لماذا يتجاوز الجنرالات الأميركيون صلاحياتهم مع #تركيا؟

محمد زاهد غُل

لا تزال التصريحات الأميركية حيال الانقلاب الفاشل في تركيا يوم الجمعة السوداء 15 تموز/ يوليو 2016 تثير الريبة لدى المتابعين لارتدادات الانقلاب بعد أسبوعين تقريبا، فالتصريحات الأميركية لبعض الجنرالات الأميركيين دفعت الرئيس التركي أردوغان إلى إدانة هذه التصريحات يوم 2016/7/29 بقوله "إن الشعب التركي يعرف من هو العقل المدبر لمحاولة الانقلاب"، وهذا الرأي الشعبي التركي والرسمي أيضاً لا تستطيع أن تنفيه التصرحات الأميركية المتوالية بعدم تورطها في الانقلاب، لأن تصريحات أميركية أخرى تكشف تورط أميركا فيه، وبالأخص من التصريحات العسكرية التي تصدر عن الجنرالات الأميركيين في المنطقة، وسواء حذرت أميركا أو هددت تركيا بأن التصريحات التي تتهم أميركا بالتورط في الانقلاب الفاشل قد تسيء إلى العلاقات التركية أو لم تحذرها أو تهددها، فإن القناعات الشعبية التركية لا تتغير، طالما أن العقل المدبر للانقلاب زعيم الكيان الموازي الإرهابي مقيم في أميركا، ويلقى الحماية والرعاية من المخابرات الأميركية، وطالما أن الجنرالات الأميركيين هم من يقدمون الأدلة على الشكوك الشعبية في تركيا.

 

لذلك لم يغير تصريح قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال "جوزيف فوتيل" يوم الخميس، 2016/7/28 من قناعات الشعب التركي شيئاً، وإنما قدم مزيداً من الفضائح التي تثبت تورط أميركا في الانقلاب الفاشل، فإذا كان السياسيون الأميركيون سواء المتحدث باسم الخارجية الأميركية أو المتحدث باسم البيت الأبيض ينفون علمهم أو تورطهم في الانقلاب الفاشل في تركيا، فإن الجنرالات الأميركيين في المخابرات الأميركية أو البنتاغون لا ينفون ذلك، وتكشف تصريحاتهم في الدفاع عن الانقلابيين أنهم على صلة بالجنرالات الضالعين في الانقلاب، أو أنهم على علاقات مريبة مع البنتاغون، فالجنرال فوتيل يبين "أن عدداً من أوثق حلفاء أميركا العسكريين في الجيش التركي أودعوا السجون عقب المحاولة الانقلابية"، بينما لم يتم إيداع أحد من الجنرالات الأتراك في الاعتقال إلا من ثبت تورطهم وشاركوا في الانقلاب، بحسب قوائم الانقلابيين أنفسهم، وليس بحسب التهم التركية، فمن غباء الانقلابيين أنهم جهزوا قائمة بأسماء كل الجنرالات المشاركين وطبيعة دور كل واحد منهم في الانقلاب، وقائمة أخرى تذكر أسماء من سيتولى السلطة بعد الانقلابيين من العسكريين والقضاة والساسة المدنيين.

ومن أخطاء تصريح الجنرال الأميركي فوتيل قوله في منتدى آسبن الأمني بولاية كولورادو:" إن ثمة هاجساً دائماً ينتاب واشنطن من أن الانقلاب الفاشل في تركيا ورد فعل حكومة أنقرة عليه؛ من شأنهما إضعاف العمليات التي تضطلع بها وزارة الدفاع الأميركية في المنطقة"، وقال فوتيل:" لدينا بالتأكيد علاقات مع كثير من القادة الأتراك، لا سيما العسكريين منهم .. أنا قلق إزاء ما قد يحدث لتلك العلاقات من تأثير".

هذه التصريحات الأميركية لا ترضي الشعب التركي ولا ترضي الرئاسة ولا الحكومة ولا قيادة هيئة الأركان التركية؛ لأنها تكشف عن تدخل أميركي مباشر في العلاقات مع الجنرالات الأتراك، وبالأخص الذين يدافعون عنهم من الجنرالات الأتراك حتى بعد ثبوت تورطهم في الانقلاب على إرادة الشعب التركي، وخروجهم على الحكومة الشرعية المنتخبة ديمقراطياً بالطائرات الحربية والدبابات لقتلهم في الشوارع وفي مقراتهم الحكومية والعسكرية، بل حتى في مجلس البرلمان التركي، وهو بيت الشعب التركي الكبير، فكيف يجرؤ جنرالات أتراك يقصفون بطائراتهم الحربية مقر البرلمان التركي الذي لم يتعرض للقصف طول تاريخه العثماني أو الجمهوري، بل لم يتعرض له جيوش الحلفاء بالاعتداء أثناء الحرب العالمية الأولى؟

لا شك أن تركيا شريك استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، وهي شريك استراتيجي مع المؤسسة العسكرية الأميركية، ولكن ذلك لا ينبغي أن يتم الاعلان عن مثل هذه العلاقات بين الجنرالات الأميركيين والأتراك خارج دائرة القرار السياسي التركي، وبالأخص مع وزارة الدفاع التركية، التي هي جزء من سياسة الحكومة التركية، وهذا أمر متعارف عليه في العلاقات الدولية والدبلوماسية، فلا تتم الاتصالات السياسة أو العسكرية إلا ضمن التراتيب والرتب والقنوات الصحيحة، وليس مع عناصر أو جنرالات، وبالتالي فلا يمكن أن يكون هناك جنرال مقرب من أميركا ويتم التعاون معه بتميز إلا في حالة انتهاك هذه العلاقات الدبلوماسية أو التعاون وفق الاتفاقيات بين المؤسسات العسكرية، مثل وزارات الدفاع والحكومات بين البلدين.

وإذا وجد تنسيق بين تركيا وأميركا على مكافحة الإرهاب أو محاربة "داعش" فإن ذلك ينبغي أن يتم بين حكومات ووزارات الدفاع وفق اتفاقيات دولية موقعة بين دولتين ممثلتين بوزراء الدفاع، وليس بين جنرالات من الجيش الأميركي وجنرالات من الجيش التركي بأشخاصهم وأسمائهم فقط، وكذلك فإن غياب بعض الجنرالات من الجيش التركي أو الجيش الأميركي لا ينبغي أن يؤثر على سياسة محاربة الإرهاب، لأن الاتفاق بين دول وبين وزارات مختصة، وليس بين أشخاص، وحتى لو كان بين أجهزة أمنية مختصة، فهذا لا يعني أنه بين جنرالات معينين، سواء بقوا في مناصبهم أو غادروها، لأن الجنرالات والقيادة العسكرية منفذة لهذه الاتفاقيات، بأوامر من حكومتها وليس بأوامر من قيادة دولة أخرى، والجنرالات ليست صاحبة الاتفاق ولا ضامنة له، وإنما هذ منفذة له وفق الأوامر التي تصلها من حكومتها.

وما يدين الانقلابيين أكثر بأنهم كانوا أدوات بيد مخططين من الخارج هو تصريح مدير المخابرات الوطنية الأميركية "جيمس كلابر" في نفس المنتدى بكولورادو، حيث تحدث وكرر نفس أفكار "فوتيل" وتعليقاته، وقال:" إن التطهير العسكري الذي يجري في تركيا للجيش بعد محاولة الانقلاب الفاشلة يعيق التعاون في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة"، وقال كلابر: "إن عملية التطهير الجارية للجيش هناك سيكون لها تأثير على جميع ركائز أجهزة الأمن القومي في تركيا"، وقال: "إن كثيرين ممن كنا نتعامل معهم استُبعدوا أو اعتُقلوا، وما من شك في أن ذلك سيحدث انتكاسة ويجعل التعاون أكثر صعوبة مع الأتراك".

إن هذه التصريحات الأميركية تضر بالعلاقات التركية الأميركية لأنها تتدخل في الشؤون التركية بطريقة دبلوماسية خاطئة، فلا يحق لجنرالات أميركيين مهما كانت رتبهم أن يتحدثوا أمام وسائل الإعلام أو في المؤتمرات السياسية والأمنية بهذه الطريقة التي لا تكترث بموقف الحكومة التركية، ولا تكترث بمشاعر الأتراك وضحاياهم من الشهداء والجرحى، الذين قتلهم الانقلابيون في تركيا وعددهم 242 شهيداً عسكرياً ومدنياً، وآلاف الجرحى والمتضررين، فهذه التصريحات من اختصاص الوزراء المعنيين، وعبر قنوات دبلوماسية بين الدول، ولذلك فإن هذه التصريحات إما انها تعبر عن حالة يأس وإحباط لدى الجنرالات الأميركيين الذين شاركوا في الانقلاب وفشلوا فيه أيضاً، وإما أنها تصريحات تحريضية على الحكومة التركية، انتقاماً من فشل الانقلاب، وبالتالي تدخل في التصريحات العدائية ضد الدولة التركية، وفي الحالتين فإن الحكومة الأميركية وقبل الحكومة التركية مطالبة بوضع حد لكل هؤلاء الجنرالات الأميركيين الذين يُسيئون للعلاقات الأميركية التركية، ففشلهم في التخطيط لإنجاح الانقلاب أو يأسهم مما حصل لا ينبغي أن يسيء للعلاقات التركية الأميركية، بل أحرى بقيادة البنتاغون أن تقدم هؤلاء الجنرالات الأميركيين للتحقيق عن مسؤوليتهم في الانقلاب الفاشل في تركيا، وتحميلهم مسؤولية ذلك إذا ثبت تورطهم فيه فعلاً.

وهذا يتطلب من الحكومة التركية أن تتوجه بالاحتجاجات الرسمية ضد هذه التصريحات المسيئة للعلاقات الاستراتيجية بين تركيا وأميركا، وبالأخص من الجنرالات العسكريين الفاشلين، وأن تطالب الحكومة الأميركية بتشكيل لجنة تحقيق بالتهم االتي يوجهها الشعب التركي لهؤلاء الجنرالات الأميركيين، ومحاسبتهم على التصريحات التي تسيء لسمعة الجيش الأميركي أولاً، وتسيء للعلاقات التركية الأميركية الاستراتيجية، فهذه العلاقات أقوى من أن يعرضها بضعة جنرالات فاشلين للضرر، ومحاولة حرف الأنظار عن الحقيقية من خلال تصريحات غير مسؤولة، والتي تتجاوز حدود الأدب الدبلوماسي في الكلام أو في الأفعال غير المشروعية ضد دولة صديقة لأميركا مثل تركيا.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,626,856

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"