مسائل الخلاف التركي الأميركي

محمد زاهد غُل

قبل شهر تقريبا كانت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى أميركا لحضور قمة الأمن النووي في واشنطن، وفي تلك الزيارة كانت التكهنات بأن أوباما لن يلتقي أردوغان، بسبب تصريحات سابقة لأوباما وصفت بأنها ضد أردوغان!

 

ولكن هذه التكهنات باءت بالفشل والتقى الرئيس الأميركي اوباما الرئيس التركي أردوغان في اجتماع ومشاورات مطولة، وصفت بأنها مهمة لسماع وجهات كلا الطرفين فيما يخص كيفية مواجهة التنظيمات الارهابية في المنطقة، والأولوية الأميركية تصنيف تنظيم الدولة/ داعش على رأس التنظيمات الارهابية، بينما التصنيف التركي وضع حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وقوات وحدات حماية الشعب على رأس هذه التنظيمات الارهابية، واتفاق تركيا وأميركا على محاربة داعش لا يلغي التزام أميركا امام تركيا بوقف التعاون مع الأحزاب الارهابية التي تناصب تركيا العداء وتقوم بأعمال إرهابية وتفجيرات إجرامية على أراضيها، وهو ما تحاول أميركا ان لا تلتزم به مع الدولة التركية.

هذه القضية هي القضية الأولى والأخطر على علاقات تركيا بأميركا، ولا شك أن ذلك يعود بسبب اختلاف الرؤيتين التركية والأميركية بطريقة مواجهة داعش، حيث أن أميركا تظن أنها حاولت مع كل القوات المسلحة المحلية لمحاربة داعش على الأرض، فتنصل الجميع من التورط في هذه الحرب مع داعش، لعدم ثقتهم بأن أميركا صادقة في حربها لداعش أولاً، ولعدم ثقتهم بأن أميركا وضعت الخطط الاستراتيجية الصحيحة والكفيلة بالانتصار على داعش، بدليل فشل أميركا وتحالفها الدولي بالقضاء على هذا التنظيم خلال السنتين الماضيتين، وأميركا ترى بأن القوات الوحيدة المتبقية لاستثمارها في محاربة داعش على الأرض هي المليشيات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وقواته وحدات حماية الشعب، وما يتبع لها من قوات تكتل "سوريا الديمقراطية"، التي يشارك فيها مع الأكراد بعض عناصر المعارضة العربية السورية المقربة بطريقة ما مع ميليشيات بشار الأسد.

ما يهم تركيا هو الحفاظ على امنها القومي الحدودي، كما يهمها امنها الداخلي وعدم وقوع عمليات ارهابية وتفجيرات داخل تركيا، وقد ثبت أن العديد من التفجيرات الإرهابية التي وقعت في تركيا انطلقت من الأراضي التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، وان الأسلحة المستخدمة مصدرها الدعم الأميركي لحزب الاتحاد الديمقراطي، فهي أسلحة أميركية، وتم تهريبها إلى تركيا وتوصيلها لعناصر حزب العمال الكردستاني، الذي طمع بدعم أميركا لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا إلى إقامة ميليشيات كردية في جنوب شرق تركيا، وإقامة المتاريس وحفر الخنادق وإعلان حكم ذاتي في المرحلة الأولى، ثم إعلان الانفصال إذا وجد تأييدا شعبياً، او إذا وجد ضعفاً من الحكومة التركية في مواجهة اعلان الحكم الذاتي في بعض المناطق في جنوب تركيا، ولكن الشعب التركي، بما فيه المواطنون الأكراد، قد خيبوا ظنهم، ولم يؤيدوا أعمال الشغب والعنف والارهاب التي قام حزب العمال الكردستاني في تلك المواقع أولاً، وكانت الحكومة التركية من الحزم والعزم في مواجهة من يهدد أمن المواطنين الاتراك في مساكنهم وقراهم وأعمالهم وتجارتهم ومعايشهم اليومية، فقضت على كل مظاهر التخريب والعبث بالأمن الوطني ثانيا.

هذه المخاوف الأمنية أدركتها الحكومة التركية مبكرا لأنها عانت من الارهاب الذي تزعمه حزب العمال الكردستاني منذ ثلاثة عقود، وهي خبيرة في مواجهته والقضاء عليه داخلياً، وعندما كان مصدر الدعم لها نظام حافظ الأسد في سوريا قامت الحكومة التركية بتهديد حافظ الأسد بضربة عسكرية، مما جعل حافظ الأسد يتراجع عن دعم حزب العمال الكردستاني وترحيل معسكراته من سوريا إلى منطقة البقاع في لبنان، والتظاهر بإقاف الدعم له، ومع تجدد العمليات الارهابية بعد حزيران 2015 وفق مخطط من تنظيم الكيان الموازي في تركيا مع الأحزاب الارهابية الاقليمية والدولية، بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي والأحزاب الارهابية الأرمنية وغيرها، وقد ثبت ان الأسلحة المستخدمة والتي تم تهريبها من شمال سوريا أنها من مصادر أميركية، فإن الجهة التي ينبغي أن تسمع المخاوف التركية مما يجري في شمال سوريا هي أميركا، لأنها هي التي تمد حزب الاتحاد الديمقراطي بالدعم السياسي والعسكري، وهذا الدعم يذهب إلى حزب العمال الكردستاني داخل تركيا، أي ان تركيا أصبحت في مواجهة مع الخطط الأميركية لشمال سوريا، بل مع الرؤية الأميركية الغامضة لحل الأزمة السورية، والتي لا يظهر منها حتى الآن إلا أن أميركا تسعى لإدامة الصراع العسكري في سوريا، فهي التي استقدمت وشجعت القيادة الإيرانية لإرسال جيشها وحرسها الثوري وميليشياتها العربية والإيرانية وغيرها، وهي التي شجعت روسيا للتدخل العسكري في سوريا، وهي التي تدعم الآن حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب أيضاً، وقد كشفت بعض أجهزة المخابرات الإقليمية بان أميركا على تواصل مع قيادات داعش، وانها تجري معهم اجتماعات سرية، وبالتالي فإن المخاوف التركية ينبغي ان تكون جادة من المخططات الأميركية نفسها.

لهذه الأسباب تتمسك السياسة التركية بضرورة إقامة منطقة آمنة شمال سوريا، وتتمسك بضرورة تحديد أميركا موقفها من الأحزاب الإرهابية التي تورطت بتفجيرات إرهابية داخل تركيا في الأشهر الماضية، فإما أن تكون أميركا في تحالف مع تركيا، أو في تحالف مع التنظيمات الارهابية مثل حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب في سوريا، فلا يمكن لأميركا ان تطالب تركيا بدورها بمحاربة داعش، بينما لا تلتزم أميركا بمحاربة التنظيمات الارهابية التي تحارب تركيا وشعبها، وقد لمست أميركا جدية المواقف التركية إذا تم تهديد امنها في العلاقات التركية الروسية، فتركيا دافعت عن امنها القومي من تهديدات الطائرات الحربية الروسية، بل قامت باسقاط طائرة روسية بتاريخ 24/11/2015 بعد انتهاكها الأجواء التركية رغم تحذيرها مراراً، أي ان تركيا لا تتهاون في أمنها القومي ولا الحدودي ولا الداخلي، وأميركا غير معنية باختبار حكمة وصلابة الموقف التركي، فإذا لم تعمل أميركا مع تركيا بإقامة المنطقة الآمنة من خلال مجلس الأمن، أو من خلال حلف الناتو، فهذا لا يعني تراجع تركيا عن حماية أمنها القومي جنوب تركيا.

فتركيا لن تسمح بإقامة كيان كردي انفصالي شمال سوريا على حساب المواطنين السوريين من كل القوميات والمذاهب والطوائف، فالتواجد السكاني الكردي شمال سوريا لا يؤهله لأن تقيم له أميركا كيانا انفصالياً رغما عن الشعب السوري أولاً، وتركيا لن تقف متفرجة على إقامة كيان إرهابي يخدم المصالح الأميركية أو غيرها، سواء تحججت أميركا بمحاربة داعش أو غيرها، وإذا كانت أميركا صادقة بمحاربة داعش فقد قدم لها الرئيس التركي اردوغان في زيارته الأخيرة لواشنطن أسماء آلاف المقاتلين والمتطوعين السوريين لمقاتلة داعش، أي ان الحجة الأميركية في دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي وقواته حماية الشعب غير صحيحة، فهي تبحث عن خلق التوترات والمتناقضات في سوريا، لضمان استمرار القتال فيها لسنوات قادمة، ولا يبطل هذه الخطط الأميركية إلا تعاون إيران مع تركيا ومع الدول العربية بضرورة إنهاء الإشراف الأميركي على الصراع في سوريا.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,059,411

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"