كشف عدد هائل من وثائق مُسرّبة كيف يستخدم الأغنياء وذوو النفوذ، ومن بينهم زعماء دول، ملاذات ضريبية لإخفاء ثرواتهم بشكل غير مشروع في الخارج.
وسُرّبت 11 مليون وثيقة من شركة موساك فونسيكا للخدمات القانونية التي تتخذ من بنما مقرا لها وتُعتبر إحدى أكثر الشركات التي تحيط أعمالها بالسرية. وتشغل الوثائق مساحة 2.6 تيرابايت من البيانات.
وتُظهر الوثائق، التي تحتوى على رسائل بريدية وحسابات بنكية وسجلات عملاء، صلات مع 72 شخصية من رؤساء الدول الحاليين والسابقين، بينهم حكام متهمون بنهب أموال من بلادهم تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
وحصلت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية على الوثائق، التي تم تداولها مع الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين.
وعلى الرغم من ذلك إلا أنه إلى الآن لم تعرف الجهة التي تقف وراء تسريب هذه الوثائق .
ويشير اختراق أنظمة الأمان في الشركة إلى أن شركات الخدمات القانونية والبنوك الكبرى تبيع أسرار عملائها من السياسيين والمحتالين ومهربي المخدرات، إضافة إلى المليارديرات والمشاهير ونجوم الرياضة.
يرجع تاريخ تأسيس شركة "موساك فونيسكا" إلى جهود مشتركة بين المحامي الألماني المولد، غوردغان موساك، والمحامي البنمي، رامون فونيسكا، الذي انهي عمله كمستشار لرئيس بنما، خوان كارلوس فاريلا، قبل شهر.
وتوضح الوثائق كيف أن الشركة ساعدت العملاء على غسيل الأموال، وتفادي العقوبات، والتهرب من الضرائب.
وتقول الشركة إنها عملت طيلة 40 عاماً بمنأى عن اللوم وأنها لم تواجه أي اتهام بارتكاب مخالفات جنائية.
وكانت بي بي سي ضمن 107 مؤسسات إعلامية في 78 دولة عكفت على تحليل الوثائق. ولا تعرف بي بي سي هوية المصدر الذي سرّب الوثائق.
وقال مدير الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، جيرارد رايلي، إن الوثائق تغطي الأعمال اليومية في شركة موساك فونسيكا خلال الأربعين عاما الماضية.
وأضاف "اعتقد أن التسريب قد يصبح أكبر لطمة يتلقاها عالم (الأنشطة) في الخارج بسبب حجم الوثائق".
ويشترك في هذه التحقيقات الاستقصائية 400 صحفي.
وتشمل البيانات شركات سرية في الخارج مرتبطة بعائلات ومقربين من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، والرئيس السوري بشار الأسد.
ومن بين من وردت أسماؤهم النخبة الحاكمة في الحزب الشيوعي الصيني.
وكان اياد علاوي أول مسؤول عراقي تكشف عنه الوثائق المسربة علماً ان النسخة العربية ستتوافر خلال الساعات القادمة
روسيا
وكشفت البيانات أيضا شبكة مشتبها بها لغسل الأموال تقدر قيمتها بمليار دولار يديرها بنك روسي ويشارك فيها عدد من المقربين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويدير العملية بنك روسيا، الذي فرضت عليه عقوبات أميركية وأوروبية إثر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
وتوضح الوثائق كيفية عمل البنك. حيث يتم نقل النقود عبر شركات في الخارج، يمتلك شركتين منها بصورة رسمية اثنان من الأصدقاء المقربين لبوتين.
وتمتد صداقة عازف التشيلو رولدوغين مع بوتين منذ كانا صبية وهو الأب الروحي لماريا، إبنة بوتين.
وعلى الورق حقق رولدوغين أرباحا بملايين الدولارات من صفقات وصفت بأنها "مشبوهة".
ولكن الوثائق من شركات رولدوغين تقول إن "الشركة غطاء مؤسساتي أقيم في المقام الأول لحماية هوية وسرية المالك المنتفع النهائي للشركة".
آيسلندا
وتوضح وثائق موساك فونسيكا أن رئيس الوزراء الآيسلندي سيغموندور غونلاوغسون لديه مصالح غير معلنة في بنوك البلاد التي قامت الدولة بإنقاذها.
واتهم غونلاوغسون بإخفاء استثمارات بملايين الدولارات في بنوك بلاده خلف ستار شركة أجنبية سرية.
وتوضح وثائق مسربة أن غونلاوغسون وزوجته اشتريا شركة في الخارج اسمها "وينتريس" عام 2007.
"بعيداً عن أي شبهات"
وتقول موساك فونسيكا إنها تلتزم بالبروتوكولات الدولية لضمان أن الشركات التي تضمها لا تستخدم في التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب أو أي غرض غير قانوني.
وتقول الشركة إنها حريصة في عملها وتأسف على إساءة استخدام خدماتها.
وتقول الشركة "على مدى 40 عاما عملت موساك فونسيكا بعيدا عن أي شبهات في بلدنا وفي المناطق الأخرى التي توجد بها عمليات لنا.لم يوجه الاتهام قط لشركتنا ولم تدان في أي عمل إجرامي".
وأضافت "عندما نكتشف أي نشاط مشبوه، نبلغ السلطات على الفور.وعندما تتصل بنا السلطات بدليل على احتمال وجود مخالفات، نتعاون معها بصورة تامة".
وتقول موساك فونسيكا إن الشركات التي تدار في الخارج موجودة في كل مكان وتستخدم لأغراض قانونية متعددة.
ولا تزال القضية في بدايتها حيث تم تداول هاشتاغات (#وثائق_بنما و panamapapers#) وسرعان ما أصبح الدخول على الوسمين في تويتر بمئات الآلاف، حيث تم نشر 581 ألف تغريدة بعد ساعتين فقط من نشر الوثائق.
وتفاعل الكثيرون حول العالم مع الخبر البسيط الذي نشره المحقق الأميركي السابق أرنولد سنودن والمجلة الألمانية، واعتبر الإعلاميون أن الوثائق هي أكبر عملية تسريب في تاريخ الصحافة، فيما اعتبرت الصحف والمواقع الإخبارية أن الوثائق فضيحة ستهز العالم.
ورغم أن كل ما أثير حول الوثائق هو تناقل للأخبار والمعلومات ، ولم يتسن لأحد الوصول لكافة الوثائق أو عددها الحقيقي، إلا أنها لا شك ستحدث هزة وستكون حديث الناس لأيام ربما تكون طويلة.