جمانة نمور
“الفوضى الخلاقة” مصطلح قديم طفا الى السطح عام 2005 في تصريح أدلت به وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك “كوندليزا رايس”، في معرض حديثها عن مستقبل الشرق الأوسط. واليوم، يعود الحديث عن هذه الفوضى بقوة، مع اضافة مصطلح “غير الخلاقة” احيانا، لتوصيف الغموض الذي يكتنف نتائجها المحتملة.
“المنطقة وشعوبها معلقة في الهواء بخيط رفيع: فلا هي قادرة على العودة الى صيغة الدولة القديمة.. ولا في مستطاعها بعد ايجاد موطيء قدم إيديولوجي في النظام العالمي الجديد”. التوصيف للكاتب “سعد محيو” ضمن سلسلة مقالات عن حاضر ومستقبل المنطقة العربية. تحدث فيها عن “حروب جديدة” تتميز بالانفجار الداخلي للمجتمعات، وتتهاوى معها بنى ومؤسسات الدولة على “النمط الصومالي سابقا، والآن السوري والعراقي واليمني والليبي، والعد مستمر”.
ليبيا تشكل اليوم نموذجا لهذه الحالة، فهي تمر بمرحلة أقل ما يقال فيها انها مفصلية. الأرض التي شهدت حضارات وأمما وأشكال حكم ونظم عديدة، تسيطر عليها الفوضى. حالة استقطاب حادة، بين ما بات يعرف بالليبراليين من جهة، والاسلاميين من جهة أخرى. وتخوف من تحولها، برمشة عين، الى حرب اهلية بين من كانوا، قبل ثلاث سنوات فقط، رفاق سلاح بوجه العقيد معمر القذافي.
وصل الوضع حافة الانفجار بعد “نكسة” للاسلاميين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. حين حقق مستقلون ليبراليون مدنيون، رغم عدم سماح الظروف لهم بتشكيل تحالفات انتخابية، نجاحا قارب الثمانين بالمئة من المقاعد. نتيجة لم تقبل بها فصائل أعادت “المؤتمر الوطني” بقوة السلاح الى الحكم في طرابلس، ودفعت ب “مجلس النواب العام” المنتخب حديثا الى طبرق. فأصبح للبلاد برلمانان، تلاهما كذلك حكومتان.
خريطة حكم الأمر الواقع في ليبيا معقدة أكثر مما تقدم. الامر لا يقتصر على طرفين متجاذبين بين التطرف والمدنية، كما توحي بعض التقارير. مروحة واسعة من الفصائل والانتماءات موجودة بين الاثنين، يفوق عددها الالف وخمسمئة. ينضوي العديد منها في تحالفات، قد يكون أبرزها “فجر ليبيا” الذي يسيطر حاليا على العاصمة طرابلس، بعد معارك شرسة خاضها مع “الزنتانيين”. كان آخرها معركة مطار العاصمة.
اختصارا نعدد بعض أبرز القوى المسلحة الفاعلة على الأرض:
-
كتائب الزنتان المتحالفة مع ما يعرف بجيش القبائل الليبية، والمدعومة من اللواء خليفة حفتر. وهي قوى تعترف بشرعية “مجلس النواب العام” المنتخب حديثا وتدعمه.
-
تحالف فجر ليبيا الآنف الذكر. ويضم في صفوفه متشددين ومعتدلين، أبرزهم ما يعرف بوحدات مصراتة، ومكونات أمازيغية. أعاد “المؤتمر الوطني” الى الحكم رغم انتهاء ولايته.
-
مجلس الشورى، وابرز وجوهه “أنصار الشريعة” التي تدعم المؤتمر الوطني رغم معارضتها السابقة له، بعدما وجدت في اللواء حفتر ومجلس النواب العام عدوا مشتركا.
-
مجلس شورى شباب الاسلام في درنة، الذي تمايز مؤخرا باعلان مبايعته لداعش، وخطف بذلك الاهتمام.





