أيها المتظاهرون في ساحات التحرير: لا تغييرمن دون ثمن

غسان القاضي

ليست دعوة للعنف، ولا رغبة في المواجهة، لكنها الحقيقة التي لا أدَّعيها، شعوب وامم خاضت غمار معارك التغييرونجحت فيها، انتزعت ما ارادت بالتضحيات وليس بالتمنيات.

 

من يُرِد التغيير، عليه ان يدفع الثمن، الحاكمون، اي حاكمين، لن يسلموا، ولن يستسلموا طائعين مختارين، والا كانوا نصف مجانين!

تجارب الشعوب علمتنا بأن نيل المطالب ليس بالتجمع ساعة اوساعتين في الاسبوع وترديد هتافات، وتفريغ شحنات جاثمة على الصدور، ثم الانصراف!

ماهكذا تؤخذ الحقوق، وماهكذا تنال المطالب!!

تجارب التاريخ علمتنا بان نيل المطالب ليس بالتمني، المسؤول، اي مسؤول لن يتنازل عن “بغلته” الاعندما تتحول التظاهرات الى “فوبيا” تقض مضجعه،”فوبيا” تحرمه المنام والطعام، “فوبيا” تجعله يدمن على “الفاليوم” .. “فوبيا” تجعله يهيم على وجهه، يقلب الامورليل نهار كجمرة في كفيه، ويحسب للقادم ألف ألف حساب.

بخلاف ذلك فسيبقى يتابع التظاهرات عبرشاشة التلفاز، وكانه يتابع مسلسلا “كوميديا “، وما ان ينفض الجمع، حتى يطلق ضحكة كبرى ، ولسان حاله يقول “ستتعبون، وتنصرفون، وتذرون وراء ظهوركم مارددته حناجركم ، اما انا فسأبقى هنا شامخا، فهل من مبارز؟!”.

كل الحكام لديهم” ترمومتر” يقيسون به نبض الشارع و”فولتية” احتجاجاته، فإن كانت عارمة مهددة لكراسيهم، تلبَّسهم القلق وغادرجفونهم الكرى، واذا كانت العكس، ناموا نومة العافية..

دلوني على حاكم اعطى شعبه مايريد طواعية وعن طيب خاطر، دلوني على حاكم تنازل عن كرسيه مختارا، دلوني على حاكم أعاد لخزينة دولته ماسرقه من مال عام، لكنهم سرعان مايتراجعون، يتنازلون ، وربما يعتذرون، بعدما تهز المظاهرات كراسيهم وتحيلها الى ريشة في مهب الريح.

في ثمانينات القرن الماضي، كنت في تونس عندما انفجرت ثورة الخبز، اوماسمي ب”ثورة الجياع”على اثر قرارالحكومة برفع سعرالخبز” الباكيت”. شاهدت بعيني كيف نزل الفقراء الى الشارع، وكيف سارعت الحكومة الى اعلان حظرالتجوال، وزجَّت بقوات مكافحة الشغب، والجيش، ، كان سلاح الفقراء بطون خاوية وحجارة اقتلعوها من الارصفة، لاشيء غير ذلك، لعبة “الكر والفرر” او “لعبة القط والفار” استمرت ثلاثة ايام، أجادها المتظاهرون، سقط ضحايا، وبعدما شارفت الامور على الانفلات اضطر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الى الظهورعلى شاشة التلفاز معتذرا للشعب،لاعنا امين العاصمة، ،واصفا اياه بالكذاب، لانه خدعه، بأن الشعب التونسي يرمي نصف الخبزالمدعوم في حاويات النفايات.

هذه الحكاية ليست الاولى ولا الاخيرة، ثورة 25 يناير في مصر، وقبلها ثورة الياسمين، ثورة بوعزيزي في تونس، ثورات ناعمة لكنها عارمة، تظاهرات سلمية لكنها صارمة، اجبرت الحاكمين على التنازل، بعدما دفعت الجماهيرالثمن ،ونجحت في لعبة المطاولة وعض الاصابع.

نعم من يُرِد الحرية عليه ان يدفع الثمن ،من يُرِد الكرامة والتغييرعليه ان يدفع الثمن، لا شئ مجاني ايها السادة في هذه الدنيا، لاشيء.

ايها المتظاهرون لقد دفعتم القسط الاول وكان غاليا، الشهيد هادي المهدي، والمغيب جلال الشحماني، وعشرات الجرحى والمعتقلين، والقائمة قد تطول، ومن يظن غيرذلك عليه مغادرة الصفوف، وياصبر أيوب.

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,627,593

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"