المواقف الروسية والأميركية بعد الحرب الثانية والمنزلق الأخطر الذي أدت إليه بعدها

نزار السامرائي

أولاً: مواقف روسيا

بعد الحرب الثانية لم تتكلل حروب روسيا بانتصارات حاسمة باستثناء ما جرى في الحرب العالمية الثانية، إذ أن ستالين بما حصل عليه من دعم غربي ومن تطوير في صناعة السلاح الروسي، زجَّ بمئات الآلاف من مواطني الاتحاد السوفيتي في الحرب حتى بلغ الثمن الذي قدمه السوفيت 20 مليون قتيل. لقد كان الثمن ثقيلا بل ثقيلا جدا وقد ظل الاتحاد السوفيتي يدفع أقساط ذلك الثمن على مدى أجيال بسبب فشل التجربة الشيوعية وتوسعها على حساب أوربا الشرقية.

 

1) في المجر وتشيكوسلوفاكيا السابقة:

وبعد الحرب العالمية الثانية خاض السوفيت حربين محليتين داخل منطقة المجال الحيوي، ولم تكن أي منهما حربا بمعنى الكلمة. الأولى عام 1956 في هنغاريا لقمع ثورة داخلية بعد أن بدأت تتململ من السيطرة الشيوعية والثانية لقمع ربيع براغ سنة 1968 عندما احتلت القوات السوفيتية تشيكوسلوفاكيا. وفي الحربين كانت ردود الأفعال قوية. وقد تركت آثارا عميقة في نفسية المواطن السوفيتي الذي سرعان ما انقلب على السوفييت في التسيعينات من القرن الماضي.

 

2) في كوبا:

صحيح أن خروشوف نجح في الأولى وبريجنيف نجح في الثانية، ولكنهما فشلا في تجربتين أخريين، خروشوف فشل في كوبا عندما نجح الرئيس الأميركي جون كندي ضابط البحرية السابق في فرض حصار بحري على كوبا وذلك قصد سحب الصواريخ الروسية منها، و فعلا رضخ له خروشوف و خرج كندي من معركة لم تطلق فيها إطلاقة واحدة و كأنه قد حقق للولايات المتحدة انتصارا أكبر من نصرها في الحرب الثانية.

أما بريجنيف فقد ارتكب الخطأ الذي أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي وذلك بتورطه في غزو أفغانستان عام 1979. وبذلك فتاريخ روسيا لم يسجل لها نصرا تمكنت من الاحتفاظ به، وعلى العكس كانت حروبها مغامرات اتخذت قرارتها في جو سلطة دكتاتورية القيصر أو الأمين العام البلشفي، وفي كل مرة كان النظام نفسه يدفع من ثمن المغامرة، لأنه لايستطيع إنتاج نفسه وتجديد أسسه ومفاصله السياسة والاقتصادية، ويعود كثير من أسباب الإخفاقات السوفيتية والروسية إلى المتراكم من تقاليد الاستبداد التي سار عليها قياصرة روسيا ثم كرسها بلاشفتها اللاحقون، فلا حرية تعبير ولامراكز دراسات تقول قناعتها بحرية وشجاعة، بل كانت تحهد نفسها في تسويق الإملاءات السياسية التي تصل إليها من قصر القيصر في سان بطرس بيرغ أو من الكرملين فيما بعد، نعم هناك انتخابات ولكنها للمفاضلة بين سيئين أيهما أقل سوءاً، أو استجابة لترشيح المكتب السياسي، ولهذا لم يجد المراقب فرقا بين انتخاب فلاديمير بوتين وانتخاب حافظ الأسد أو انتخاب زعماء أي كان من أوربا الشرقية و جمهورية الصين الشعبية أو كوريا الشمالية.

 

3) تجربة أفغانستان:

تجربة أفغانستان بالنسبة للروس لم تكن نزهة، وعلى الرغم من أن الروس كبيرهم و صغيرهم يكررون أن روسيا لن تتورط في مستنقع جديد بعد الحرب في أفغانستان و لهول ما لاقته من ذلك البلد المسلم من دروس قاسية إلا أن التجربة أثبتت فشلهم و قد انسحبوا و هم يجرون أذيال الخيبة. ولم يقتصر الفشل على الحياة السياسية فقط وإنما يتعداه إلى الحياة الاحتماعية و بالرغم من كل التجارب الفاشلة فقد تورطت مرة أخرى في سوريا فأصبحت وجها لوجه أمام شعب عنيد في حقه وهو على استعداد للمضي في التضحية قدما حتى طرد آخر جندي روسي أو من المحتلين الآخرين، سواء كانوا روسا أو إيرانيين أو أفغان أو باكستانيين أو من أية ملّة كانوا.

إن بوتين لايفكر إلا بتكريس نفسه قيصرا جديدا يختزل أمجاد الأولين ممن سبقوه في حكم روسيا و من سيلحق به، و لهذا لم يفهم الدرس كما فهمه غورباتشوف وإذا كان غور باتشوف فرط بالاتحاد السوفيتي فإنه إنما فعل ذلك من اجل روسيا، فإذا ضحى بوتين بروسيا فهل سيفعل ذلك من أجل سان بطرس بيرغ ” لينينغراد” ؟ أم أن لديه هدفا آخر؟ المهم بعد كل هزيمة لإمبراطراطورية مستبدة، فإن الحكم ليس هو الذي سيسقط بعدها، وإنما ستسقط الإمبراطورية نفسها، وهذا مايجب أن يتوقعه الروس.

 

ثانياً: مواقف أميركا:

خاضت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية حروبا كثيرة ربما لم تحقق في معظمها النتائج التي توقعتها خاصة بعد صعود الدور الأميركي دوليا وبعد نجاحها في “تجربة” السلاح الذري في هيروشيما وناكازاكي ميدانياً، وشعورها بأن امتلاك هذا السلاح الفتاك سيخيف الأسرة الدولية من السطوة الأميركية.

 

 1) في كوريا:

وقد بدأت الولايات المتحدة حروبها في كوريا ولم تحقق فيها نصرا حاسما بسبب التدخل الصيني إلى جانب كوريا الشمالية، وكان من نتائج الحرب شطر كوريا إلى دولتين، شمالي ذي نزعة شيوعية، وجنوبي رأسمالي التوجه، وربما كان لهذا الإخفاق تأثيره في نزعة دعم توجه كل من اليابان وكوريا الجنوبية لبناء تجربة اقتصادية متفوقة تؤكد صحة خياراتها السياسية.

 

2) في فيتنام:

وفي فيتنام راهنت أميركا على دحر النظام الشيوعي من خلال إنجاح تجربة فيتنام الجنوبية، التي شهدت صراعات ذات طابع ديني تم على أثرها استبعاد حكومة نغوين دييم المسيحية الكاثوليكية من الحكم ومجي حكومات انقلابية من أشهرها حكومة الجنرال كاوكي، ولكن الولايات المتحدة التي بدأ تورطها في الملف الفيتنامي في عهد الرئيس ليندون جونسون تحت لافتة إرسال مستشارين "كما هو سائد الآن في المنطقة العربية" وتعزز خلال عهد الرئيس ريتشارد نيكسون حتى وصل عدد القوات الأميركية إلى أكثر من 760 ألف عسكري فضلا عن مئات الآلاف من جنود حلف آسيان ”حلف جنوب شرقي آسيا” ولكن صمود” الفيتكونغ” وجمهورية فيتنام الشمالية بوجه هذه القوة العسكرية الهائلة أوصل خيارات نيكسون ومستشاره للأمن القومي ووزير خارجيته يومئذ هنري كيسنجر إلى طريق محكم الإغلاق، فلم تجد الإدارة الأميركية بدا من الإقرار بالهزيمة وبطريقة مذلة جدا في فيتنام.

لقد تركت تجربة توابيت الجنود الأميركيين الملفوفة بالعلم الأميركي، أزمة أخلاقية وهزيمة نفسية على المجتمع الأميركي لأن المعركة عند هذا المفترق الخطير تحولت من مستنقعات فيتنام وغاباتها إلى شوارع المدن الأميركية على شكل رفض وصل منتهاه بالتظاهرات الجماهيرية وتمزيق بطاقات التجنيد التي بدأها الملاكم محمد علي كلاي، مما أدى إلى نزع بطولته منه لأسباب سياسية، وبقيت الولايات المتحدة تتحين الفرصة للثأر من الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية لأنها حملتها مسؤولية هزيمتها في فيتنام، على العموم لوأن النظام السياسي في الولايات المتحدة على غير ماهو عليه، لكان بالإمكان توقع حصول انقلابات عسكرية أو سياسية أو اختفاء لرموز التورط الأميركي في الخارج من الحياة السياسية ولكن هذا لم يحصل لأي من زعماء الولايات المتحدة.

 

3) في العراق:

ولعل تجربة الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بعد 13 سنة من حصار اقتصادي وعلمي وسياسي وعسكري على العراق، من أسوأ ما ارتكبته مراكز صنع القرار التي تمتلك أحدث الحواسيب في العالم ولكنها لم تنقذ أميركا من تكرار مأساة فيتنام، وذلك عندما اصطدمت بمقاومة عراقية يتيمة كانت أسرع مقاومة تنطلق بوجه عدوان في التاريخ.

وربما يرى في ارتكاب هذا الخطأ الأميركي الفادح ليس بحق العراق فحسب وإنما عندما لم تحسن حساب النتائج وردود الفعل العراقية، مايبرر أخطاء الدول الأقل تطورا تكنولوجيا وعسكريا واقتصاديا ولديها أهم مراكز الدراسات الاستراتيجية، إذا ما ارتكبت خطأ ما أدى إلى تداعيات أمنية واقتصادية وسياسية كارثية.

 

4) تعاطيها مع الأزمة السورية:

وتعاطيها مع الازمة السورية، وسياساتها الخفيّة والمعلنة سيقودها حتماً إلى انهيارات كارثية، وإلى عواقب وخيمة على الداخل الأميركي نفسه.

فاستمرار العدوان على الشعوب ودفع الفواتير الباهظة جراء ذلك العدوان من جيب دافع الضريبة الأميركي، سيؤدي إلى التمرد على حكومته وهذا هو المنتظر لسياسات خائبة ولمغامرين يملؤهم الطيش في معارك لا مصلحة لهم فيها. وستكون الحرب في الشرق الأوسط القشة التي ستكسر ظهر البعير حتى ولو بعد حين.

 

نشر  المقال هنا

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,027,719

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"