ما دلالات الانسحاب العسكري الروسي المفاجئ من #سوريا؟

حازم الراوي

هكذا هي شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قرارات مفاجئة، وجذب انتباه العالم لها.. هكذا دخل الى سوريا بأسلحته المتطورة من طائرات الجيل الرابع وصواريخ كروز وغيرها، وبذات الطريقة المفاجئة اصدر اوامره الى وزير الدفاع بسحب قواته من سوريا!

 

فما الذي حققه من هذا التدخل؟ وما الذي لم يحققه؟ وهل هو انسحاب أم تراجع؟ وهل جرى تحت ضغط خارجي، أم بسبب الاوضاع الاقتصادية الداخلية وارتفاع كلفة هذا التدخل بالوقت الذي تتراجع فيه اسعار النفط العالمية؟ وهل سحب يديه من دعم الاسد بسبب تعنت الاخير ونظامه على عدم القبول بفكرة التنحي والعملية الانتقالية؟

كلها أسئلة توحي الى احتمالات عديدة في المعاني والدلالات والمغزى من هذا القرار المفاجئ والغريب.

وللاجابة على هذه التساؤلات لابد من الاستعراض الموجز للحقائق والمعلومات والتوقيتات والاحداث المرافقة والمقاربة لهذا القرار. ولعل أولها وأهمها يتمثل باللقاءات المتواصلة والتفاهمات بين الجانبين الأميركي والروسي على مستوى المكالمات الهاتفية المباشرة بين بوتين واوباما ، وعلى مستوى اللقاءات المكثفة بين كيري ولافروف حول ضرورة التوصل الى الهدنة ، ومن ثم عقد مؤتمر جنيف بين وفد النظام والمعارضة برعاية المبعوث الاممي دي ميستورا، وقد جاء قرار سحب القوات الروسية مع اول يوم انطلقت فيه مفاوضات جنيف 3 بتاريخ 14 اذار مارس 2016 .

ويبدو ان بوتين قد ضرب اكثر من عصفور بحجر واحد ، فهو بهذا القرار أكد للعالم اجمع انه يدعم الحل السياسي ، كما انه غير متمسك بشخصنة القضية التي اكد عليها وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الذي عقده قبيل اخر جولات مفاوضات جنيف، حيث يبدو انه استفز القيادة الروسية عندما قال صراحة ان الحديث عن الرئيس خط احمر وان لا ديمستورا ولا غيره له الحق في الحديث عن انتخابات رئاسية. وقد سبقه في ذلك الموقف الايراني ، حيث صرح القائد العام للحرس الثوري الايراني محمد علي جعفري بتاريخ 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بأن هنالك خلاف بين بلاده وروسيا حول بشار الاسد، كما أشار الى ان روسيا ليست سعيدة بوجود حزب الله.

وبالطبع فهذا عامل اخر مضاف لضرورات الانسحاب الروسي ، حيث ان حزب الله يعتبر ان مفتاح الحل والتأثير الميداني والسياسي في سوريا له وحده.

وفي مجال العوامل الخارجية المؤثرة في اتخاذ هذا القرار ، لابد من استحضار الموقف السعودي المكثف على جميع الاصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية ، ولعل الدعوة التي وجهها بوتين الى الملك سلمان بن عبدالعزيز لزيارة روسيا خلال المكالمة الهاتفية بينهما بتاريخ 19 شباط/ فبراير الماضي  والتي عبرا فيها عن رغبتهما المشتركة في حل الازمة السورية ، وبالطبع فانه لا يمكن لخادم الحرمين الشريفين ان يزور روسيا دون ان يجد على ارض الواقع ما يجسد الاتفاق السابق الذي جرى بين بوتين وولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان خلال زيارة الاخير الى روسيا بتاريخ 11 تشرين الاول/ اكتوبر الماضي والتي لخصها لافروف في مؤتمره الصحفي بالقول ان "كل من بوتين وولي ولي العهد السعودي اتفقا على ضرورة تحقيق مصالحة وطنية في سوريا والاسراع في اطلاق عملية سياسية".

أما في مجال العوامل الداخلية المؤثرة في هذا القرار ، فانه وكما معروف ان الحرب مكلفة اقتصاديا ، وعلى سبيل المثال يكفي القول ان تكلفة الصاروخ الواحد من نوع كروز يتراوح من 600 ألف دولار الى مليون دولار ، وقد يتجاوز سعر الصاروخ المقذوف من الطائرة المقاتلة ال 100 ألف دولار. ، ناهيك عن عدد ساعات الطيران المتواصلة في الاجواء السورية للطائرات الروسية التي تقلل من عمرها الافتراضي. وفي جميع الاحوال فان بقاء روسيا في هذه الحرب لمدة أطول مع الانخفاض الحاد في اسعار النفط العالمية سيفضي الى انهاك الاقتصاد الروسي دون مسوغ معقول.

ومن العوامل الداخلية ايضا فانه وبالرغم من وجود نظرية عسكرية تؤمن بحسم المعارك من قبل سلاح الجو وصاحبها دي سفرسكي ، الا ان القيادة العسكرية الروسية الحالية تدرك تماما ان سلاح الجو لا يمكنه ان يحسم المعارك لوحده دون التواجد على الارض ومسكها ، ولما كان حزب الله والمليشيات الايرانية هي التي تتحرك وتتحكم وتستثمر الضربات الروسية فلا معنى لهذه الضربات وهذه التضحيات الاقتصادية.

أما العوامل المعنوية ، فان البيان الروسي قد أشار الى ان قرار الانسحاب جاء بعد ان اكملت القوات مهامها ، ويبدو ان المقصود بذلك استعراض القوة وخاصة العرض الجوي لطائرة الجيل الرابع المتقدمة من نوع سوخوي 34 ، وكذلك فحص وعرض القدرات العسكرية التأثيرية بقوتها التدميرية ومدياتها الطويلة ودقتها في الاصابة ، وهو الذي يعتقده الروس ضروريا خلال المرحلة الراهنة من الحرب الباردة ، وخاصة بعد ان خسرت روسيا موقعها وتأثيرها في كل من اوكرانيا وجورجيا.

واخيرا فان هذا القرار سيفضي دون شك الى العديد من الاثار القريبة ، ولعل امكانية التدخل العربي الاسلامي ضمن التحالف الاسلامي ليس بالبعيد ، ان لم يتم حل الازمة سياسيا بتفعيل جنيف 3 والموافقة عليها من قبل اطراف الازمة.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,027,242

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"