تكنولوجيا الاتصالات والضمير الإنساني

نزار السامرائي

على الرغم من أن تكنولوجيا الاتصالات لم تكن أثناء الحرب الأمريكية العدوانية على فيتنام في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إلا أن صورة واحدة لمدير شرطة سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية في ذلك الوقت "هوشي منة" الآن، وهو يطلق النار على أسير من "الفيتكونغ" ويرديه قتيلا في الحال، كانت كفيلة بإثارة الرأي العام العالمي وأجهزة الإعلام في كل أنحاء العالم وخاصة داخل الولايات المتحدة ضد العدوان الأمريكي، وحركت ردود فعل من جانب المنظمات الحقوقية والإنسانية ضد التدخل هناك، ولم تتمكن الإدارة الأمريكية تبرير تلك الجريمة الفردية والتي اعتبرها الرأي العام جريمة حرب لا يمكن السكوت عليها لأنها تجسد وحشية العدوان الأمريكي ونظام فيتنام الجنوبية.

 

ومع التطور في وصول الخبر بالصورة والصوت في لحظة وقوعه من أقصى شرق الأرض إلى أقصى غربها، يبدو أن المشاعر الإنسانية قد تبلدت إلى حد لم تعد تكترث لأي شيء يحصل إلا إذا وقع في بلد أوربي أو داخل الولايات المتحدة، ويبدو أن هذه البلادة المكتسبة نمت بشكل متكافئ مع التطور التقني في وسائل الاتصالات والبث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية وتطور مواقع التواصل الاجتماعي، فهل الأمر يرتبط بالتعود على مشاهدة مناظر القتل والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان والاغتصاب والتدمير، بحيث باتت تلك المناظر شيئا مألوفا وكأنه منظر طائرة حديثة عندما يشاهدها من صنعت في زمنه فلا يكترث لها، في حين أن هذه الطائرة نفسها لو حلقت فوق أفريقيا أو حتى الولايات المتحدة بداية القرن العشرين لأصبحت حديث الناس لزمن طويل وربما ستفسر على أنها جزء من أجسام قادمة من الفضاء الخارجي، أو كما لو أن شخصا مات منذ قرنين ويبعث لساعات ويرى التلفزيون وبقية المخترعات ربما سينفجر دماغه في غضون ثوان فقط.

ما حصل في العراق منذ الاحتلال الأمريكي وما حصل في أفغانستان بعد عام 2001، وما ارتكبه الجيش الأمريكي من جرائم أثناء انسحاب القوات العراقية من الكويت عام 1991 ثم مناظر المعتقلين في غوانتانامو، كانت رسائل أمريكية مقصودة لنزع المشاعر الإنسانية من إنسان التكنولوجيا وتحويله إلى إنسان آلي يتصرف بلا مشاعر، وتحويل بني البشر إلى وحوش ضارية بزي الإنسان يأكل قويها الضعيف.

إن آلاف الأفلام والصور تخرج يوميا عن انتهاكات مليشيا الحشد الحكومي، وهي أكبر في وحشيتها بآلاف الأضعاف مما حملته صورة مدير شرطة سايغون وهو يقتل الأسير الأعزل من السلاح، ولكن العالم اليوم غير العالم بالأمس على الرغم من أن الفاصلة الزمنية بين الظواهر المدانة إنسانيا لا تتعدى نصف قرن.

فما حصل للضمير الإنساني؟

ألسنا بحاجة إلى قراءة جديدة لتأثيرات التكنولوجيا على سلوك الإنسان؟

دعوة لا أدري لمن أوجهها ولكنني أطلقها على صفحتي في الفيسبوك مع أنني على يقين أنها لن تكون بقوة الصفعة لوجه الإنسانية النائمة التي تحملها أفلام القتلة من عناصر المليشيات التي يحمل أفرادها الجنسية العراقية وهم إيرانيو الولاء شأنهم كشأن عصابات بشار وحزب الشيطان اللبناني والحوثيين، أو صورة مجرم من المليشيات وهو يسلخ جلد إنسان سني أو يشويه على نار حامية.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,620,219

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"