ما مصداقية أميركا في التحالف مع #الخليج_العربي؟

محمد زاهد غُل

شهدت العاصمة السعودية الرياض، يوم الخميس، 2016/4/21 القمة الخليجية الأميركية الثانية، التي حضرها ملوك وأمراء ست دول خليجية يشملها مجلس التعاون الخليجي، مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقد سبق هذه القمة قمة خاصة بين السعودية وأميركا، حضرها الملك سلمان بن عبدالعزيز، مع الرئيس الأميركي أوباما.

 

وما يميز هذه القمم أنها - ولأول مرة - تصرح بالمخاوف الأمنية من التهديدات الإيرانية، وأن أميركا تشارك دول مجلس التعاون الخليجي هذه المخاوف، وتشاركها الرأي بأن السلوك الإيراني في المنطقة قد أحدث حالة من عدم الاستقرار في المرحلة السابقة، فما دواعي السياسة الأميركية أن تكون في حالة عداء أكبر مع إيران، وهي التي وقعت معها قبل أشهر قليلة (2015/6/10) اتفاقية نووية، تتعهد فيها أميركا برفع الحصار عن إيران، والإفراج عن أصولها المالية المحتجزة، التي تقدر بمئة مليار دولار أميركي، وفتح صفحة جديدة مع إيران لدخول المجتمع الدولي من بوابة الاعتدال والاقتصاد؟

إن أميركا تعلم يقيناً أن التحالف الإسلامي الذي ظهرت بوادره في عاصفة الحزم اليمنية، قبل عام تقريباً (2015/3/26)، ثم تأسيس التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، الذي أعلن عنه في الرياض قبل أشهر قليلة، ثم قيام رئاسة هيئة أركان التحالف الإسلامي بقيادة عمليات مناورات عسكرية كبرى وناجحة باسم "رعد الشمال" في الشهر الماضي، وأخيراً ما ظهر من توحيد رؤى دول العالم الإسلامي في قمة منظمة التعاون الإسلامية في دورتها الثالثة عشرة في إسطنبول، وإصدارها "إعلان إسطنبول" بتاريخ 2016/4/15، الذي مثل أول إجماع إسلامي في تشخيص أمراض العالم الإسلامي وتحدياته، المتمثلة في الطائفية، والعنصرية، والإرهاب أولاً، وإجماعها على توجيه إصبع الاتهام والإدانة إلى الحكومة الإيرانية ثانياً، التي رعت خلال السنوات الماضية كل المشاكل الطائفية في المنطقة، في العراق وسوريا واليمن ولبنان والصومال، وبعض دول الخليج وغيرها، كل ذلك جعل أميركا تفكر كيف تستثمر هذه التحركات السياسية والعسكرية الإسلامية القادمة؛ لتجعل منها ذريعة للتنصل من تعهداتها مع إيران أولاً، ولتجعل من التحالفات الإسلامية الجديدة مشاريع حروب مستقبلية تخدم الإستراتيجية الأميركية ثانياً، وجعلها تدخل في حروب أوسع في المنطقة، وبالأخص في منطقة الخليج الغنية بالنفط، وتمثل قلب العالم الإسلامي ثالثاً، أي إن أميركا تخطط لإشعال حروب عربية فارسية، بعد أن قدمت القمة الإسلامية في إسطنبول قرار الإدانة لإيران، وإن لم يقصد إعلان إسطنبول ما أرادته أميركا، ولم يهدف إلى ما تهدف إليه أميركا من إشعال حرب شيعية سنية على مستوى العالم الإسلامي.

قد تكون القمة الخليجية الأميركية في الرياض، يوم 2016/4/21، مقررة قبل بعض الإجراءات الإسلامية السابق ذكرها، ولكن أميركا لا بد أنها ستبني عليها سياسة جديدة، ومن معالمها إعلان وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، بعد لقائه مع وزراء الدفاع لدول مجلس التعاون الخليجي أن أميركا ستتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي عسكرياً في مواجهة التهديدات الإيرانية الأمنية والعسكرية لدول الخليج، إضافة إلى الاتفاق على مواجهة تهديدات داعش، وضرورة معالجة الأوضاع في سوريا.

المهم الآن أن أميركا ستبني على إعلان إسطنبول، الذي وجه الاتهام لإيران بتحمل مسؤولية الفتن الطائفية في العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي انزعجت منه القيادة الإيرانية كثيراً، والخشية ألا تكون القيادة الإيرانية أحسنت استقبال إعلان إسطنبول، الذي هدف إلى دعوة إيران إلى تعديل سياستها نحو العالم الإسلامي، بينما صرح مسؤول إيراني بأن القمة الإسلامية ستندم كثيراً على إعلان إسطنبول الذي أدان إيران، وقد صرح محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني: "لم تحدث إساءة هكذا إلى إيران منذ تشكيل منظمة التعاون الإسلامي"، وهذا يعبر عن ارتباك نظام الملالي من بيان منظمة التعاون الإسلامي، وأن إعلان إسطنبول قد فجّر مراجعة جديدة في إيران، بينما كان المطلوب منهم الاعتذار للعالم الإسلامي، والوعد بتغيير السياسات الطائفية والعنصرية والإرهابية.

إن السياسة الأميركية تحاول أن تجعل دول مجلس التعاون الخليجي هي من تؤسس أو تشارك في توتير أوضاع المنطقة، ومع إيران بالتحديد، ولذلك فإن المسؤولية على الدول الخليجية لا تتوقف على رفع الصوت في نقد السياسة الإيرانية الطائفية، ولا التحالف مع أميركا لمواجهتها فحسب، وإنما في جعل الخطوات التالية قادرة على كسب قضيتها، وليس مجرد دخول معارك جديدة في المنطقة، فالتحالف مع أميركا غير مضمون العواقب؛ لأن أميركا في تحالف أمني وإستراتيجي مع إيران، منذ عام 2001 على أقل تقدير، وهي لم تُنهِ تحالفها مع إيران بمجرد استسلام إيران في ملفها النووي عشر سنوات على أقل تقدير، وإنما هي في تحالف مع إيران الآن في العراق، وفي سوريا، وفي لبنان على أقل تقدير أيضاً، بدليل أن إيران تحرك كتائب من جيشها النظامي علانية إلى سوريا، دون معارضة أميركية، وقد كان التحرك العسكري الإيراني الأخير بعد توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا بين أميركا وروسيا بتاريخ 2016/2/22.

إن ما أشار إليه الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، وزير الدفاع السعودي، من ضرورة العمل بشكل جدي لمجابهة الإرهاب وتدخلات إيران، كما جاء في بداية اجتماع وزراء دفاع دول مجلس التعاون الخليجي مع وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، في الرياض، يوم الأربعاء، يعطي بعض التطمينات من الناحية السياسية النظرية، وما عبر عنه كارتر من جانبه هو التعبير عن سعادته بالمشاركة في الاجتماع، والرغبة المشتركة بمزيد من التعاون في مكافحة الإرهاب، والسعي لاستقرار وأمن المنطقة، كما عبر كارتر في المؤتمر الصحفي عقب الاجتماع عن إعلان التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج، وقال: "إن أموراً عدة طرحت للبحث، على رأسها السعي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، ومواجهة أنشطة إيران التي تزعزع الاستقرار في المنطقة"، فهذا التصريح الأميركي واضح في تسمية التهديد الإيراني بالاسم، وعلى لسان وزير الدفاع الأميركي نفسه.

وفي تصريحات الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، عبد اللطيف الزياني، تأكيد آخر بأن وزير الدفاع الأميركي كارتر أكد التزام الولايات المتحدة بالوقوف مع الدول الخليجية في وجه الممارسات الإيرانية، بل وتحديد المهمة الأولى، بحسب الزياني، وهي: "تم الاتفاق مع الوزير الأميركي على تسيير دوريات بحرية مشتركة، منعاً لتهريب الأسلحة عبر البحر من إيران إلى مناطق النزاع في المنطقة"، وهذه الخطوة يمكن ربطها بالتهديدات الإيرانية قبل سنة تقريباً بالهيمنة على مياه الخليج العربي، وأن كل السفن في الخليج العربي أصبحت مهددة بالنيران الإيرانية، وأن البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني قادرة على السيطرة الأمنية والعسكرية على مياه الخليج العربي وحدها، ومن ثم فإن هذه التهديدات الإيرانية، التي اختبرتها أميركا باعتقال مجموعة من البحارة الأميركيين من قبل الحرس الثوري الإيراني، كانت أحد الأدلة الإيرانية على ذلك، وعلى الرغم من أن إيران أفرجت عن البحارة الأميركان بعد ست ساعات، إثر تهديد أميركي بتعطيل توقيع الاتفاق النووي مع إيران، إلا أن وزارة الدفاع الأميركية أخذت تعالج ذلك من خلال دوريات مشتركة خليجية أميركية، وكأن أميركا لا تريد الاصطدام وحدها مع إيران، أو أنها تريد أن تبقى بعيدة عن الصدام المباشر مع إيران، أو أن أميركا تخطط لتوريط دول الخليج للدخول في اشتباكات مباشرة مع البحرية الإيرانية في الخليج العربي.

لذلك لا ينبغي فهم مشاركة أميركا لدول الخليج العربي، أو لمنظمة التعاون الإسلامي، حول التهديدات الإيرانية على أنها مشاركة حقيقية في لجم هذه التهديدات، وإنما قد تكون مجرد خطط أميركية في استثمارها لمزيد من الحروب في المنطقة، ولذلك فإن على دول الخليج أن تطالب أميركا بإثبات حسن نواياها في الاتفاق مع دول الخليج العربي؛ بالضغط على إيران لإنهاء دعمها للحوثيين في اليمن أولاً، ومطالبة وزارة الدفاع الأميركية ووزيرها أشتون بإنهاء الوجود العسكري الإيراني في سوريا ثانياً، والضغط عليها لإخراج حرسها الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله اللبناني من سوريا ثالثاً، ومن العراق رابعاً، فلا تستطيع أميركا أن تكون مع دول مجلس التعاون الخليجي في حماية أمن الخليج العربي، ومع إيران وحرسها الثوري وحزب الله اللبناني في سوريا، فالتهديد الإيراني ليس في دول الخليج فقط، وإنما في كل المنطقة العربية!!

إن الرغبة الأميركية التي تقترح على دول الخليج تكثيف التعاون في مجال الدفاع مع أميركا، وخصوصاً تدريب القوات الخاصة، وتنمية القدرات البحرية لمواجهة نشاطات "زعزعة الاستقرار" الإيرانية، لا بد أن تأخذ حقها في تأمين استقرار المنطقة، وليس زيادة التوتر فيها، وبالأخص إذا أخذت إيران تناكف أميركا في المنطقة من خلال زيادة توتير علاقاتها مع دول الخليج، وبالأخص مع السعودية؛ لأن رسالة التشخيص الإسلامية باتهام إيران بالتسبب بالفتن الطائفية في المنطقة هدفها ردع إيران عن سياساتها الخاطئة، وليس فتح معارك أخرى مع إيران في منطقة الخليج العربي، أو في غيرها.

وفي هذا المجال لا بد من التذكير بمقال كتبه "جيمس ليونز"، صدر في صحيفة واشنطن تايمز قبل شهر تقريباً، يقول: "إيران دولة متغطرسة ومعادية للولايات المتحدة، ولكن الإدارة الأميركية هي التي شجعتها على تلك الغطرسة"؛ لأن أميركا تتحرك بأكثر من جناح سياسي وعسكري، وتعمل على إسماع كل طرف ما يرضيه، وهو ما يفرض على دول مجلس التعاون الخليجي أن تطالب ما يثبت مصداقية الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون معها، وليس ما يزيد في توريطها في حروب إقليمية أكبر.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,049,384

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"