلك هو الشعور العربي العام باستثناء بعض الخلافات والصراعات الفكرية بين النخب من التيارات الفكرية المختلفة حول فكرة القومية بشكل عام والقومية العربية على وجه الخصوص، وما اذا كانت القومية العربية ام الاسلام ام الاممية العمالية ام الوطنية المحلية هي الانتماء الحقيقي والموضوعي للشعوب.

اما اليوم فان التحدي الرئيسي والجديد الذي يواجه اي حديث او مشروع لإعادة احياء الشعور القومي والدعوة الى الوحدة العربية، هو انقسام الشعوب ذاتها بين انتماءات وولاءات متعددة، ساعدت عليها سلسلة الهزائم والتراجعات والاستسلامات التي لحقت بالامة في العقود الاخيرة.

ولقد وصلت هذه الانقسامات الى حد الاقتتال الاهلى في عديد من الاقطار، وبلغت ان قطاعات واسعة من انصار التيارات أو المذاهب والطوائف المتصارعة نزعوا صفة الحق في المواطنة عن خصومهم من التيارات الأخرى، واصبحوا يصنفونهم كأعداء للوطن وللأمة، ويضعون حتمية بترهم واجتثاثهم على رأس أجنداتهم السياسية .

وبعيدا عن العنصرية والكراهية الكامنة وراء مثل هذه الدعوات والتوجهات، فان الاجتثاث لأي تيار أو طائفة أو مذهب من تلك التي شكلت مكونات الأمة الرئيسية على امتداد قرون طويل، هو أمر مستحيل. المطالبة به او التورط في معاركه، سيدفع بنا الى عقود طويلة من الحروب، الجميع فيها هالك و مهزوم.

وبالتالي فاننى أتصور أن أهم وأولى التحديات التي تواجه دعاة وحدة الأمة اليوم، هو العمل على اخراجها من حالة الاستقطاب القاتلة والجهنمية التي ضربتها، والانطلاق من حقيقة اننا جميعا مواطنون عرب، لا فرق بيننا على اساس الجنسية او الدين او المذهب أو الطائفة ولا على أساس المرجعية الفكرية والانتماء السياسي.

وأختم هذه السطور بالتأكيد على بديهية أن هذا ليس هو التحدي الوحيد امام مشروع الوحدة اليوم، فهناك قائمة طويلة ومركبة من التحديات والعقبات والقضايا والمتغيرات والتفاصيل التي تحتاج لإعادة الحوار والاجتهاد، لم أتناولها هنا، من باب الرغبة في التركيز على خطورة حالة الانقسام الذى أصاب الامة.

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,623,093

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"