أميركا تريد عملاء لا أصدقاء

نزار السامرائي

مع أنني أرفض عقد مقارنة بين الشهيد صدام حسين رحمه الله ذلك القائد الممتلئ بالشجاعة والنخوة والمروءة والكرامة والعزة وكل الخصال الحميدة التي يعتز بها العربي، وأي رئيس آخر في النظم المفروضة بقوة القمع، وخاصة إذا كان تابعا ذليلا لأكثر من طرف من الذين ثبتوا كرسيه حتى اليوم مثل بشار الأسد الذي قتل نصف مليون سوري وشرّد نصف الشعب وعذبت أجهزته القمعية مئات الآلاف من المعارضين وغيبتهم.

 

إلا أن ما تتعرض له سوريا اليوم من جانب الولايات المتحدة هو استنساخ لما فعلته في العراق بعد العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991، فقد جمعت المخابرات المركزية الأميركية كل الفطائس من نطيحة ومتردية وموقوذة، ممن يسمون أنفسهم بالمعارضة وكلهم مطلوبون للقضاء إما بتهمة الهروب من خدمة العلم أو تعاطي الرشوة أو السرقة أو الجرائم المخلة بالشرف، فجعلت منهم قادة سياسيين وعقدت بهم مؤتمر لندن وصلاح الدين، وجعلت الأكثر فيهم انحطاطا وسفالة، جنودا في معسكرات تدريب أقامتها في أوربا الشرقية، وخصصت لهم رواتب شهرية من أجل قتال بلدهم بعد أن أحكمت سيطرتها عليهم كعملاء لها في العمل الاستخباري وليس في العمليات العسكرية لأنها تعرف أن من يهرب من ساحة المعركة مرة واحدة فلا يصلح للثبات في أخرى مهما اكتسب من مهارات القتال، فالأمر لا يتعلق بالخبرة القتالية بقدر ما يتعلق بالشجاعة والإرادة والإيمان بقضية ما، فضلا عن أنها لم تكن في وارد الحاجة لمقاتلين بقدر حاجتها لغطاء سياسي يوحي بأنها تنفذ إرادة الشعب العراقي.

في سوريا اختارت المخابرات المركزية عددا ممن تطلق عليهم وصف معارضين وهم ليسوا أكثر من عملاء صغار، تهدف من خلال الزعم بتجنيدهم لقتال الإرهاب الإساءة لسمعة المعارضة السورية التي سجلت أروع ملاحم البطولة وقدمت أعظم التضحيات وجاهدت لزمن طويل كان مفاجأة الأمة لنفسها في القدرة الهائلة على المطاولة والاستعداد لتقديم أعظم التضحيات بعد أن تدمرت مدنهم وبيوتهم عن آخرها، غير أن القاصي والداني يعرف جيدا أن الولايات المتحدة هي وحدها المسؤولة عن إطالة عمر نظام بشار الذي كان آيلا للسقوط بعد عام من اندلاع الثورة السورية السلمية ثم تحولها بعد ذلك إلى الرد العسكري بعد أن تعامل نظام بشار مع المتظاهرين المطالبين بالإصلاح السياسي بكل وحشية وقسوة، ولما وجد أن أجهزة القمع التي بناها أبوه ترهلت وأصيبت بالشيخوخة ولم تعد قادرة على مواصلة القمع، استقدم حزب الشيطان اللبناني ومن ثم جاء الحرس الثوري والمليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان وشبه القارة الهندية ومن كل أصقاع الأرض، هنا وجد الروس أنفسهم أمام خيار في غاية الصعوبة، إن هم تركوا النظام لمصيره الحتمي فإنهم سيخسرون آخر مواطئ أقدامهم في البحر الأبيض المتوسط ويتم حصرهم داخل حدودهم، خاصة بعد أن ألقت إيران بكل ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري إلى جانب بشار ولكنها كانت تخسر وتخسر، هنا دخل الروس وأدخلوا معهم معادلة استراتيجية جديدة عقّدت الأزمة وأدخلتها في سلة الصفقات الدولية بين الكبار.

وبعد تخبط طويل وخيارات مرتبكة عادت واشنطن للحديث عن تدريب عناصر جديدة من المعارضين السوريين من قبل وزارة الدفاع الأميركية وليس المخابرات المركزية، وهذه المتلازمة كانت حصلت في العراق وأدت إلى صراع وتنافس بين الجهتين الأكثر قدرة على الإمساك بالملف العراقي، ويبدو أن الولايات المتحدة لا تكرر أخطاءها بقدر ما تكرر خطواتها المدروسة بعناية كي تثير أكبر قدر من التشرذم بين المكونات والكتل والتيارات في البلدان العربية الموضوعة على لائحة التفتيت.

الهدف الأميركي من اللعبة القديمة الجديدة، إعادة خلط الأوراق لزيادة العقد في الأزمة السورية وإضافة عناصر ضاغطة على المسرح للطبخة خاصة بعد أن اختارت دعم القوات الكردية في تحركها في منبج من بعد فظائعها في عين العرب وتل أبيض ومنها تريد الانطلاق إلى معركة الرقة لرسم خارطة الكيان الكردي على حساب وحدة الأراضي السورية والعراقية، مما يؤكد حقيقة نوايا واشنطن في سوريا بعد دورها التدميري في العراق، وتركها في دوامة اقتتال وفوضى هدامة كما كانت قد خططت قبلا للعراق وها هو اليوم وبعد أكثر من ثلاثة عشر سنة يسير إلى الوراء بسرعة قياسية ويهوي إلى قرار سحيق.

المعارضة السورية بما تمتلكه من رؤية ثاقبة وموضوعية ونضج ثوري، مطالبة بفرز كل متعاون مع أميركا وعميل لها يتجسس على أبناء وطنه تحت شعار الحرب على الإرهاب لعزله تاريخيا وتثبيت جريمته ليوم حساب آت.

إن من يحارب الإرهاب لا يمكنه تجزئة مفهوم الإرهاب على النحو الذي يخدم مصالح الغرب وتفسيراته له، فالإرهاب واحد من أي طرف خرج ويمكن التقاط صوره بجرائم "تحرير" الفلوجة وجرف الصخر وآمرلي وإدلب وداريا ومضايا وغيها من المدن والبلدات السورية، فالمليشيات الشيعية ليست أقل في نزعة الشر والعدوانية التي تلبستها وهي لست أقل إرهابا من داعش، بل من المؤكد أنها تفوقت حتى على نفسها في ابتداع الجرائم المبتكرة في سوريا والعراق واليمن فهي خريجة الأكاديمية العليا لفنون التعذيب بدولة الولي الفقيه وفروعها المنتشرة في الشرق العربي، ومن يرد أدلة ليعد إلى الأفلام التي يصورها الجناة أنفسهم ويتلذذون بنزعتهم السادية.

ولو أرادت أميركا شن الحرب على الإرهاب حقا لوجدته واقفا أمامها وهو يلتقط الصور التذكارية مع ممثليها في كثير من المنتديات ويحصل على دعمها الجوي في ساحات الحرب.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,026,880

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"