عاد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري الى موقعه الهش بعد هزة كادت تعصف بمقعده بعيدا عن منصة البرلمان!
وهذه العودة لم تأت نتيجة جدارته السياسية أو مهارته النيابية، وانما بسبب ان رؤوس النواب الذين أقالوه كانوا مهرجين وفوضويين وطائفيين، وعدد منهم لا يستحق ان يكون نائبا يقال عنه انه يمثل 100 ألف ناخب، اما لانه (تعويضي) مثل عبدالعظيم عجمان الفائز باصوات مرشح اغتالته الميليشيات الشيعية في البصرة وهو المرحوم الدوسري، ومشعان الجبوري الذي احتل مقعد ابن عمه في العشيرة احمد الجبوري (ابو مازن) عندما شغر باختياره وزير دولة في حكومة العبادي الاولى، او مثل عالية نصيف التي فازت بأصوات نوري المالكي مكافأة لها على انشقاقها من القائمة العراقية في عام 2011.
وصحيح ان ثلاثة من اقطاب الشيعة وهم: قادة التيار الصدري مقتدى الصدر والمجلس الاعلى عمار الحكيم وميليشيا (بدر) هادي العامري وقفوا الى جانب سليم الجبوري وشدوا أزره، الا ان الصحيح ايضا ان هؤلاء الثلاثة لم يساندوه لوجه الله او حباً بسحنته السمراء، وانما لكل واحد منهم اجندته السياسية ومشاريعه الطائفية الخاصة به، فالصدر يريد ان يطرح نفسه زعيما أوحد للشيعة ويقوض مكانة نوري المالكي الذي يعتقد انه يقود اكبر حزب شيعي (الدعوة) ورئيس اكبر كتلة نيابية (ائتلاف دولة القانون) وبالتالي فإن مقتدى عليه الايحاء بانه متعاطف مع أهل السنة والجبوري محسوب عليهم باعتباره نائب الامين العام للحزب الاسلامي الذي هو أقرب الى الاحزاب الشيعية واشد منها في إيذاء السنة العرب وقياداتهم الوطنية والقومية ورموزهم الدينية.
اما عمار الحكيم فمن مصلحته ان يستمر الجبوري رئيسا لمجلس النواب، لأنه ضعيف في ادائه ولين مع الشيعة في تعامله، اضافة الى ان مساعد الحكيم، همام حمودي النائب الاول لرئيس مجلس النواب يكاد يكون هو الرئيس الفعلي للبرلمان بايماءاته الناعمة وهمساته الخفية في اذن سليم اليمنى.
وفي ما يتعلق بدعم العامري للجبوري، فالمسألة واضحة ولا تحتاج الى شرح وتفسير، لان الاثنين نائبان عن محافظة واحدة (ديالى) حيث يتولى الاول مهمة الحاكم السياسي والعسكري والامني للمحافظة التي تنتشر فيها ميليشياته (بدر) وتتحكم في مفاصلها الاساسية وترتكب الجرائم والانتهاكات ضد السنة العرب الذين يشكلون اكثر من ثلاثة ارباع المحافظة أرضا وسكانا، دون ان يجرؤ الثاني ونواب كتلته (ديالى هويتنا) على فضح ممارساتها أو ذكر حتى اسمها في المجازر التي تقترفها، بل ان هاجس الخوف الذي يعيشه الجبوري من هذه الميليشيا الوقحة دفعه في اكثر من مناسبة الى حضور احتفالاتها وإلقاء خطب رعناء تشيد بانتصاراتها على أهله وعشيرته، وفي احدى المرات وصفها بأنها (حركة تحرير وطني) رغم ان تاريخ هذه الميليشيا التي أنشأتها ايران في عام 1983 وجهزتها بالمقاتلين والاسلحة ومعدات التجسس، مليئ بالاجرام والغدر ضد العراقيين.
ومما ساعد سليم الجبوري في العودة الى منصبه ايضاً، ان اكثر النواب حماساً ومطالبة بتنحيته، عليهم ملفات يختلط فيها الفساد والتسلط والانتهازية والمتاجرة بالطائفية وسرقة المال العام والانتفاع الشخصي، ابتداءً من كاظم الصيادي الذي ما زال (مكتب الشهيد الصدر) يطالبه بإعادة الاموال والسيارات التي سرقها منه عندما كان نائبا صدريا قبل التحاقة بجوقة نوري المالكي، مرورا بحنان الفتلاوي التي تفاخر بان نظريتها (7 x 7) الطافحة بالطائفية هي التي فوزتها في انتخابات 2014، وانتهاء بالنائب احمد عبدالله الجبوري الذي تقرحت يداه من حدة الضرب على الكراسي والطاولات احتجاجا على عودة سليم (الباطلة) الى موقعه كما هتف وصاح، فهذا الضابط برتبة (رائد) في الجيش العراقي السابق، جاء به آل النجيفي نائبا في انتخابات 2010 عن ناحية القيارة جنوب الموصل، ولكنه سرعان ما انقلب عليهم بتحريض من خصمهم العتيد نوري المالكي، وبات واحدا من بطانته التي تحمل تسمية (ســـنة المالكي) وهو ايضا من أسهم بفاعلية في اقالة اثيل النجيفي من منصب محافظ نينوى وزجه في قضية سقوط الموصل بايدي مسلحي داعش في العاشر من حزيران (يونيو) 2014 رغم ان الوقائع والوثائق تؤكد ضلوع رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة السابق في سحب القوات العسكرية من المدينة وتشجيع التنظيم المتطرف على احتلالها.
وفي انتخابات 2014 الاخيرة كاد احمد الجبوري يسقط فيها لولا التحاقه بقائمة شكَّلها رجل اعمال وصيرفة ورد اسمه كممول لصفقة شراء اجهزة كشف المتفجرات التي ثبت فسادها وعدم كفاءتها، حيث أغدق على مرشحي قائمته التي فازت بخمسة نواب انسحب منها اثنان عقب فوزهم (مهدي الحافظ وقتيبة الجبوري) وبقى فيها ثلاثة احدهم هو!
ولعل واحدة من مفارقات مسرحية الاعتصام التي رفعت شعار (لا للمحاصصة) ان يلتصق بها خمسة او ستة من نواب ائتلاف اياد علاوي واختيار أحدهم عدنان الجنابي رئيسا مؤقتا للبرلمان، وهو نائب سني مثل سليم الجبوري، وهذا يعني ان المسألة برمتها تغيير وجوه بوجوه فقط ولا صحة لهتافات النواب المعتصمين الكاذبة (كلا كلا للمحاصصات).
سليم الجبوري عاد الى موقعه من جديد، ولكنها عودة مخجلة تفرض عليه تسديد فاتورة من أيَّده ووقف الى جانبه، وهي فاتورة باهضة الثمن سيدفع السنة العرب ما يترتب عليها وهم يعيشون في مخيمات النزوح البائسة وتحت قهر داعش وقمع الميليشيات الشيعية، وهذا كله ليس مهما ما دام الجبوري المحسوب عليهم بالقوة والاكراه رئيسا لمجلس نواب تصلح قاعته الكبرى لتقديم مسرحيات عبثية تُبكي وتزيد حالات الاكتئاب عندهم.