معارضة إيرانية أم فارسية؟

نزار السامرائي

في خطابها الأخير لمؤتمر مجاهدي خلق في باريس، قالت السيدة مريم رجوي إن سوريا يجب أن تكون ساحة مواجهة إيران من أجل إسقاط نظام الولي الفقيه، ربما ليس هذا هو النص الحرفي لما قالته رجوي، ولكن هذا هو معناه الوحيد الذي توصل إليه المراقبون المعنيون بشؤون المنطقة، وربما كان هذا هو قصدها الدقيق لشكل المواجهة المقبلة مع نظام الولي الفقيه.

 

لا نجادل بأن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية منظمة لها حضورها السياسي والإعلامي المتميزين واللافتين خارج إيران، لاسيما في أوربا، وقد عودتنا هذه المنظمة على عقد مؤتمراتها في العاصمة الفرنسية وسط أجواء كرنفالية ربما لا تتاح لكثير من الحركات والأحزاب السياسية أو المدافعة عن البيئة أو الرياضية، بما فيها واسعة الانتشار في أوربا نفسها، ولكنها ومع تعدد مؤتمراتها التي تذّكرنا باحتفالات شاه إيران محمد رضا بهلوي في مدينة برسي بولس بمرور 2500 سنة على قيام مملكة فارس وذلك من 12/10/1971 ولمدة أربعة أيام، فإنها بقيت تراوح مكانها من دون أن تؤكد حضورا حقيقيا على الأرض ذلك أن فعل منظمة مجاهدي خلق على الأرض لا يتناسب وهذا الالتفاف من جانب النخب الإيرانية حولها والتأييد من أطراف سياسية دولية، هل وصلت مرحلة الشيخوخة بحكم ابتعادها عن الساحة منذ انقلاب الخميني على دورها ومطاردة مناضليها بلا هوادة؟ وهل تقلص تأثيرها أمام خطاب ديني غلاّب في مجتمع متخلف إلى حدود غير معقولة، في حين أن المنظمة تضم في صفوفها خيرة النخب الفارسية المثقفة.

لكن وعلى ما يبدو فقد حافظت المنظمة على نوعية خطابها السياسي الذي كانت تواجه به نظام الشاه، خطابها المضاد للشاه كان فاعلا ومؤثرا وعجّل كثيرا في سقوطه وبتضحيات هائلة من المنظمة، ولكن غلبة الخطاب الديني أفقد الثورة بوصلتها حتى سطا عليها الخميني وأخذها إلى ساحل بعيد عن تطلعات الشعوب الإيرانية وعما كانت منظمة مجاهدي خلق لإقامته.

لقد احتفظت مجاهدي خلق بقوالب جامدة في تعاطيها مع الملفات المستجدة والتي أفرزتها ثلاثة عقود ونصف من حكم المعممين الذين أشاعوا ثقافة الجهل والتجهيل وألبسوا شعوب إيران أردية من التخلف وأدخلوا البلاد في مشاريع الهدف منها تأليه الولي الفقيه من دون حساب لآثار ذلك على علاقات إيران مع الخارج أو لاستنزاف موارد البلاد على خطط التوسع، وترك الشارع الإيراني يئن تحت ضائقة معاشية خانقة.

بقدر حضور المنظمة على المستوى السياسي والإعلامي في مؤتمراتها وقدرتها على كسب المؤازرين، فإنها أخفقت في تعزيز رصيدها السياسي في الداخل، بل ربما فشلت في المحافظة على شعبيتها التي كانت عليها أيام الشاه، لكن علينا ألا ننسى أن المنظمة استطاعت توظيف حالة الاحتقان الشعبي على نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية عام 2009، لكن نرجسيتها وإحساسها بالاكتفاء والاستغناء عن الآخرين، مع سياسة بطش وقمع مارسهما الحرس الثوري وأجهزة الأمن الأخرى، أديا إلى فشل الانتفاضة وعدم قدرة من يقف وراءها إلى تطوير شعاراتها وبلورة أهدافها على مستوى شعوب إيران بكاملها، وكأن منظمة مجاهدي خلق منظمة فارسية خالصة مستغنية عن نصرة الشعوب الرازحة تحت نير دكتاتورية طبقة رجال الدين.

في المؤتمر الأخير هناك بوادر لتطور معرفي في تعامل مجاهدي خلق مع حقوق الأقليات القومية والدينية، لكن الأهم من هذا هو ألا تعتبر المنظمة نفسها البوابة الوحيدة التي لا يدخل من يريد التعاطي مع الأزمة الإيرانية إلا من خلالها.

إن القوميات العربية والبلوشية والكردية والآذرية وتركمان صحرا، وحقوق أهل السنة في بلد تزيد نسبتهم فيه على ثلث عدد السكان ويعانون من اضطهاد بعضه عرقي مذهبي مركب وبعضه عرقي، كان يجب أن تكون حاضرة في مؤتمر باريس، وعدم حضورها قلص من صفته التمثيلية لمجموع مكونات إيران، ثم إن القفز فوق حقائق التاريخ والجغرافيا وخاصة في موضوع العلاقات الإيرانية مع العرب، لا يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الانفتاح العربي على قوى المعارضة بقالبها الحالي، ولكننا كعرب وكمسلمين سنة نؤكد على حقوق شعبنا العربي الذي اغتصبت أرضه بمؤامرة بريطانية مع الحكم الفارسي، كما أن اضطهاد السنة ومنعهم من ممارسة عباداتهم بحرية سيبقى حاجزا قويا لن يستطيع أحد القفز فوقه.

إن تحجيم الدور الإيراني التخريبي في الوطن العربي الذي يقوده عناصر الحرس الثوري، ووقف خططها للتشييع مستغلة ظروف الفقر والتخلف في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، لن يتوقف بالنوايا الطيبة أو بمنطق الاستجداء، إيران لا تفهم غير لغة القوة وهي على مر تاريخها لم تكسب حربا مسلحة مع العرب، كل انتصاراتها كانت في الغدر والتآمر وتواطؤ قوى داخلية أخضعت لعملية غسل دماغ طويلة ومعقدة، وإيران طالما وجدت أن الرد على تدخلاتها يقتصر على مجلس الأمن والمحافل الدولية، فأنها ستواصل تحقيق المزيد من المكاسب.

المطلوب الرد على نوايا إيران بالضرب وبقوة على مركز التوجيه السياسي والديني والعرقي الفارسي في قم وطهران وتحريك عوامل السخط المتنامية في إقليم الأحواز وبلوشستان، وما أكثر الساحات الأخرى التي يستطيع العرب توظيفها ومن خلالها يتم إضعاف إيران تمهيدا لإسقاطها بالنقاط إن تعسّر إسقاطها بالضربة القاضية.

أعود إلى ما قالته السيدة مريم رجوي خاصة فيما يتعلق بما فهمناه من أنها تريد تجنيب الداخل الإيراني تداعيات أية مواجهة بين النظام القائم وجماهير الشعب حرصا على ما تحقق من منجزات اقتصادية وعمرانية، وبالتالي هي تبحث عن حلبة خارجية لإقامة فصول الصراع فوقها، إذا كان هذا الفهم صحيحا فمعناه أن رجوي فقدت كثيرا من الإنصاف الذي يجب أن تتحلى به، فأرضنا العربية دفعت ثمنا فاحشا من دم أبنائها وشواهد العمران فيها نتيجة النزعة العدوانية المستقرة في ضمائر حكام إيران منذ القدم بصرف النظر عما إذا كانوا يلبسون الجبة الزرادشتية أو القبعة الأمريكية والربطة الفرنسية أو العمامة السوداء أو البيضاء، ووجود إيران العسكري كأي قوة احتلال، لا أحد يواجهها إلا الشعب السوري نفسه وليس من حق رجوي أن تنقل معركتها إلى هناك.

ثم إن حديث رجوي عن دور إيران التدميري في المنطقة اقتصر على سوريا وكأن رجوي تعطي شرعية لاحتلال إيران للعراق وما ارتكبته من جرائم فوق أرضه وتسببت بقتل مليوني مواطن وتشريد الملايين ووجود أكثر من مليون أرملة وملايين الأطفال اليتامى منذ وصول الخميني إلى السلطة وحتى اليوم.

أنا أطرح تساؤلات تدور في رؤوس النخب العربية السياسية والثقافية، ولست في معرض توجيه الإدانة إلا في حال تمسكت منظمة مجاهدي خلق بما فهمناه من خطاب السيدة رجوي ولم تصححه لنا.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,051,614

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"