الدولة الخائفة!‏

جاسم الشمري

لا شك أن لكل دولة من دول العالم توصيفا ملائما لوضعها؛ فهناك دول ديمقراطية ‏ومستقلة وقوية وشجاعة، ومقابل ذلك هناك دول دكتاتورية ومحتلة وضعيفة وخائفة.‏

 

قبل أيام، طلب مني أحد الأصدقاء توصيف "الدولة العراقية" بعد مرحلة الغزو ‏الأميركي وحتى اليوم. حينها وجدتني في حيرة من أمري؛ فلا هي دولة ديمقراطية، ‏ولا ذات سيادة، ولا دولة قوية، ولا شجاعة، ولا دولة مواطنة. ولعلي وجدت أن ‏أفضل توصيف للدولة في العراق اليوم هو "الدولة الخائفة"، وذلك للأسباب الآتية:‏

‏- الدولة العراقية الآن تتحرك وفقاً لمبدأ ردود الأفعال، ولم نلحظ لها وجوداً قوياً ‏مهاباً في الشارع العراقي. والدول التي تعمل بردود الأفعال لا تمتلك أجهزة ‏استخباراتية قوية، يمكنها أن تجهض غالبية المؤامرات في مهدها، وأن توقف الدمار ‏قبل وقوعه. ولهذا، نحن أمام دولة مهمتها الأولى أن تتواجد في مكان الجريمة أو ‏الحادث وكأنها منظومة دفاع مدني وليست دولة تتفهم مسؤولياتها، وأن أولى مهامها ‏هو حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم.‏

‏- الدولة الشجاعة هي التي تمتلك الإمكانات الأخلاقية والمادية القادرة بموجبها على ‏بسط وجودها وهيبتها في داخل الدولة وخارجها. واليوم، لا يمكن لأصدقاء الحكومة، ‏بل حتى لوزرائها ومسؤوليها، أن ينكروا سحب المليشيات للبساط من تحت أقدام ‏غالبية القطاعات الحيوية في البلاد، وبالذات القطاعات الأمنية والسياسية والقضائية، ‏وهذه ظاهرة لا تبشر بخير للوطن.‏

رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، اعترف في نهاية أيار ‏‏(مايو) الماضي، أن هناك في بغداد فقط أكثر من (100) مليشيا يمتلك عناصرها ‏هويات ومقرات، وأن الحكومة ستعمل على إنهاء وجودها. ‏

ورغم تصريح العبادي، فإنه ما يزال عاجزاً عن القيام برد فعل يتم بموجبه تحجيم ‏هذه المليشيات وإنهاء تواجدها العلني في الشارع البغدادي، والإعلام. وهي حتى ‏الساعة مستمرة في تغولها وترويعها للمدنيين العزل. وهذا دليل على أن الدولة ‏عاجزة، أو خائفة من بسط هيبتها أو سيطرتها، وإلا لو كانت الدولة شجاعة بما فيه ‏الكفاية، لسعت إلى حفظ الأمن والنظام، وضربت بيد من حديد كل من تسول له نفسه ‏أن يخدش كرامة العراقيين، فضلاً عن قتلهم واختطافهم والافتراء عليهم بتهم لا أساس ‏لها، ثم بعد ذلك مقايضة ذويهم بمبالغ خيالية. وفي جميع هذه المراحل، تكون الدولة ‏نائمة أو خائفة، ولا تريد أن تتدخل حتى لا تقع في مشاكل جديدة، بحسب قاعدة: ‏‏"المشاكل التي أنا فيها تكفي"!‏

‏- وصلت درجة تدخل المليشيات في الشأن العام للدولة، درجة تهديد الأمين العام ‏لمليشيا "أبو الفضل العباس" والقيادي في الحشد الشعبي اوس الخفاجي -ومن مكان ‏انفجار الكرادة- بإعدام سجناء في سجن الناصرية المركزي. وقبل أسبوع تقريباً ‏وصل الخفاجي إلى محافظة ذي قار بناء على "وعده" بتنفيذ أحكام الإعدام بـ"نفسه" ‏في سجن الناصرية، إلا أنه "لم يفعل ذلك".‏

الطامة الكبرى أن الخفاجي استُقبل في سجن الناصرية المركزي استقبال القيادات ‏الأمنية من قبل القادة الأمنيين في المحافظة الجنوبية. ومن هناك أكد أنه اتصل بوزير ‏العدل الذي أكد له أنهم سيعدمون 45 سجيناً، وبحضور الخفاجي! فهل يعقل أن يتحكم ‏زعيم مليشيا بالدولة بهذا العمق المخيف؟!‏

‏- في ذات اليوم؛ الثلاثاء الماضي، أقامت بعض سرايا الحشد الشعبي استعراضاً ‏عسكرياً في منطقة الباب الشرقي وسط بغداد، بالتزامن مع الاستعراض العسكري الذي ‏نفذته وزارة الدفاع، وأغلقت بسببه الطرق الرئيسة كافة في العاصمة! فهل هم دولة ‏داخل الدولة، أم يريدون أن يقولوا إنهم قادرون على فعل أي شيء؟!‏

هكذا يتضح لنا أن الدولة الخائفة هي العاجزة عن نشر الأمن والنظام والسلام في ‏ربوعها. وبذلك، لا يمكن للمواطنين أن ينظروا لها إلا بالمنظار السلبي. وهذا من أهم ‏أسباب تدمير الدول وزوالها.‏

فهل نتدارك العراق قبل أن تبتلعه المليشيات، أم أن البلاد سائرة نحو المجهول؟

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,047,246

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"