محامو الشيطان هم الراضون بالتغيير السكاني في #العراق والساكتون عليه

نزار السامرائي

هناك عدد من منتحلي صفة الثقافة، والذين يجيدون تمثيل دور التسامح الديني والمذهبي على مسرح التراجيديا البابلية، ويستشيطون غضبا بحركة انفعال استعراضية مدروسة، عند الخوض في موضوعات عراقية مأساوية راهنة وملحّة وتفرض نفسها بقوة الضمير الوطني على الكتّاب والمحلّلين السياسيين، وخاصة موضوع التهجير الطائفي والقتل بهدف إحداث تغيير سكاني تنفذه بقوة السلاح مليشيات شيعية صادرت الدولة العراقية منذ تسلمها له من المحتل الأميركي عام 2003، وباتت هي المعبرة عن سلطة الأمر الواقع، لصالح الخطة الإيرانية بفرض التشيع في العراق والمنطقة العربية، وسط دعم أميركي وأوربي صامت حينا ومنحاز إلى جانب الخطة في معظم الأحيان، لأن الغرب يرى في مذهب أهل السنة والجماعة خطرا داهما على نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو هكذا يصوره.

 

وقد ساعد على هذه المبالغة المدروسة في هذا الطرح، بروز تيارات تنشط أو تنفذ عمليات مستهجنة باسم الإسلام السني في مختلف الأنحاء، وتمارس إرهاباً مدفوع الثمن من جهات ساهمت بدور فاعل في تأسيس هذه التيارات، مثل تنظيم القاعدة ومن بعد ذلك تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، واستطاعت هذه التنظيمات استقطاب الغاضبين على القهر الطائفي الذي تمارسه سلطات ترى أن حياتها ترتبط بالقضاء على الآخر، أو من التهميش ونظام التمييز الطبقي والقهر الاجتماعي الذي تعاني مجتمعات الأحياء المسحوقة والخاصة بالمهاجرين من دول إسلامية حاولوا بدء حياة جديدة في أوربا بعد هجرتهم إليها، ولكنهم وجدوا أنهم وبدلا من المعاناة من الفقر والجوع والجهل وهو ما عانوا منه في بلدانهم الأصلية، وجدوا أنهم مهمشون اجتماعيا ومضطهدون سياسيا ومسحوقون معاشيا.

ليس من باب الصدفة أن القاعدة نشأت في أفغانستان بعد الغزو السوفيتي، وحظيت بدعم أميركي مفتوح لتتولى القتال نيابة عن الولايات المتحدة، فأميركا كانت تريد تقويض الاتحاد السوفيتي وليس الانتصار للإسلام، ولكن أميركا تصورت أنها قادرة على تصفية المولود الجديد بنفس السهولة التي كانت تتعامل بها مع الحكام الذين تنصبّهم على بلدانهم بانقلابات عسكرية أو بعد اضطرابات سياسية عاصفة فتستبعدهم متى ما رأت أن دورهم انتهى كما جاءت بهم على أشلاء آخرين، نعم ظنت أنها قادرة على استنساخ ذات الأسلوب مع تنظيمات مسلحة أو شبه مسلحة لا تمتلك كيانات محددة المعالم أو مؤسسات يمكن إحكام السيطرة عليها كما هو حاصل في التعامل مع الحكومات من خلال العلاقات السياسية والعسكرية والمالية بين دولتين، ولهذا فقد وجدت القاعدة نفسها بعد أن استنفذت الولايات المتحدة الغرض منها بإنهاك الاتحاد السوفيتي حتى إيصاله إلى حافة الانهيار التام خارج دائرة الاهتمام الأميركي المتواصل، فرمت بها في سلة المهملات، ولكن القاعدة كانت قد تحولت إلى تنظيم له قواعده وموارده وعلاقاته الدولية والإقليمية، ووجدت لها حاضنة شعبية وعناصر ارتبطت بها تنظيميا ولم يكن ممكنا السيطرة على سلوكها أو ردات فعلها، لأنها صارت من السعة بحيث لا يمكن فتح قنوات حوار مثمر معها، لأنها كانت على استعداد لتخوين كل طرف يحاول ثنيّها عن مسارها الذي ظنته تعبيرا عن مقاومة حقيقية لأعداء الإسلام الذين لم يترددوا في رفع شعارات صليبية لحروبهم في المنطقة كما حصل من جانب جورج بوش في بداية العدوان على العراق، أو مع بوتين في بداية التدخل الروسي في سوريا.

هذا كله طرح الإسلام الحقيقي وكأنه قوة إرهابية تهدد أمن الشعوب والمجتمعات، على الرغم من أنها نشأت أصلا بدعم غربي واستبشار إيراني.

لقد مارست إيران منذ قيام نظامها الجمهوري في 11/2/1979 إرهاباً حقيقياً على مستوى الداخل الإيراني كما حصل في احتلال السفارة الأميركية في طهران، وفي علاقاتها مع دول الجوار وفي علاقاتها الدولية، كان ذلك بصورة مكشوفة في بداية تجربتها تحت حكم دولة الولي الفقيه، ولكنها مع الوقت أيقنت أن استمرارها بهذا الدور العلني سيلحق بها خسارة جسيمة على كل المستويات، ولهذا استعاضت عنه بدعم حركات سنية ماليا وتدريبيا، يوفر لها عدة مزايا، الأولى توظيف الحركات التي ترتبط بها بما يخدم مخططاتها من دون أن تتحمل الأوزار السياسية الدولية نتيجة ما تقوم به هذه الحركات، والثانية أن إيران تطرح نفسها كقوة طليعية مدافعة عن حقوق المسلمين وخاصة الفلسطينيين، ولكن من دون أدلة موثقة تدينها بدعم الإرهاب، والثالثة أنها تطرح نفسها كإسلام معتدل وسط تيارات سنية تكفيرية وإرهابية، وهنا نلاحظ أن إيران وعلى الرغم من أنها تستطيع لجم بعض الشعارات التي تكفّرها والتي تصدر عن القاعدة، فإنها في واقع الحال تشجعها وتنشرها على أوسع نطاق لتقول للعالم "هذا رأي السنة النواصب بإيران إذ ينظرون إليها كحركة رافضية"، ومع أن هذا الطريق ذو كلفة مالية عالية إلا أن إيران فضلته للمحافظة على سمعتها السياسية التي تتيح لها الانتشار وسط تصفيق المتفرج الأميركي والأوربي.

لقد استندت إيران على فكرة عقائدية أجمع عليها الكتّاب الشيعة وإن كانت في الواقع لا رصيد لها في التطبيق، هذه الفكرة تقول "إن فرض الجهاد معلّق أو معطّل على شروط خروج الإمام الغائب من غيبته"، ولأن العالم تروقه هذه الفكرة، نكاية بالإسلام، فقد تعامل معها كواحدة من الحقائق السياسية والدينية في الوقت الراهن وحتى أمد غير منظور في المستقبل.

أعود إلى من يتعامل مع برامج التشييع المرفوقة بعمليات إبادة جماعية وتهجير وتغييب والتي لم يشهد لها العالم مثيلا منذ عدة قرون، وذلك بإجلاء الملايين من السكان من مناطق سكناهم في خطط ممنهجة من جانب الحكومة المنصبة من المحتلين، وتنفذها مليشياتها بأقسى ما تكون صور الإبادة الجماعية، ووسط صمت دولي ومن جانب الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية، وإذا استمر الحال على ما هو عليه فلن يمر عقد من الزمان إلا ويستيقظ العالم على أبشع صورة مروعة، وهي أن الملايين من سكان شمال محافظة بابل وحزام بغداد ومحافظة ديالى وأجزاء من محافظتي صلاح الدين والأنبار، فقدوا أموالهم وأملاكهم ومساكنهم، وتم تهجيرهم وجلب سكان من خارج العراق أو من مناطق أخرى لتغيير الخارطة السكانية للعراق وخاصة مدينة بغداد.

إن كثيرا من دعاة التسامح وعدم تأجيج النزعة الطائفية من السياسيين والكتاب الشيعة، ينظرون لهذا الواقع باستبشار وفرح غامرين بل إنهم في المجالس المغلقة يشربون أنخاب النصر على السنة بعد سحقهم وطردهم من أرضهم، ولكنهم في الوقت نفسه وفي مهرجانات النفاق السياسي والاجتماعي يتباكون على ضياع البوصلة الوطنية عند الضحايا، وبذلك فهم يمارسون دورا مزدوجا في التعاطي مع هذه الحالة القاهرة، فهم من جانب يمارسون أعلى درجات الإرهاب الفكري بقمع كل صوت يئن من هول الفجيعة، والذي ستنهال عليه سهام الحقد والتهديد والتخوين، وذلك باتهامه بأنه يروج للطائفية ويرفض روح المواطنة التي لا وجود لها لا في ضمائر أصحاب سلطة الأمر الواقع ولا في برامجهم ولا في خططهم، ومن جهة أخرى فإنهم يحاولون تسفيه أي طرح يحاول وقف المأساة وذلك بالحديث عن مبالغة الطرف الآخر بتصوير حجم الكارثة، ويركزون على عدم وجود مثل هذه الممارسات.

أما السنة المتورطون في العملية السياسية الفاسدة مثلهم، فإنهم إما متواطئون بعد أن قبضوا ثمن صمتهم ولكنهم خسروا كرامتهم، أو شيعة باطنيون يظهرون التسنن ويستبطنون التشيع، أو أنهم مغلوبون على أمرهم ويخشون على حياتهم ومصيرهم، وفي هذه الحالة فإن عليهم المبادرة للتبرؤ من العملية السياسية والمحافظة على القليل مما تبقى لهم من رصيد اجتماعي وعائلي، وعليهم الحصول على حكم بالبراءة من محكمة التاريخ قبل فوات الأوان وإلا فإنهم سيحملون أوزار المتنفذين في سلطة الأمر الواقع.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,618,368

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"