وثائق الشرف في #العراق كما يراها فرويد!

صلاح حسن ‏

ونحن نتحدث عن الأوضاع العراقية الشاذة، لا بد أن نستعين بفرويد، صاحب نظرية اللاوعي، ‏وربما أيضًا بكارل يونغ، صاحب نظرية تحقق الذات، لأن السلوك الذي يرتكبه سياسيو الصدفة ‏في العراق طيلة ثلاثة عشر عامًا، يحتاج الى من يفّسره بطريقة نفسية واجتماعية وعلمية لتجاوزه ‏كل النظريات السياسية الحديثة.‏

 

يقول فرويد إن الأعراض الخاصة باللاشعور (فلتات اللسان، الأحلام، المخاوف الهستيرية...) لا ‏تصدر عن مصادفة، فهي تفرض نفسها عندما تكون الشخصية ضعيفة. ومن خلال معالجته ‏المرضى، رأى أن الشعور والوعي ليسا المحّددين الوحيدين لسلوكنا، بل هناك اللاشعور كموقع ‏نفسي مستقل عن نظام الوعي والإدراك والجوانب الشعورية للإنسان، وهو يؤثر في شكل كبير ‏فينا. اللاشعور أو اللاوعي إذًا، سيكولوجية نستطيع في موجبها أن نفهم سلوكنا السوي منه ‏والشاذ، ونستطيع تاليًا أن نقول إن الشخصية في تصّور فرويد في مثابة جبل الجليد،

وما هو خفي أضخم بكثير مما يظهر.‏

ووظيفة الطبيب النفسي كشف الرغبات المكبوتة لإعادتها إلى دائرة الشعور، لكي يواجه المريض ‏الصراع الذي فشل في حّله سابقًا. وهنا، نحتاج الى يونغ لكي نربط بين المكبوت وتحقيق الذات ‏عند السياسيين العراقيين، الذين تعود أصول غالبيتهم الى القرى والأرياف.‏

يقدم يونغ أمثلة عن الصبيان الأسوياء وغير الأسوياء عبر الأجوبة التي يقدمونها له، وعلى ‏ضوئها يقرر إن كان الصبي سويًا أو شاذًا. السؤال الذي يتقدم به يونغ الى الصبيان هو: ماذا ‏تريد أن تصبح في المستقبل؟ والإجابات تختلف تبعًا للحالة الاجتماعية والنفسية للصبي، فمنهم ‏من يريد أن يكون طبيباً أو ضابطاً أو لاعب كرة قدم أو رئيساً للجمهورية.‏

وبالعودة الى قادة الكتل السياسية العراقية ونواب البرلمان، نكتشف بالضبط لماذا تصرف هؤلاء ‏بطريقة شاذة على مدى الـ13 عاماً المنصرمة، وكيف دفعهم لا وعيهم الى فلتات لسان، والى ‏توقيع ميثاق الشرف بعدما امتلأ وعيهم بالذنوب والجريمة.

إنهم يلجأون مرة أخرى الى اللاوعي ‏ليحميهم من الانهيار والغيبوبة.

وعبر فرويد أيضا، نكتشف أن الذين حكموا العراق طيلة تلك ‏الفترة كانوا على أزمة مع الشرف، وإلا ما الذي يدعوهم الى توقيع وثيقة شرف بعدما انهار البلد؟ ‏وبالعودة الى يونغ، نكتشف أن قادة، في غالبيتهم، لم يستطيعوا تحقيق ذاتهم في الحصول على التعليم المناسب أو العيش الكريم فلجأوا الى تزوير شهاداتهم لدخول البرلمان.‏

إنهم في الواقع مرضى وأصحاب عقد ثاوية يصعب على البسيكولوجيا أن تعالجهم، فقد تغلغلت ‏العقد في نفوسهم وتحّولت الى سلوك قار من الصعب تفتيته. لكن ما لا يمكن تفسيره أيضا، ‏قضية الاعتصامات التي ينّفذها بين وقت وآخر بعض قادة الكتل أو بعض النواب، ما يمكن أن ‏نطلق عليه صفة المسرحيات. وأسوأ المسرحيات التي رأيناها في حياتنا لا تقترب من بلادتها. ‏والأغرب أن يطالب هؤلاء المعتصمون بنبذ الطائفية ومكافحة الفساد وسرقة المال العام، حيث ‏يصل الاستخفاف بعقل المواطن العراقي الى درجة الاستهتار.‏

وكيف يتسّنى للشعب العراقي قراءة هذه الوقائع غير المسبوقة حتى يستطيع أن يتخذ موقفاً إزاءها‏، خصوصاً أن العالم كله واقف يتفرج على هذه المأساة التي لن يستطيع حتى شكسبير التعبير ‏عنها؟

إذا كان الأميركيون قد دمروا جزءاً من العراق والدواعش دمروا جزءاً آخر، فدواعش الشيعة والسنة ‏والأكراد والعملاء في الحكومة والبرلمان دمروا العراق ومستقبله الى فترة غير مرئية، وقد لا يعود ‏العراق الذي نعرفه أبداً.‏

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,027,722

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"