استراتيجية الكبار والوكلاء الصغار

نزار السامرائي

ما زالت الحلول المطروحة "للمعضلة العراقية" سطحية وبعيدة عن سبر غور أسبابها الحقيقية والتي يجمع كل ذي بصيرة على أنها من تداعيات الاحتلال الأميركي ودوافعه الحقيقية وارتباط جانب مهم منها بدور قوى كانت تطلق على نفسها اسم "معارضة" ولكنها في حقيقتها باعت نفسها وأعطت ولاءها لطرف لم يلق مثله حتى في بلده الأم، فكان الثمن الذي قبضه هؤلاء الخونة تسليمهم سلطة الحكم في العراق على نحو حقق كثيرا من أهداف الدول الكبرى التي خططت للعدوان.

وفي المقدمة من تلك الأهداف شل إرادة العراق السياسية وتعطيل دوره السياسي في المنطقة والعالم عبر نزاعات محلية سياسية حينا ومسلحة في معظم الأحيان، في منطقة ظلت الولايات المتحدة هي والاحتكارات الغربية تستنزف ثرواتها وتعتبر أمنها جزء من الأمن القومي الأميركي والغربي، ولكنّ الغرب وخاصة إدارة الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما وبعد أن قضت كل أوطارها من منطقة النفط تخلت عن صداقاتها التقليدية مع دول المنطقة وتنصلت عن التزاماتها وتعهداتها لهذه الدول، مع أن تلك الدول كانت هي الخاسر الوحيد بسبب علاقاتها الخاصة مع واشنطن، غير أن الأخيرة وفي ساعة الفصل ألقت بكل ذلك في عرض البحر وكأنها لم تغن بالأمس وتتضخم ثرواتها وتتطور صناعاتها المدنية والعسكرية تنفيذا لعقود أنقذت الصناعات الأميركية والغربية من إفلاس محقق، وفي هذا الظرف العصيب أشرت واشنطن شرقي آسيا كمجال حيوي لمصالحها وأمنها القومي بحجة أن منطقة الشرق الأوسط منطقة اضطرابات تريد استدراج القوات الأميركية للقتال نيابة عنها ضد أعداء لا تشاطر واشنطن دول المنطقة النظر إليهم كأعداء.

ويبدو أن أوباما الذي "أهلك نفسه" للتوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران كان يخطط لانسحاب استراتيجي من المنطقة وتسليم إيران مفاتيح الشرق الأوسط والخليج العربي لتحفظ المصالح المشتركة للطرفين مقابل إطلاق يدها في كل الساحات التي ترى إيران أن لها مصلحة في أن تتحرك من دون اعتراض حقيقي حتى إذا صدرت مواقف معلنة على خلاف ذلك، وذلك من أجل أن تنوب عنها في ساحة الشرق الأوسط تريد واشنطن الانسحاب منها ولكنها لا تريد تركها لمقادير المجهول فلا بد من إيجاد وكيل محلي ليكون حارسا مضمونا، ولتعود إيران إلى ممارسة دورها الإقليمي الذي أدته بأمانة في زمن الشاه كشرطي للمصالح الغربية في المنطقة وضامن لإمدادات النفط "الرخيص" إلى الدول المستهلكة، وكان من نتيجة هذه الوكالة أن إيران تصرفت بعنجهية لا مثيل لها فاحتلت الجزر العربية الثلاث العائدة للإمارات العربية في أجواء صمت الموتى من جانب أصدقاء مفترضين مثل الولايات المتحدة وبريطانيا كانت مقتضيات الصداقة العربية المفترضة معهما أن تلجما الشاه وهو الطرف الآخر في الصداقة مع الغرب، بل وجد الغرب في تلك الخطوة العدوانية مصلحة مؤكدة للاستراتيجية الغربية في إضعاف العرب في خطوة مكملة لإقامة إسرائيل كحاجز بشري وجغرافي وسياسي وعقائدي غريب عن المنطقة بين آسيا العربية وأفريقيا العربية، والعناصر الثلاثة تتوفر حد التطابق مع الدور الإيراني.

وبهذا فقد تحوَل الحكم لصالح إيران في العراق وبموافقة أميركية صريحة حينا وصامتة أحيانا أخرى، ولكنها في النهاية كانت تؤدي نفس الغرض في تكريس الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي العراقي وطرق صناعته، لذا فإن أي حديث عن إصلاح سياسي ومالي وإداري، لن يكون أكثر من هذيان وأحلام يقظة وحلولا ترقيعية، لأن الطرف المكلف بهذه المهمة هو نفسه الطرف الذي شارك في إعطاء العدو "بصرف النظر عن هويته" من دون حق أخلاقي وقانوني شرعية احتلاله للعراق متقمصا دور الممثل الرسمي للبلد في المحافل الدولية، مستغلا ثغرة في القانون الدولي وهي أن الأمم المتحدة تتعامل مع النظم الحاكمة حتى إذا كانت من دون قاعدة شعبية حقيقية.

الخطوة الأولى اللازمة لأي إصلاح تبدأ باستعادة القرار السياسي الوطني واسترداد السيادة وتصفير الهيمنة الأميركية والإيرانية على العراق والتي تباشرها كل منهما من خلال أدواتهما المحلية، كما أن إلغاء كل ما صدر من تشريعات لاسيما دستور عام 2005، وقرارات اتخذتها سلطة الاحتلال وحكوماته المتعاقبة منذ نيسان 2003 وحتى يوم المباشرة بخطوات التغيير المنشود هذا كله شرط لازم للمباشرة بمسيرة الاصطلاح السياسي الشامل والذي يسبق أي حديث عن تغيير التشكيلة الوزارية أو الحديث الزائف عن وضع حد للفساد، فلولا الاحتلال ولولا وجود الطبقة الحاكمة التي لا تحمل ولاء للعراق، لما حصل الفساد المالي والإداري الذي هو ابن شرعية للفساد السياسي والاحتلال الأجنبي.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,616,615

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"