الحجم الحقيقي لتقرير تشيلكوت!‏

جاسم الشمري

التقرير البريطاني حول مشاركة المملكة المتحدة في حرب احتلال العراق العام ‏‏2003، أخذ حيزاً إعلامياً كبيراً على اعتبار أنه– ربما- يحمل اعترافاً بريطانياً ‏بخطأ المشاركة في تلك الحرب غير العادلة وغير المبررة والتدميرية لبلاد الرافدين، ‏وهذا التصور غير صحيح لأن التقرير لم يتطرق لهذا الجانب.‏

 

وقبل أيام أعلن رئيس اللجنة، جون تشيلكوت، الذي شُكِّلت لجنته قبل سبع سنوات، أن اجتياح ‏بريطانيا للعراق تم بشكل سابق لأوانه في العام 2003 بدون محاولة "استنفاد كل ‏الفرص" السلمية، وأن" المخططات البريطانية لفترة ما بعد اجتياح العراق كانت غير ‏مناسبة على الإطلاق".‏

ومضمون هذا التقرير يعتبر قاسياً بالنسبة لرئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير ‏الذي قالت اللجنة إنه" وعد في 2002 الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش بإتباع ‏خطواته مهما حصل حتى قبل حرب العراق، وأن القرار بغزو العراق لم يكن صائباً، ‏وأن الأسس القانونية للتدخل العسكري البريطاني ليست مرضية، وأن بلير لم يقدم ‏مبررات على وجود تهديدات من أسلحة الدمار الشامل لدى العراق، وقد قُدمت له ‏معلومات خاطئة عن أن العراق لديه قدرات عسكرية يسعى لتطويرها".‏

المتابع لبعض التصريحات المقتضبة من بعض أعضاء اللجنة يُلاحظ أن التقرير ‏عبارة عن تحقيق بريطاني داخلي بحت، والغاية الرئيسية من وراء كتابته ‏هي تخفيف التوتر مع الأطراف الحزبية البريطانية التي عارضت الحرب ضد ‏العراق، والسعي لإرضاء عوائل القتلى البريطانيين الـ (179)، وكذلك عوائل ‏المعوقين والجرحى لا أكثر، ولا أقل، بدليل أن التقرير لم يتضمن اعتذاراً لطرف ما، ‏بمن فيهم عوائل الضحايا، ولم يحتو أي إدانة واضحة لرئيس الوزراء الأسبق توني ‏بلير، ويكاد يخلو من الإشارة للعراق والعراقيين، ناهيك عن حقوقهم، والخسائر ‏البشرية والمالية والمعنوية التي لحقت بهم.‏

وبالمناسبة هذا التقرير ليس الأول- ولا أظنه سيكون الأخير- المتعلق بالتحقيق في ‏قرار المشاركة البريطانية بغزو العراق. ولا أتصور أن التقرير قد أجاب عن عشرات ‏الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع الحيوي، وبالتحديد ما يتعلق منها بالانتهاكات الصارخة ‏لحقوق الإنسان، وعدم تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة في أسلوب تعامل قوات الاحتلال ‏البريطانية مع المدنيين العزل في مدينة البصرة، مركز تلك القوات في مرحلة الغزو، ‏هذا بالإضافة إلى العديد من الأسئلة التي لم تُحسم إجاباتها حتى اللحظة. ‏

اليوم عندما نريد دراسة التقرير البريطاني- والمكون من (12) جزءاً، وأكثر من ‏مليوني كلمة- بموضوعية- يمكننا ملاحظة الآتي: ‏

‏- إن جميع المشاركين لا يوجد بينهم متخصص قانوني، وهنالك ملاحظات مهنية حول ‏بعض أعضاء اللجنة، وفقاً لشهادة رئيس جمعية الحقوقيين ‏العرب في بريطانيا، المحامي صباح المختار.‏

‏- الحكومة البريطانية استعانت بالقضاء المحلي لمنع حصول اللجنة على بعض الوثائق ‏المتعلقة بالموضوع بحجة التأثير على الأمن الوطني.‏

‏- التقرير لم يعلن إلا قبل أيام على الرغم من إتمامه قبل أربع سنوات تقريباً.‏

‏- اللجنة استدعت أكثر من (120) شخصاً، وتم التحقيق معهم دون حلف اليمين، ‏وعليه لا يمكن الوثوق التام بشهادات غالبية هؤلاء. ‏

‏- التقرير أشار إلى أن بلير لم يكن "دقيقاً"، ولم تستخدم اللجنة عبارة "الكذب" في ‏وصف اندفاعه نحو الحرب، وحول تزوير الحقائق استخدمت اللجنة عبارة " لم يكن ‏هناك مصدر موثوق للمعلومات"، ولم تقل إن المعلومات تم تحريفها، وعليه لاحظنا ‏أن هنالك لغة دبلوماسية عالية استخدمت في كتابة التقرير، وهذا لا يتفق مع الكتابة ‏الموضوعية المهنية.‏

وأخيراً لا يمكن أخذ تصريحات اللجنة على أنها (نص سماوي) لا يمكن المساس به، ‏وينبغي دراسة التقرير بدقة وموضوعية، ونحن هنا لا نريد أن نشكك، بل ندعو ‏لتشكيل لجنة لدراسة التقرير بعناية فائقة، تتكون- على الأقل- من 12 خبيراً ‏قانونياً محايداً، ويكون حصة كل خبير جزءاً من التقرير، ويكون معه فريق مساعد لا ‏يقل عن اثنين من المختصين، وحينها يمكن أن نحدد المنافذ القانونية التي يمكن من ‏خلالها إدانة التدخل البريطاني في العراق، والعمل ضمن فريق قانوني لتحصيل بعض ‏التعويضات المعنوية والمادية التي لا يمكن أن تعادل قطرة دم عراقية واحدة سالت ‏نتيجة الاحتلال الأميركي– البريطاني غير القانوني، وغير المبرر.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,040,649

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"