السياسة الخارجية التركية ما بعد الانقلاب الفاشل

علي حسين باكير

تطرح الآن في العديد من الأوساط تساؤلات عديدة حول طبيعة التحولات التي سيتركها الانقلاب على السياسية الخارجية التركية لاسيما انّه وقع في وقت حسّاس للغاية كانت تركيا تتّجه فيه نحو اعادة تطبيع علاقاتها مع كل من روسيا و(اسرائيل) وسط حديث عن إمكانيّة أنّ تؤدي هذه التطورات الايجابية الى اعطاء زخم للسياسة الخارجية التركية للإنفتاح على مقاربات مختلفة ربما للعلاقة مع دول أخرى كمصر والعراق أو ان تؤدي ربما الى تحييد الملفات الاقليمية عن كونها ورقة في صراع ثنائي على النفوذ مع الدول الاخرى بحيث يؤدي ذلك الى حل الخلافات العالقة بشان مواضيع حسّاسة كالازمة السورية أو مكافحة الإرهاب.

 

 

لا شك انّه لا يمكن لدولة مثل تركيا ان تتجاهل متطلبات السياسية الخارجية لاسيما في هذه المرحلة، لكنّ ما حصل ليس بالامر الهيّن حتى يتوقع البعض أن يعود التركيز بشكل سريع على أولويات السياسية الخارجية، إذ انّ الجانب المحلي ولاسيما الشق الأمني والقضائي سيحظى باولوية لدى صانع القرار التركي وأجهزة الدولة في المرحلة الحالية، فمن دون حسم الموقف داخلياً لا يمكن أن يكون هناك سياسة خارجية تركيّة فاعلة.

لكن في المقابل، يمكننا ان نشير الى وجود تقاطع بين الأولوية الداخلية حاليا وبين متطلبات السياسية الخارجية على المستوى التكتيكي لناحيتين على الأقل. الأولى ترتبط بالشق الخارجي للتطورات على الصعيد الداخلي لاسيما فيما يتعلق بما تعتبره الحكومة تورطاً لجماعة فتح الله غولن في التدبير للإنقلاب الفاشل، وفيما يتعلق بردود الأفعال الصادرة عن مختلف الدول، والثانية فيما يتعلق بمصير اعادة تطبيع العلاقات مع كل من روسيا و (اسرائيل) وإمكانية الافتاح على مبادرات خارجية اخرى إقليميا ودوليا.

فيما يتعلق بجماعة فتح الله غولن، بدأت المفاعيل الخارجية بالبروز بشكل سريع لاسيما مع مطالبة السلطات التركية للولايات المتّحدة الأميركية بتسليم فتح الله غولن المقيم في الولايات المتّحدة الأميركية منذ عام 1999، خاصّة أنّ هناك إتفاقيّة ثنائيّة بين البلدين تسمح بتسليم المجرمين، وتحاول الادارة الأميركية حتى الأن تأخير هذا الموضوع من خلال طلب أدلّة حول مسؤولين غولن عن العملية الانقلابيّة الفاشلة التي وقعت.

صحيح أنّ الولايات المتّحدة حليف إستراتيجي لتركيا، لكن هذا لا يعني تجاهل التناقض الحاد الذي تسببت به الإدارة الأميركية في الأجندات والاولويات والمصالح بين الجانبين لاسيما على الصعيد الاقليمي فيما يتعلق بالوضع السوري والعلاقة مع العراق ومكافحة الارهاب ودعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بقيادة صالح مسلّم والذي تعتبره انقرة فرعاً سوريا لحزب العمّال الكردستاني المصنّف إرهابي. لا شك انّ موضوع غولن سيكون ملفا خلافا اضافيا في العلاقة مع ادارة اوباما ناهيك عن التساؤلات المطروحة لدى الجانب التركي عن حقيقة وجود دور خارجي سواء للولايات المتّحدة او لغيرها من القوى في دعم الانقلاب او السكوت عنه على الأقل.

من ناحية اخرى، فان التعليقات الاستعلائيّة المتواصلة أيضا من قبل بعض الدول الأوروبية قد تخلق مادة جديدة للنزاع بين السلطات التركيّة وهذه الدول لاسيما فرنسا وألمانيا، خاصّة أنّ هناك تجربة سابقة في سكوت الاتحاد الأوروبي على الانتهاكات الخطيرة والجرائم الكبيرة التي أرتكبت وترتكب بحق الانسانيّة في العدد من الدول الاقليمية المجاورة لتركيا، وكذلك على دور الجيش والمؤسسات الامنية في السياسة وهو الامر الذي من المفترض وفق معايير الإتحاد الأوروبي وقيمه أن يكون مداناً وأن يتم العمل على منه من قبل المجتمع الدولي.

ورغم انّ اولويّة الحكومة التركيّة ستكون الوضع الداخلي، الا أنّنا نتوقّع أن يتم استئناف نشاط السياسة الخارجية سريعاً لاسيما فيما يرتبط بتطبيع العلاقات مع روسيا و (إسرائيل)، لاسيما اذا كانت العلاقة مع الادارة الأميركية وبعض الدول الاوروبي مرشّحة للتراجع او لأن تشهد توترا اضافيا على اعتبار انّ الحكومة التركية ستكون بحاجة الى تعويض ذلك بفتح قنوات تواصل وتعاون جديدة مع من يستطيع ان يعوّض الهوّة الحاصلة في العلاقة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق، من المتوقّع ان يكون هناك لقاء مباشر لأوّل مرّة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير  بوتين الشهر القادم لتسريع خطوات التطبيع بين البلدين على امل ان يؤدي التقارب الثنائي الى أزالة أسباب التوتر في مناقشة القضايا ذات الطابع الاقليمي وفي طليعتها الملف السوري.

وفي المقابل، فقد يتراجع الحديث عن الانخراط التركي في محادثات مع بعض الدول الاقليمية لاسيما تلك التي كان لها مواقف سلبية جدا سياسيا وإعلاميا، حيث عبّرت بشكل مباشر وغير مباشر عن دعمها للإنقلاب معتقدة انّ الامر إنتهى مبكّراً لصالحه. امّا فيما يتعلق بالموقف التركي من القضايا الملتهبة والمفتوحة على المستوى الاقليمي، فان الموقف الأساسي والمبدئي منها لن يتغيّر بتقديري لكن سيكون هناك تساؤلات عن مدى قدرة تركيا في التأثير على مجريات الاحداث فيها مجددا، وقد يتراجع هذا التأثير او يتقدّم ليس تبعاً للموقف التركي فقط وانما تبعاً لطبيعة المواقف والتحالفات الاقليمية والدولية لاسيما موقف كل من الولايات المتّحدة وروسيا.

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,050,991

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"