رأس #الفلوجة مطلوب حياً أو ميتاً!

نزار السامرائي

بدلا من استجابة حكومة حيدر العبادي للنداءات الموجهة إليها بحكم ما تدعيه من مسؤوليتها الرسمية "وليس لأي اعتبار آخر" عن صيانة حياة المواطن العراقي والحفاظ على أمنه وانسيابية عيشه الكريم والمحافظة على كرامته الإنسانية وممتلكاته الخاصة، وبدلا من العمل على وقف الموت البطيء في مدينة الفلوجة التي يتعرض أهلها لأسوأ حملة إبادة بشرية مخطط لها بإرادة متعددة المنابع، عن طريق حصار غذائي ودوائي لو فرض جزءٌ ضئيلٌ منه على مدينة أخرى غير الفلوجة لهبت المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية لتقديم الإغاثة الفورية لها، لكن هذه المنظمات التي ترقص على أنغام الجاز الأميركي ولا تطيق نغمة سواه، واصلت سد آذانها ليس بوقر فقط وإنما بحديد ونحاس ورصاص، وهذا هو الذي شجع الجناة على مواصلة جريمتهم بعد أن تأكدوا من أن فعلتهم مشمولة بمظلة حماية دولية.

 

الفلوجة موضوعة على لائحة "مطلوب حيا وميتا" التي أخذت هالة لمّاعة من زمن  أفلام الغرب الأميركي، لأن الأميركيين عجزوا لأشهر طويلة عن إدخال عربة عسكرية واحدة أو دورية في شارع واحد فيها، إلى احتال الجنرال بترايوس قائد القوات الأميركية في أثناء عمله في العراق وأسس تشكيلا عسكريا أطلق عليه اسم الصحوة، لتشن الحرب على المقاومة الوطنية المسلحة تحت لافتة الحرب على القاعدة والإرهاب، فكانت تلك الفكرة استنساخا لفكرة "فتنمة الحرب" أثناء العدوان الأميركي في فيتنام، وهذا يدعونا إلى الجزم بأن أميركا عاجزة تماما عن الثأر لنفسها بنفسها عما لحق بها من عار الهزيمة على أيدي أبطال الفلوجة، أو غير راغبة بذلك لحسابات تتعلق بردود فعل الصحافة الحرة والتي لم تتمكن السلطة الأميركية من إخضاعها لهيمنتها بعد، أو احتمال سقوطها في فخ فقدان ما تبقى لها من هيبة ورصيد معنوي مفترض.

في الجانب الآخر يكشّر "فيلق القدس" الإيراني عن أنياب الانتقام أيضا، لأن الفلوجة كانت في حرب الثماني سنوات قد دفعت إلى جبهات الحرب بخيرة رجالها من ضباط وضباط طيارين وجنود كانت لهم صولاتهم التي لا تخطؤها العين وذاكرة التاريخ، فأرادت أن تنتقم من الفلوجة على أيدي قادة المليشيات الذين أرضعتهم الولاء لها، فأحسنوا ظنها بهم وتصرفوا كما تشتهي وتريد، فجاءت تصريحات قادة المليشيات الإيرانية ولكن بلغة عربية واضحة بان الفلوجة "غدة" سرطانية يجب ازالتها ومحوها من الخارطة، بقتل أبنائها أو تهجيرهم في أرض الله الواسعة، فمن شاء المحافظة على حياته فعليه أن يختار بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن يقبل الإقامة في واحدة من مدن الجنوب وتحوله مذهبيا، أو ترك العراق الذي تريده تلك المليشيات ملكا صرفا مسجلا باسم إيران في المحافل الدولية.

لهذه التراكمات المليئة بقيح الذكريات المرة، تم إحكام الحصار على الفلوجة من كل الجهات ولم يبق لديها إلا تحويل نهر الفرات عنها ومنع الهواء من المرور في أجوائها، حتى أوشكت المدينة أن تتلاشى تحت ضغط محنة التجويع، الفلوجة التي لم يخرج من ممثليها في البرلمان أو مجلس المدينة أو مجلس محافظة الأنبار ممثل يمتلك مواهب "فيان دخيل" كي تبكي وتستبكي في دورٍ أهلّها لتكون نجما متألقا في سماء هوليود، وذلك عندما نقلت معاناة لسكان سنجار تقل كثيرا عن واحد من مئة مما تعانيه الفلوجة هذه الأيام، وبدلا من أن يهب سنّة العملية السياسية للمطالبة بفتح ممرات آمنة لقوافل الغذاء والدواء، استنساخا لكسر الحصار عن مدينة مظايا قرب دمشق، أو إنزال الإعانات عن طرق الجو كما قامت به أميركا في أكثر من واقعة، فإن الدعوات انقسمت إلى شطرين، وأحدهما أسوأ من أخيه، فإما الإسراع بتنفيذ عملية "لتحرير" المدينة مع كل ما سيرافق ذلك من انتهاكات وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة، بفتح ممرات آمنة لقوافل الغذاء والدواء، استنساخا لكسر الحصار عن مدينة مظايا قرب دمشق، أو إنزال الإعانات عن طرق الجو كما قامت به أميركا في أكثر من واقعة، فإن الدعوات انقسمت إلى شطرين، وأحدهما أسوأ من أخيه، فإما الإسراع بتنفيذ عملية "لتحرير" ، أو فتح ممرات آمنة لسكانها للخروج منها وليتيهوا في الأرض على وجوههم بعد أن يتم إغلاق بوابات بغداد بإحكام وتعريض حياتهم في الفيافي لأفدح الأخطار أو وضع مصيرهم بيد من سبقهم ممن فقد حياته على يد مليشيا حزب "الله" في نقاط السيطرة قرب الرزازة، ولعل أقبح ما في هذين المقترحين أنهما صادران عن بعض المرفوضين اجتماعيا في المدينة والمحافظة ممن يطلق على نفسه وصف "شيخ".

لقد ألقى الحصار بمدينة الفلوجة إلى حافة المجاعة، وتوشك أن تدخل غرفة العناية المركزة ما لم يتحرك ضمير الإنسانية المغيبة، إذ جاء الحصار على كل الخزين من الغذاء والدواء، وبدأ الناس يأكلون كل ما يقع في متناول أيديهم، وتحول أبناء الفلوجة إلى أشباح إنسانية بكل معنى الكلمة، وكل هذا يحصل في القرن الواحد والعشرين.

لكن كم ممن دخل غرف العناية المركزة في مختلف البلدان والأوقات تجاوز محنته، واسترد في النهاية عافيته تماما؟ وكم من الأصحاء الذين ذهبوا إلى طبيب بمحض الصدفة ثم خرجوا جثثا محمولة على آلة الحدباء؟ فلا تغّرنّكم حالة الفلوجة المرضيّة العابرة مهما كانت قسوتها وضراوتها، فهذه المدينة التي واجهت ظروفا قاسية لا تقل سوءً عن الحالة الراهنة ثم استعادت دورة الحياة فيها بكل أصالة وشموخ وأذهلت المتابعين الذين سجلوا تلك المحطات في صفحات متألقة من تاريخ المدن والبلدان عبر التاريخ ولن تخيّب الفلوجة ظن من أحسنوا بها الظن بأنها عصية على التدجين أو الخنوع.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,040,647

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"