ذكريات يوم خالد في التاريخ العربي المعاصر

الصورة: الأب القائد المرحوم أحمد حسن البكر يعلن قانون تأميم شركة نفط العراق.

نزار السامرائي

يوم الخميس الاول من حزيران 1972 وصلت حالة التعبئة الشعبية والرسمية على المستويين السياسي والاعلامي لتهيئة الشعب العراقي لحدث كان حلما لم يكن احد ليتصور انه سيتحول الى حقيقة وهو الاقدام على خطوة تشريعية من طرف بلد منتج للنفط.

 

كان هذا اليوم مؤشر الانتقال من حالة التبعية السياسية والاقتصادية لشركات النفط يفترض بها ان تتصرف استنادا الى ما تمليه مصالح البلد وتوجهاته وتوجيهات حكومته واذا بها تتغول على مصادر نعمتها فتتحكم بمفاتيح القرار السياسي والاقتصادي فتخنقه متى شاءت وتمنحه بعض فتات المائدة التي لولا البلد الذي تعمل فيه  ما امتلكت القدرة على اعدادها.

مساء يوم الخميس واذ كنت مديرا للاخبار والبرامج السياسية في المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون بدا كبار المسؤولين بالتقاطر على مبنى المؤسسة كان في طليعتهم الرئيس صدام حسين ووزير النفط واعضاء القيادة كنا نتلقى مكالمات هاتفية من كل مكان عن طبيعة  القرار الذي سيتم الاعلان عنه ولاننا لم نكن نعرف التفاصيل حتى تلك اللحظة فاننا كنا نعتذر منهم ولكن كثيرا ظنوا اننا نتعمد عدم اعطاء الجواب الصحيح.

وفي تمام السادسة مساء وفي نفس ساعة اذاعة بيان مجلس قيادة الثورة بانذار الشركات امر الرئيس صدام حسين باعادة اذاعة البيان وقال هذا من اجل ان يعرف العراقيون اننا عندما نقول نصدق ونفعل.

كان الانذار قد تم تسجيله من يوم اذعته قبل اسبوعين.

بعد ان انتهى التسجيل وقعت وكالة انباء الشرق الاوسط بالتباس خطير اذ ظن مراسلها في بغداد ان هناك تمديدا لمدة الانذار لاسبوعين اخرين فطيرت خبرا بهذا المعنى انتشر بسرعة خارقة على كل الوكالات ومحطات الاذاعة والتلفزيون.

بدأت حملة عنيفة علي من جميع المسؤولين الموجودين في مبنى المؤسسة في ذلك الوقت محمليني مسؤولية ما وقع فقال لهم الرئيس صدام حسين بلغة قاطعة (انا من اصدر الامر ولا علاقة لنزار بالموضوع وسنعالج الامر).

خولني الرئيس التصرف فاتصلت بوكالة الانباء العراقية وامليت عليهم خبرا قصيرا جدا جاء فيه (صرح مصدر مخول من مجلس قيادة الثورة بان ما حصل من لبس نتيجة اعادة اذاعة بيان مجلس قيادة بانذار الشركات قد اوقع وكالات الانباء في خلط عما حصل ونفى المصدر المخول ان يكون المجلس قد مدد مدة الانذار)

بعد الانتهاء من اعادة بث البيان المعاد بدا رشدي عبد الصاحب بالقول (نسترعي انتباه ابناء الشعب العراقي الى اننا سنذيع بعد قليل قرارا مهما لمجلس قيادة الثورة) واخذ المرحوم رشدي عبد الصاحب نحوا من ربع ساعة يكرر الاعلان هذا.

ثم بعد ربع ساعة من تهيئة الرأي العام في العراق والوطن العربي نفذها المرحوم رشدي عبد الصاحب دخلت الاستوديو. وبدأت التصعيد في لهجة الخطاب الثوري ووفقا لما بين يدي من معلومات من خلال ما علمته من الرئيس صدام حسين فقد رتبت خطابي الإعلامي على نحو يتطابق مع نية التاميم من دون أن يرد مصطلح التاميم على لساني طيلة أكثر من نصف ساعة أوصلت حماسة العراقيين إلى أقصى درجاتها وكانت تتخللها اناشيد وطنية عالية الحماسة سلمت الميكروفون للسيد محمد سعيد الصحاف مدير عام المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون وحينما أيقن الجمهور أن المجهول سيصبح معلوما وان ساعة الحسم قد اقتربت.

بعد عشر دقائق ظهر فيها الصحاف حوالي أربع أو خمس مرات وكان خلالها قد وصل الرئيس المرحوم أحمد حسن البكر إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون في الصالحية

كانت الدقائق تمر قاسية وتشد الأعصاب شدا وفي الثامنة وعشر دقائق ظهر الرئيس البكر بقراءة بيان مجلس قيادة الثورة الخاص بقرار التأميم الخالد ثم تلى القانون رقم 69 لسنة 1972 والخاص بتاميم عمليات شركة نفط العراق.

كنت الأحق نص البيان من الشاشة مباشرة واعدادت أكثر من أربعين موجز لعشرات الأخبار المتعلقة بالقرار.

وقد طلبت وزارة الخارجية العراقية تلك المواجيز لتعميمها على الممثليات الدبلوماسية العراقية في الخارج.

بمجرد انتهاء البكر من خطابه أذيعت اغنية اممنا التي غنتها المجموعة وهي من تأليف وتلحين خزعل مهدي وكانت بمثابة ضربة فنية أعد لها الفنان خزعل مهدي لأنه كان يتابع تطور لغة الخطاب الإعلامي من الإذاعة التلفزيون ونتيجة لذلك حصل على تكريم من القيادة.

ومن دون إعداد انطلقت الجماهير في تظاهرات حاشدة في معظم شوارع بغداد وخاصة أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون بحيث أن الرئيس البكر شق طريقه بصعوبة بالغة وسط أمواج المتظاهرين الحاشدة.

كان يوم الأول من حزيران عرسا ثوريا للعراقيين الذين عرفوا النتيجة ولم يعرفوا شيئا عن المفاوضات الشاقة التي خطط لها الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله وما التفاصيل الدقيقة لها وظن الشركات بأن العراق لن يقدم على التأميم ابدا ولهذا رأينا كيف ظلت تتامر على العراق حتى تم احتلاله عام 2003.

سلام على العراق أرض البطولة وسلام على روح المرحوم الرئيس الراحل أحمد حسن البكر وسلام عليك أيها الرجل الشجاع المقدام والقائد الخالد صدام حسين.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,031,566

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"