مواقف المرجعية الشيعية ‏بين الأقوال والأفعال

علي الكاش

الكثير من أتباع مرجعية النجف مازالوا يتشدقون بأن مرجعيتهم لا تعترف بولاية الفقية على ‏الرغم من المواقف الحافلة منذ الغزو الأميركي عام 2093 ولحد الآن التي ترد هذه المزاعم بقوة ‏لا يمكن مواجهتها أو تحديها. من المعروف ان ولايه الفقية تعتبر المرشد الأعلى هو صاحب ‏السلطة الدينية والسياسية في آن واحد بإعتباره نائب الإمام ولا نفهم كيف حصل المرشد على هذه ‏النيابة من طفل لم يولد أصلا كما موجود في مصادر كتب الإمامية! ولا نفهم أيضا كيف تجددت ‏الوكالة بعد قرون من وفاة السفراء الأربعة ليحيها الخميني وهي رميم. كما أن نائب الإمام هو ‏الذي يرسم الخطوط الأساسية لمسيرة الدولة في مختلف الشؤون التي يفهمها او التي لا يفهمها.

 

لو رجعنا الى مسيرة المرجعية منذ الغزو الأميركي سنجد حتما انها كانت العامل الأول والأخير ‏في إدارة شؤون الدولة العراقية بتفاهم وإتفاق مع إدارة الإحتلال، وإن كان المرشد الأعلى في ‏إيران هو فارسي القومية وإيراني الجنسية وربما لا يجد البعض ضررا أو حرجا في نفوذ سلطته ‏ولإدارته شؤون الدولة التي ينتمي اليها، فان السيستاني وبقية المراجع ليسوا عراقيين بل هم ‏ضيوف على العراق ولا حق لهم في إدارة شؤون الدولة العراقية لا عن بعيد ولا عن قريب، لا ‏موقفا شرعيا ولا موقفا دستوريا. ‏

وبسبب رسم المرجعية الخطوط العريضة لسياسة البلد ابتداءا من مباركة الإحتلال والإفتاء ‏بالتعاون معه وعدم مقاومته، ومرورا بالمشاركة في رسم الدستور الملغم والمصادقة عليه، ‏والإنتخابات السابقة وإنتهاءا بالتجربة المريرة لما يسمى بالحشد الطائفي، لذا لا يمكن لأحد أن ينفِ ‏او يحاجج دور المرجعية السياسي والاقتصادي وأنها تمارس ولاية الفقيه فعلا وتنكرها قولا. ‏الواقع يفند الإدعاء، وممارسة التقية بهذه الطريفة البليدة يقلل من هيبة المرجعية. ليس من المنطق ‏ان تمارس فعلا وتنكر فعلك بصلافة أمام الآخرين. وهذا لا يمكن تفسيرة الا بإعتبارين اولهما: ان ‏المرجعية تسخر من اتباعها ولا تقيم لهم أي وزن وإعتبار. ثانيا: إدراك المرجعية بأن أتباعها من ‏الجهلة والأميين والسذج او المتعصبين لذلك فهم عمي صم بكم عما يجري.  وكلا الحالين لا يسر.‏

في مطلع شهر شباط 2006 وبعد النداءات الفاشلة للمرجعية التي وجهتها لحكومة العبادي ‏لإصلاح ما يمكن اصلاحه بعد فراغ الحزينة وخراب البلد، وطغيان الفساد الحكومي الى مديات لم ‏يراها العالمين القديم والحديث، حاولت المرجعية ان تنأي بنفسها عما وصل اليها الحال المزري، ‏مع ان هذا الحال هو من صنيعتها سواء اعترفت او انكرت، فالأمر سيان. حكومات الفساد السابقة ‏والحالية هي الحكومات التي نزهتها المرجعية وباركتها ودعت اتباعها الى إنتخاب قوائم الكتل ‏التي تشكلت منها، والذاكرة العراقية مشحونة بمواقف المرجعية ويمكن الرجوع اليها بسهولة. مع ‏هذا فقد قررت المرجعية التوقف عن الخطب السياسية التي اعتاد اتباعها الإستماع اليها يام الجمع، ‏وبرر ممثل السيستاني موقف المرجعية بأن النداءات الأسبوعية لا تجد آذان صاغية من حكومة ‏العبادي، وعليه سوف تبتعد الخطب الاسبوعية عن تناول الموضوعات السياسية.‏

وقد تباينت المواقف تجاه موقف المرجعية هذا، فالبعض أعتبرها حالة هروب بائسة وذليلة، ‏ومحاولة تبرئة نفسها من النتائج الوخيمة الناجمة عن مواقفها السابقة. والبعض الآخر اتخذها حجة ‏لتعزيز الإدعاء بأن المرجعية لا تتدخل بالسياسة ولا تعترف بولاية الفقيه. والبعض الآخر اعتبر ‏إنسحاب المرجعية من السياسة من شأنه ان يفاقم الحالة، مطالبا بعودتها وإلا ستتفاقم الأوضاع ‏سوءا. والبعض الآخر اعتبرها مسرحية جديدة ولعبة مكشوفة بعد ان توضحت الصورة للرأي ‏العام العربي والدولي والعراقي عن جرائم الحشد الطائفي ربيب المرجعية. علاوة على الضعوط ‏الأميركية لتقليم أظافر الحشد، ووضع العبادي بين نارين ستحرقه احدهما بلا أدنى شك.‏

مع هذا اعتبر المراقبون لمسيرة المرجعية بأن هذه الدعوة أشبه بالنفخ في قربه مثقوبة، لأن ‏المرجعية تخضع الى مؤثرين لا يمكن ردٌهما وهما التأثير الايراني من جهة، والتأثير الأميركي ‏من جهة أخرى. وخلال السنوات الساسابقة حافظت المرجعية على مصالح الطرفين وخدمتهما ‏خدمة راقية فكانت موضع رضا الطرفين. وهذا لا بعني دهاء المرجعية في التوفيق بين تيارين ‏متعارضين وإنما يثبت بلا أدنى شك أن التيارين غير متعارضين والمعارك الإعلامية لا تعكس ‏واقع العلاقة الجيدة. وإلا هل يمكن لعاقل ان يتصور ان تأثير المرجعية على الطرفين الأميركي ‏والايراني اكبر من تأثير الطرفين عليها؟ ولا يمكن ان يتصور لبيب أن تجرأ المرجعية على ‏تحدي التوجيهات الأميركية والإيرانية او الخروج عنها. وهذا يعني انها لا تستطيع الخروج من ‏مستنقع السياسية بهذه السهولة فهو خارج إرادتها. كما أن المزايا التي حققتها المرجعية بعد الغزو ‏وسيما حصتها من الواردات النفطية علاوة على الرشاوى الأميركية لا يمكن أن تتخلى عنها ‏بسهولة، الحديث عن مليارات وليس ملايين، مع انها تتذرع بنصرة المذهب والمحافظة على ميزة ‏الحكم الشيعي الذي لم يحقق للشيعة أدنى مرتبة من العيش الكريم.‏

سرعان ما تبين بطلان دعوة المرجعية، فلم يمضى سوى اقل من اسبوعين حتى كشفت الأخبار ‏عن تدخلات المرجعية في السياسة مرة أخرى، والطريف في الأمر ان اول من عاد لميدانها ‏الموحل هو  ممثل السيستاني نفسه الذي زعم بعدم تضمين الخطبة الاسبوعية القضايا السياسية! ‏فقد نشر موقع (سومرية نيوز) تحذير خطيب النجف، صدر الدين القبانجي، من تسلل حزب البعث ‏إلى مرافق الدولة من خلال الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة العراقية.‏‎ ‎ودعا خلال خطة الجمعة ‏التي أقيمت في الحسينية الفاطمية إلى التصويت على قانون حظر حزب البعث في البرلمان علنا ‏محذرا مجلسي الوزراء والنواب من تسلق البعثيين من خلال الإصلاحات بذريعة الاختصاص ‏والمهنية.‏‎ ‎وبحسب ما صرح القبانجي إن" قانون حظر حزب البعث الذي عرض في مجلس ‏النواب صحيح ويجب التصويت عليه علنا، لأن حزب البعث هو رمز الظلم والاضطهاد وسالت ‏دماء شعبنا بسكينه. عناصر حزب البعث لا يريدون المشاركة في العملية السياسية وإنما التآمر ‏على هذا الشعب، ويجب ألا نخدع بهم وضباطهم اليوم يخططون لداعش".‏

كما ورد في الأخبار مؤشرات سياسية واقتصادية لا نفهم ما علاقة المرجعية بها. فقد حذر مثلا ‏وزير المالية هوشيار زيباري من أن الحكومة تواجه وضعا أصعب من أي‎ ‎وضع مالي سابق، ‏وقال " بلغنا سقف الدين الداخلي المسموح لنا به، نرغب في‎ ‎التخلص من اعتمادنا على النفط، ‏نرغب في إعداد الناس للتغيير وإجراءات جديدة‎ ‎غير معتادين عليها،وقد‎ ‎عرضت على السيستاني ‏مطلع الشهر الجاري(شباط 2016) بالنجف الحسابات المالية‎ ‎الكاملة، وأن السيستاني كان جادا في ‏إحداث تغيير، كما كان محبطا‎ ‎تماما". الزيباري بدلا من عرض حسابات حكومته على مجلس ‏النواب، قام بعرضها على المرجع علي السيستاني، بمعنى إنه عرضها على إيران بالنيابة.‏

من جهة أخرى اعلنت وزارة نفط نظام يوم 19/2/2016 ، بأن وزيرالنفط الفرنسي الجنسية عادل ‏عبد المهدي بحث مع مراجع الشيعة في مدينة النجف تطورات الاوضاع الاقتصادية والنفطية في ‏البلاد. وجاء في بيان الوزارة" زار وزير النفط عادل عبد المهدي محافظة النجف والتقى خلال ‏زيارته المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم والمرجع الشيخ محمد اسحاق الفياض والمرجع الشيخ ‏بشير النجفي، وأن الوزير بحث مع المراجع العظام التطورات العامة في البلاد ولاسيما في ‏المجال الاقتصادي والنفطي واستمع الى التوجيهات الرشيدة من المراجع والتي تصب في مصلحة ‏البلاد والمواطن".  علاوة على اللقاءات السرية التي تتم بين شيعة السلطة من جهة، والمرجعية ‏من والمرجعية من جهة أخرى، والتي لا يعلن عنها، سيما الإجتماعات المتعاقبة للكتل الحاكمة ‏بعد تصريح العبادي الغريب في المانيا بأن سيجري تغييرا وزاريا، فقد أعلم الفهيم ميركل قبل ان ‏يُعِلم  رئيس الجمهورية المعصوم ورئيس مجلس النواب الجبوري، ومجلس الوزراء، فقد سمعوا ‏بهذه التطورات عبر التلفاز! حكومة في قمة الرشد ومراجعية راشدة! عجبا ماذا كان سيحصل لو ‏كانا قاصرين؟

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,047,616

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"