من لم تَفِدْهُ عِبَر أيامه كان العمى أولى به من الهدى!

نزار السامرائي

العربي السني للأسف الشديد لا يجهد فكره كثيرا ولا يخطط لمستقبله لمدى بعيد، ولا يريد من أحد أن يفعل ذلك نيابة عنه أو يساعده عليه، ولذلك توالت عليه الكوارث والمحن والنكبات ولم تستطع انتشاله من حفرة اليأس وانتظار القدر النازل عليه ليسحقه تحت دولابه بكثير من اللامبالاة.

 

رب سائل يسأل ما بالك خصَّصت العربي السني بهذه الصفة، وكي لا يكون الحديث مرسلا وخاضعا للاجتهاد الخاطئ؟!

أسارع فأقول إن العربي الشيعي يعتمد على دولة هي راعية لمذهبه وتفرض عليه منحها الولاء والطاعة وهي إيران مع مؤسسة دينية عنكبوتية أكبر من أية دولة مدنية أو دينية في العالم، لها أكثر من أخطبوط متعدد الأذرع والرؤوس معا، ليس من حيث اتخاذ القرارات، وإنما من حيث المشاركة بالتفكير وتقديم المقترحات والبحوث والدراسات للمشاكل القائمة أو المحتملة مما يسهل عليها تمرير الأزمات من دون خسائر أو بأقلها، هذه الجهات تشارك في وضع حلول لا احتمال كبير لبروز مشكلاتها حتى على مدى عشرات السنين، ولكنها إن وجدت في اختلاق مشكلة ما يمكن أن تصب في خدمة مشروع المرجعية الشيعية فإنها تكلف ما يسمى بالحوزات العلمية المنتشرة في كثير من بلدان العالم لوضع فرضيات لأزمات خيالية وحلول مفترضة لها، هذه الحوزات لا تخضع لإشراف حكومي من وزارة التربية والتعليم وكأنها حصون لا يجوز الاقتراب من أسوارها، ومع الزمن أصبحت هذه القدسية المصطنعة أمرا واقعا بقوة التقادم لم تتجرأ أقوى الحكومات على التدخل في شؤونها، مما جعل منها مفخخات تخرّج آلافا من الشيعة المتزمتين والتكفيريين الحقيقيين.

ومن أجل أن تمر برامج هذه المؤسسة الشبيهة بالمحفل الماسوني العالمي وربما هي جزء منه، فقد وزعت أدوارها لتبدو وكأنها مختلفة فيما بينها على الأصول "في حين أنها لا تختلف إلا على أجزاء الجزئيات" وزعت أدوارها بين مدن مختلفة في أكثر من بلد أو ربما داخل البلد الواحد، غير أنها في واقع الحال تلتقي على تكفير كل من لا يؤمن بولاية الإمام علي كرم الله وجهه وتخرجه من الإسلام وكأنها وصية على الدين الحنيف.

وبقوة التخدير الفكري والعقلي وطرح البكائيات والمقاتل التي تمت إعادة كتابتها وفقا لمشروع فرض فكرة المظلومية على الشيعة عبر التاريخ كتنويمة للطفل الشيعي، كان هذا يشب على تلقي أفكار معتقة ومعلبة، يتم ضخها له حتى تلجمه وتمنعه من الخروج عن السكة مهما بلغ مستواه التعليمي أو العلمي، ويأخذ البناء النفسي للشيعي منهاجا متكلا على قوة خارقة يمتلكها المعمم القادر على تذليل كل الصعوبات من طريقه مهما استعصت، وتلتقي حركة التشيع مع الديانتين اليهودية والمسيحية في إعطاء رجل الدين درجات وصفات ومؤهلات تقترب مما توفر للأنبياء والمرسلين!

فالولي الفقيه يساوي البابا أو الحاخام الأكبر وآية الله هو الكاردينال أو الحاخام وحجة الإسلام تساوي القس وهكذا، ولو أن عالم الدين السني مستقل بمورده المالي ولو أن اختيار كبير العلماء يجري على أسس موضوعية ويتم من داخل المؤسسة الدينية نفسها لوجدنا أن عالم الدين المسلم السني سيعيش هموم الأمة ويدافع عنها ولا يجامل خوفاً من السلطان أو طمعا بأعطياته.

قطعاً نحن لا نريد أن يكون عالم الدين السني نسخة من التضليل الذي يمثله رجل الدين الشيعي لأن هذا خروج على الوظيفة الأساسية للعالم الرباني.

على سبيل المثال هناك صور نمطية أخذت تغزو الشارع العراقي المخدّر عن تأثير لعاب المعمم إذا ما وضع على القلم وكيف يستطيع فيه الطالب نيل أعلى الدرجات والعلامات حتى من دون أن يفكر هو بالإجابة على أسئلة الامتحانات، أو أن المعمم قادر وبقطعة حلوى واحدة وصغيرة أن يشفي مدينة أو عشيرة بكاملها من جميع الأمراض التي استعصت على أمهر أطباء العالم بما في ذلك السرطان وأمراض القلب والكلي والعقم وغيرها، هذا ليس تجنيا وإنما هو ما يحصل في العراق بشكل خاص، حتى قبل الاحتلال ولكن كان على نطاق ضيق بسبب الردع القانوني للدجالين.

هذه العطالة الفكرية التي يعيشها السني ولا يقبل من أحد أن يرشده إلى طريق الصواب، هي التي توقعه في محن جديدة أسوأ مما سبقها، والعطالة الأكثر تجذَّرا لدى الشيعي والذي وكلّ أمره للدولة الإيرانية ولمؤسساتها الدينية بحيث جعلته محصناً بوجه الأخطار أكثر من العربي السني.

 

 

لو أن ما وقع على السنة من محن ونكبات قد حصل لأكثر شعوب الأرض تخلفا لصنعت منها أمة عباقرة بكل معنى الكلمة ولكانت اليوم في طليعة الأمم تطورا وعلما وثروة وورعا، ربما لأن السنة عموماً مجبولون على ثقة عالية في النفس "وفي معظم الأحيان تكون في غير محلها" ولا يقبلون بالخضوع لأية سلطة روحية مهما علت منزلتها العلمية ودرجة تقواها، لأنهم تعودوا على عدم الخضوع لغير سلطة الدولة في تفاصيل حياتهم الدنيوية، أما في موضوع العبادات فإن السني على يقين بأن علاقته مع الله سبحانه وتعالى ليست بحاجة إلى وسيط، ربما جعلت هذه الصفة من السنة في معظم الأحيان يقفون بوجه أية فكرة جديدة أو دعوة لوحدة الصف والموقف حتى إذا كانت بأعلى درجات السداد، وحتى إذا خرجت من عالم دين!

وهنا علينا أن نتوقف عند نقطة في غاية الأهمية وهي أن رجال الدين السنة ولا أقصد علماءهم الأعلام، كانوا مجرد أدوات يحركها المال أو السلطان أو كلاهما، فنراهم تحت لافتة "أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم" يلوون عنق الفهم الصحيح لهذه الآية الكريمة فيسخرونها لتبرير خنوعهم وخضوعهم لكل إملاءات الحكام الطغاة والمنحرفين والفاسدين والظلمة، فالأزمة الحقيقية مكمنها في السني البسيط وسلطة الدولة وغياب عالم الدين الذي يعمل لوجه الله فقط.

وربما لأن عالم الدين السني يتقاضى راتبه من الدولة أو أنه يعين بقرار حكومي كما هو الحال بالنسبة لشيخ الجامع الأزهر في مصر، فإن حالة التبعية للسلطة تجعل من رجل الدين مجرد واجهة لتبرير خطوات وخطايا السلطة مع كل الوزر الذي سيقع على عاتق علماء الدين فيتم النظر إليهم على أنهم من صنف واحد.

يبدو أن الصدمات التي وقعت على الرأس السني، وهي مما تنوء به الجبال، لم تكن كافية حتى الآن لإيقاظه من سباته الطويل والعميق، ولم يكن كافياً لإيجاد صحوة فكرية وعقلية لديه لمنع وقوع المزيد منها!

ومن باب استعراض ما حصل في العراق ومقارنة أدوار رجال الدين الشيعة وبعض من يرتدي لباس علماء الدين السنة وهم ليسوا أكثر من وعاظ سوء ومنحرفين عن جادة الحق والصواب وأنهم لا يمثلون إلا أنفسهم، نأخذ ما جرى من مآسٍ لمدينة الفلوجة وسكانها، فقد لاحظ الناس بدهشة تدفق رجال الدين الشيعة يحثون الميليشيات على القتال وكأنهم ذاهبون إلى معركة نشر الإسلام في بلاد فارس أو لتحرير الأقصى، وبدلا من أن تخلق هذه الحالة اصطفافاً مضاداً، رأينا أن رجال الدين السنة الذين تم شراؤهم بثمن بخس، دراهم معدودة وكانت الحكومة فيهم من الزاهدين، يتسابقون بل ويسابقون رجال الدين الشيعة في حث الميليشيات الشيعية على دخول الفلوجة ببنادقهم فاتحين، كما فعل وأمام الفضائيات عبداللطيف هميم رئيس ديوان الوقف الذي كان سنيا ذات يوم فأصبح في عهده وعهد سلفه احمد عبدالغفور السامرائي مجرد معقِّب معاملات لنقل ممتلكات الوقف السني إلى الوقف الشيعي.

أما من شارك في العملية السياسية من السنة، من الذين باعوا أنفسهم مقابل عقارات تملكوها في دبي وعمان ولندن، هي ليست أكثر من قطرة في المحيط الهادي مما سرقه شيعة العملية السياسية ورجال دينها، وبهذا الثمن البخس كان أولئك السنة أكثر تحريضا على المدن السنية من الشيعة، ليس لإيمان وإنما نفاقاً ومن أجل إثبات الولاء ومن ثم الاحتفاظ بمناصبهم وامتيازاتهم.

 

 

لو أن السنة فكروا بما حصل في ديالى وصلاح الدين وحزام بغداد وجرف الصخر، لأيقنوا أن الأمر لا يتعلق بداعش أو القاعدة وتهجيرهم من مدنهم وضمان حياة أفضل لهم، بل إن ما يحصل هو جزء من مخطط الزحف الإيراني الشيعي القومي الطائفي.

نعم لو أنهم أقاموا حساباتهم على أساس هذه الفكرة، لما استسلموا للأمر الواقع الذي جرى في الفلوجة أخيرا والذي فرضه عليهم تحالف قوى الشر الأميركي والإيراني وحقد ميليشيا شيعية مشبعة بعقدة الانتقام والثأر يقودها أتاس ساديون تتجسد سعادتهم برؤية مناظر المعذَبين تحت وقع أقدام قتلة محترفين أو تحت سياطهم أو تحت وابل رصاصهم، فحصل كل الذي حصل من انتهاكات وقتل وتعذيب وتشريد وتدمير، وسط منطق تبريري لا يطلقه شيعة السلطة بل يزايد عليهم في تبريره سنة هذه العملية الفاسدة لأنهم غارقون في الخيانة والذل والخنوع.

ما جرى في تلك المدن كان يجب أن يكون درساً لأبناء الفلوجة ولكنهم وقعوا ضحية زبد الوعود التي أطلقها أشباه رجال ممن يسمون أنفسهم (شيوخ عشائر الأنبار) ومجلس محافظتها وأعضاء الحكومة والبرلمان.

والآن نحن مقبلون على كارثة كبرى في محافظة نينوى والشر المنتظر لها أكبر مما وقع لكل المناطق السنية الأخرى التي توزع أبناؤها على المنافي والصحارى وذل الغربة، فالميليشيات الشيعية والبيشمركة الكردية وميليشيات اليزيديين والتركمان الشيعة، وأميركا من الجو وقوات السلطة بقيادة قاسم سليماني على الأرض ستصنع لوحة مأساوية لا مثيل لها في تاريخ حروب الإبادة!

فهل ينتبه السنة ويفكروا بأن الموت آتٍ لا محال وطعمه في أمرٍ حقيرٍ كطعمه في أمرٍ عظيم، كما قال أبو الطيب، فلماذا لا يختارون الموت بعز وكرامة؟!

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,062,434

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"