ويسألونك عن طائفية الحكومة!‏

علي الكاش

قال الشّعبيّ "تعايَش الناس زماناً بالدّين حتى ذهب الدّين، وتعايَشوا‎ ‎بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ‏ثمّ تعايَشوا بالحياء حتى ذهب الحياء، ثمّ‎ ‎تعايَشوا بالرّغبة والرهبة، وسيتعايَشون بالجهالة زماناً ‏طويلاً".‏

 

بلا أدنى شك تعتبر الضوابط العسكرية من أهم مظاهر الحياة العسكرية، والضبط العسكري واحد ‏من أهم مميزات الجيوش المتقدمة والذي يتمثل بالتصرف السليم والمظهر الأنيق وإحترام القوانين ‏وتنفيذ الأوامر والتعليمات التي تصدرها السلطات العليا، والضبط من مخرجات التدريب والتربية ‏العسكرية

والإلتزام بالتعليمات، والتعود على تحمل المصاعب، وإكتساب قوة الصبر وروح التعاون، وضبط ‏النفس وإداء الواجبات على أفضل صورة.‏

وبسبب إختلاف الحياة المدنية عن العسكرية فقد سنت دول العالم القانون العسكري لتمييزه عن ‏بقية القوانين. وطالما ان عناصر الجيش والشرطة تخدم الشعب كله كما يفترض وليس شريحة ‏قومية او دينية او مذهبية او عشائرية معينة، على إعتبار ان تتسلم رواتبها من ثروات الشعب ‏والضرائب التي يدفعها المواطن للدولة، عليه يجب ان تتميز هذا العناصر بروح الوطنية والتآخي ‏مع الشعب وليس قمعه وإضطهاده والتعامل معه بنظرة دونية كما يجري في العراق بعد الغزو ‏الأميركي الإيراني. الجيوش التي لا تخدم الشعب ولا تحترمه ليست لها أدنى قيمة عند الشعب، ‏وسيلفظها عاجلا ام آجلا، إن تجربة الفلوجة والموصل وصلاح الدين تُعد أفضل شواهد على ‏كراهية الشعب لعناصر قوات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.‏

لو اجرينا مقارنة عادلة بين طريقة تعامل عناصر الجيش والشرطة مع المعتصمين في الفلوجة ‏والحويجة ـ وهما تبعدان مئات الكيلومترات عن المنطقة الخضراء ـ مع طريقة تعاملهم مع ‏المعتصمين من التيار الصدري على أبواب المنطقة الخضراء، لرأينا البون الشاسع بين ‏الإسلوبين. كان الإعتصامان كلاهما سلميين، وكلاهما عراقيين، وكلاهما طالبا بإنهاء حالات ‏الفساد الحكومي، ورفع المظلومية عن الشعب، وإنهاء المحاصصة الطائفية، وإطلاق الأبرياء من ‏السجون، وفي كلا العهدين كان حزب الدعوة هو الحاكم، وعناصر الشرطة والجيش كما هما لم ‏يتغيرا، والولاءات كما هي، مع ان المعتصمين في الفلوجة والحويجة كانوا بلا قيادة مذهبية، ‏ويحملون سجادة الصلاة والقرآن الكريم، في حين كان إعتصام المنطقة الخضراء بقيادة مذهبية، ‏والمعتصمون يرفعون صور قائدهم المفدى كما يسمونه.‏

الفرق ان قوات الجيش والشرطة إستقبلت الصدريين بترحاب لا نظير له، وفتحت لهم الجسور ‏والطرق، وسمحت لهم بإقامة الخيم وإعداد الطعام، ووفرت كل مستلزمات إنجاح الإعتصام، بل ‏رأينا ما يثير العجب كأن يرتمي مسؤول أمن المنطقة الخضراء الفريق الركن (محمد رضا) على يد ‏مقتدى الصدر ليلثمها! وكذلك فعل العشرات من الضباط والمراتب، وهم يُحيون الصدر ويهتفون ‏بإسمه ويرفعون شعارات التأييد لإعتصامه! بل ان بعض الضباط والمراتب يقدمون الخدمات ‏للمعتصمين كالشاي والقهوة. وهؤلاء هم أنفسهم الذين إستباحوا دماء المعتصمين في الفلوجة ‏والحويجة والزركة ونفذوا مجازر تأريخية لا يمكن محوها، بأمر من ما يسمى برئيس دولة ‏القانون.‏

الأسئلة المطروحة: لماذا هذه الإزدواجية في التعامل من شرائح الشعب مع ان المطالب هي ‏واحدة؟ هل هناك إختلاف في طريقة الإعتصام السابقة واللاحقة وكلاهما سلميتان، فأوجبت الأولى ‏إستخدام السلاح والثانية الترحيب بالمعتصمين؟ أي من الإعتصامين يهدد فعلا المنطقة الخضراء ‏ويشكل خطرا على ساكنيها من الفاسدين والعملاء؟ أي من الإعتصامين يهدد الأمن الوطني ‏برمته، وجاء توقيته في فترة قلقة للغاية؟ ‏

هل يمكن أن نصف بموجب إختلاف الأساليب قوات الجيش والشرطة بأنهم غير طائفيين، ناهيك ‏بالطبع عن الشعارات الطائفية المرفوعة، والملصقات الحوزوية على المدرعات والدبابات، ‏وتسمية لواء العلقمي، وتسمية المالكي (الفرقة الذهبية) لأن أساسها التأريخي هي الفرقة التي ‏أسسها الفارسي آغاسيد محمد القريشي، والشتائم عبر مكبرات الصوت في المناطق ذات الأغلبية من ‏أهل السنة، اللطم في ساحات التدريب وغيرها من التصرفات التي تدل بأن هذه القوات تمثل طائفة ‏واحدة فقط، وليس الشعب العراقي كله. عندما يصبح المذهب هو المرجعية‎ ‎السياسية، ويتحكم في ‏المصلحة الوطنية وليس العكس، فإن التنازع بين شرائح المجتمع سيكون‎ ‎بمثابة الشرارة التي ‏تشعل الحريق، فتتشظى الدولة‎ ‎إلى شظايا متنافرة ومتباغضة ومتصارعة.‏

لو وضعنا هذه الإمور جانبا، سنجد ان وزارة الداخلية أصدرت بيانا حذرت فيه منتسبيها من مغبة ‏التضامن مع مقتدى الصدر والمعتصمين، بعد أن تبين لها ان ولاء عناصرها للصدر وليس ‏للحكومة والوزارة، ولا نقول للوطن، فالوطن ومصلحته بمعزل عما يجري حاليا. بل تمادت ‏الوزارة في غييها مهددة بعقوبة الإعدام لمن يخالف أوامرها، وكأن الوزارة ليس لها سابق عهد بأن ‏عناصرها ذوو ولاءات متعددة،! عناصر ميليشيا بدر في الوزارة مثلا ولائهم للعامري وليس ‏للحكومة، بإشارة واحدة من العامري لعناصر ميلشيا بدر في وزارتي الدفاع والداخلية سوف يقبلون ‏ظهر المجن لحكومة العبادي، وهذا ما يقال عن بقية الميليشيات المنضوية تحت جناح وزارتي ‏الداخلية والدفاع.‏

إن جريمة دمج عناصر الميليشيات الإجرامية مع قوات الجيش والشرطة وبقية الإجهزة الأمنية ‏هو الذي أسس لتنوع الولاءات. وهذا الأمر لا يقتصر على هاتين الوزارتين بل على كل الوزارات ‏العراقية.‏

لا ولاءات للوطن! الولاء للحزب والميليشيا التي كان لها الفضل في تنسيب هذه العناصر في ‏الأجهزة الأمنية، وتوزيع الرتب العسكرية بصورة هزلية، مع أن معظمهم من أصحاب السوابق ‏وأسافل القوم. يقول مونتسيكو "إذا أردت أن تعرف أخلاق رجل من الرجال، فضع في يده‎ ‎سلطة ‏أو مالاً، ثم أنظر كيف يتصرف". فلا عجب من تصرفاتهم.‏

اشارت وزارة الداخلية الى ان نص البند (اولا/أ) من المادة (3) من قانون العقوبات رقم‎ ( 14) ‎لسنة 2008 المعدل بالقانون رقم (38) لسنة 2015، حيث ورد في البند (ثانيا) من‎ ‎المادة (29) ‏من القانون المذكور ((يعاقب بالحبس كل من انتمى الى حزب او‎ ‎جمعية سياسية او شارك في ‏مظاهرة سياسية او وجد في اجتماع سياسي او كتب‎ ‎مقالات سياسية او القى خطابا سياسيا حزبيا ‏في وسائل الاعلام او حرض غيره‎ ‎للقيام بهذة الاعمال)).‏

حسنا! لو طبقنا هذه المادة على الوزارة، فهذا يعني ان جميع منتسبي الوزارة إبتداءا من الوزير ‏لحد عمال خدمات الوزارة يجب أن يعاقبوا بالحبس! لأنهم جميعا منتمين الى أحزاب سياسية. هل ‏وزير الداخلية على سبيل المثال او وكلائه وكبار الضباط لا يشاركوا في إجتماعات سياسية مع ‏أحزابهم الحاكمة؟ ‏

ممن يتسلم وزير الداخلية الأوامر، من رئيس الوزراء العبادي او رئيس حزبه هادي العامري؟ ‏ولو افترضنا كان هناك تعارض في الأوامر بين العبادي والعامري، من سيطيع الوزير؟ ‏

الجواب معروف بالطبع! ‏

من موقف الحكومة تجاه الإعتصام الصدري، يمكن ان نستخلص الأتي: أما ان الحكومة طائفية ‏للعظم، وترفض اي تحرك لأهل السنة وتجد ذريعة مناسبة لتصنيفه كإرهاب. أو ان الإعتصام بحد ‏ذاته مسرحية مفبركة بين الحكومة والصدر، سوف تنتهي كما بدأت دون أن تترك أثرا نافعا ‏للشعب، والأيام القادمة شواهد.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,051,958

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"