لماذا الرعب الأميركي من إقصاء جنرالات #الناتو في #تركيا؟!

صلاح المختار

البلد الوحيد الذي لا تحدث فيه انقلابات هي أميركا لانه ليس فيها سفارة أميركية

الرئيس البوليفي إيفو موراليس

 

قال مدير المخابرات الوطنية الأميركية جيمس كلابر، الخميس 28-7-2016، إن عملية التطهير التي تقوم بها تركيا للجيش تعرقل التعاون في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة.

وقال كلابر وقائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال، جوزيف فوتيل، إن عملية التطهير شملت الكثير من الضباط الأتراك الذين تعاملوا مع الولايات المتحدة، وألقت بالبعض في السجون. وأضاف فوتيل "الكثير من الذين كنا نتعامل معهم تم استبعادهم أو اعتقالهم. ومن جهته كرر الجنرال جوزيف فوتيل ما قيل واشار بوضوح الى ان من اعتقلوا "حلفاء مقربون للولايات المتحدة الأميركية".

هل هذه هستيريا ام لا ؟ جنرلات ومدراء المخابرات والاعلام يتعامل مع خطوات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على انها حدث خطير جدا ويمس أميركا  ! اليست تلك هستيريا حقيقية؟

يمكن ملاحظة ظاهرة واضحة جدا وهي ان هناك ما يشبه الهستيريا تجتاح المسؤولين الأميركيين نتيجة التصفية المدروسة للجنرالات الاتراك الذين اعتمدت عليهم أميركا في اذلال الشعب التركي خلال نصف القرن الماضي على الاقل، وعززت تسلطهم الفاشي والديكتاتوري على تركيا ، وقبل هذا وذاك عمل الجنرالات على القضاء على اهم مكاسب الشعب التركي الحضارية في تاريخه وهي النقلة الاسلامية العظيمة التي جعلت تركيا دولة عظمى لعدة قرون وارتقت بثقافة الاتراك وعمقت دورهم.

هنا اتحدث عن الحضارة والتقدم من خلال دين ثوري تقدمي كما نقله محمد (صلى الله عليه وسلم) ولست اتحدث عن حركة اسلاموية او قائد اسلاموي لانني، اولا وقبل كل شيء،  قومي عربي اشتراكي راسخ العقيدة وتاريخي النضالي امتد لاكثر من 58 عاما حافظت خلالها على هويتي القومية الاشتراكية التي تعززت، خصوصا جزءها الاشتراكي، بعد انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي، وانا القومي العربي الثابت الذي يرفض اي احتلال لأي ارض عربية وغير عربية من اي طرف سواء كان منتميا للاسلام او للمسيحية، فعندي الارض العربية من موريتانيا وحتى اليمن للعرب وليس للغزاة مهما كانت هويتهم، والشعب العربي في كل مكان جزء من وطني الكبير، وانا القومي العربي الذي يرفض كموقف عام فيه استثناءات معروفة تصوير الصراعات على انها صراعات دينية لأن هذا الشكل من الصراع مصطنع لاخفاء السبب الحقيقي وهو السعي لنهب الثروات واكتساب مصادر القوة على حساب الغير .

ولهذا فحينما اتحدث عن هستيريا أميركا بسبب الخطوات الثورية السليمة للرئيس أردوغان فلانني اعرف سبب الهستيريا وهو ضرب وكر التآمر في تركيا وهو ما عرفه عن تجارب مؤلمة قادة أميركا اللاتينية ومنهم الرئيس البوليفي إيفو موراليس الذي قال بأنه ما ان تفتح سفارة أميركية في بلد ما حتى تكون مصنعا للافساد المنظم وبؤرة للخراب والموت وحياكة المؤامرات . وبعد الحرب العالمية الثانية اصبح المصدر الاساس لكوارث العالم وازماته وعركات شعوبه هو أميركا ، ومن يقول ان بريطانيا تحرك أميركا وتحرضها ليس مخطئا ولكنه يجهل ان عين أميركا وادواتها فاقت عيون بريطانيا وقدراتها المخابراتية ومن ثم فان الخبث الرسمي الأميركي هو الاشد في تاريخ البشرية والاخطر على الجنس البشري وبلا اي شك .

ان تجربتي السياسية والحياتية وخبرتي الميدانية وعملي ودراستي في أميركا لفترة خمس سنوات تقريبا، وما كتبته طوال اكثر من نصف قرن وبحثي المستمر في بنية أميركا الاجتماعية اكسبني القدرة على شم سموم أميركا وهي في الجو، والان تنتشر سموم أميركا في سماء تركيا مثلما نشرتها في سماء العراق وسوريا واليمن وكافة دول الخليج العربي ونقلتها الى المغرب العربي ، وقبل هذا وذاك نشرت غيمتها البالغة السمية في فلسطين ووفرت غطاء للجراد الصهيوني كي يغزوها.

نعم ونقولها عن تجربة بالغة المرارة  بأن أميركا هي مصدر الشرور الاكثر قتلا ولن نخرج نحن العرب ولن تخرج البشرية كلها من كوارثها الا عندما نقتنع بأن قطع اذرع أميركا داخلنا هو الحل الوحيد، وليس التوكأ عليها وتوقع اي حل صحيح منها كما يتوهم البعض، وما يجب الانتباه اليه قبل اي شيء اخر هو انه في العراق كما في سوريا واليمن ولبنان والبحرين وكل قطر عربي اخطر ذراع أميركية واشدها فتكا هي الذراع الايرانية، فواقعنا منذ وصل خميني للحكم سجل مرحلة فاصلة بين عهدين عهد ما قبل ايصال أميركا والصهيونية لخميني للحكم وهو عهد النضال الواضح ضد الصهيونية والاحتكارات الاستعمارية،وعهد ما بعد خميني حيث اشعل بوقود صهيوأميركي الفتن الطائفية وحوَّل البوصلة من تحرير فلسطين وكان ذلك موضع اجماع العرب الى بوصلة الفتن الطائفية الدامية  واحياء الاصول العرقية هنا وهناك لتقسيم الاقطار العربية.

وبين العهدين نجد أميركا هي المهندس وهي المايسترو ولكنها بنفس الوقت وبسبب ازمتها البنيوية الشاملة لاتستطيع تغطية نفقات الحروب ، ومجتمع المهاجرين لم تتبلور فيه هوية امة او قومية أميركية فاعتمد على المصلحة المادية للمهاجر واحفاده الذين بقيت تتحكم بهم عقلية المهاجر المفتقر للهوية القومية ، لهذا فانها اعتمدت سياسة طغت على ماعداها هي الحرب بالنيابة– اي الحرب بواسطة دول اخرى- والتي اعتمدت عليها بعد حرب فيتنام ثم تخلت عنها في حربها ضد العراق التي بدات في عام 1991 وتبنت الحرب بالاصالة ، ثم تراجعت عن الحرب بالاصالة بعد هزيمتها امام المقاومة العراقية البطلة واجبارها على الانسحاب في عام 2011 وعادت الى الحرب بالوكالة فاستخدمت الة قتل خطيرة جدا عقلها مغلق على كره وابادة العرب قتلا او تهجيرا وهي الماكنة الايرانية.

ومن يراقب هذه الالة وهي تبيد الالاف شهريا من العراقيين والسوريين واليمنيين وتهدد عرب الخليج العربي رسميا وتنتشر وتنشر معها الفتن الطائفية في كل الاقطار العربية والتي لم تعرفها قبل خميني باستثناء لبنان ، يرى ان اكثر ادوات الابادة الجماعية نجاحا واصرارا التي استخدمتها أميركا هي (اسرائيل الشرقية). لكن تبقى أميركا في التخطيط هي السيد الاكثر اقتدارا في هذه الصلة مع (اسرائيل الشرقية)، ولهذا وجدت في الة القتل الايرانية خير وسيلة لتحقيق ما عجزت هي ونغلها (اسرائيل) الغربية وسابقتيها في الاستعمار بريطانيا وفرنسا عن تحقيقه.

هذا التحديد الدقيق لطبيعة التناقضات والازمات التي تعصف بنا والتي مصدر الشر الاخطر فيها أميركا ما كان لها ان تنشر وباءها في الوطن العربي لولا سفاراتها والتي كانت وما زالت وستبقى وكرا للتخريب وليس للتجسس فحسب ، فما ان تزرع سفارة أميركية حتى نرى نبتات الموت تتبرعم هنا وهناك وليس تحسين العلاقات مع الدولة المضيفة للسفارة . كما ان البعثات العسكرية العربية الى أميركا تعد من اهم وسائل اعداد الجنرالات العرب لفرض انفسهم على الحكم بعد تجنيدهم اثناء تدريبهم في أميركا .

أميركا تريد ايصال تركيا الان الى مرحلة الفوضى الهلّاكة كما قلنا سابقا، واعطاء درس للاتراك بأن لا يحاولوا التحرر من شياطين أميركا، لكن أردوغان وكما نرى ذلك مصمم على اجتثاث بذور الشر الأميركي في تركيا، وليس هناك بذور اكثر سمّية من جنرالات زرعتهم أميركا بعد افول نجم بريطانيا واخذت تستخدمهم لإذلال الشعب التركي وسلبه حريته وهويته الوطنية، ولهذا فإن جنرالات اتراك هم الوسيلة الأميركية الاخطر في تدمير تركيا تماما كما ان (اسرائيل الشرقية) وميليشياتها هي الة القتل الاكثر قسوة في العراق وسوريا واليمن، وهنا نرى أردوغان يشخّص الخلل بصواب ويعمل على اجتثاث سموم جنرالات الناتو كي يمنع رد فعلهم ومحاولتهم اعادة تركيا الى ما قبل بروز نزعة التحرر الوطني الحالية في السلطة.

وهستيريا الجنرالات ومدراء المخابرات الأميركية نرى سببها في نجاح خطوات الرئيس أردوغان فكلما نجح في اجتثاث جنرالٍ موالٍ لأميركا ويشكل لولباً في آلة القتل الأميركية في تركيا فانها تقترب اكثر من الاستقرار والحرية والتحرر.

ومادمنا اكدنا بان أميركا هي الدولة الاخطر في التاريخ كله على الجنس البشري كله فيحب القول ايضا كي نبعد اوهام الاستسلام، فأميركا هذه وان كانت آلة قتل لا ترحم الا انها بنفس الوقت قط من ورق وليس نمر من ورق كما وصفها ماو تسي تونغ القائد التاريخي للصين، فرغم كل قوة أميركا، ولانها ليست دولة امة، تواجه امكانية الهزيمة والانهيار اسرع من غيرها عندما تكون هناك قوة تقاومها بجدية وتخطط لطرد جواسيسها ونغولها المحليين ، كما حصل بهزيمتها امام المقاومة العراقية .

واحد اهم دروس تجربة العراق مع أميركا هو انها لم تنجح في اختراق العراق مخابراتيا قبل الغزو بسبب الحصانة الشعبية العامة ضد أميركا والوعي الدقيق لدور السفارة الأميركية وأساليبها، فاتبعت خطة مخابراتية جرَّدت السفارة من القدرة على تحقيق اختراق مباشر او غير مباشر للقوات المسلحة والاجهزة الامنية والرموز المعروفة، ولهذا ونتيجة لانعدام الاختراق الاستخباري في العراق اجبرت أميركا على اختيار الطريق الاصعب والاكثر تكلفة ماديا وبشريا وهو الغزو الخارجي بينما الحل المخابراتي يضمن اقل التكاليف، اذن وجود سفارة أميركية في بلد ما يجب ان يحاط بأجراءات امنية شديدة تضمن منع تجنيد اشخاص مهمين في الدولة  .

أميركا لم تعد قادرة على خوض حروب طويلة او مكلفة لأنها تواجه ازمتين قاتلتين الازمة الاولى انها في ذروة الازمة البنيوية اي انها شاخت ولم تعد قادرة على تحمل اكلاف الحروب المادية ، اما الازمة القاتلة الاخرى فهي ازمة ضعف المعنويات والاستعداد القتالي فالأميركي ليست له هوية قومية مميزة وتحركه نزعة فردية انانية صرفة ولهذا فان المعنويات لدى الجندي الأميركي ضعيفة ويستعيض عنها بزيادة قدرة ادوات القتل التي يملكها.

ومن اخطر مظاهر الازمة المزدوجة هذه  دعوة اكثر من عشرين ولاية أميركية للاستقلال والانفصال بمجرد انهيار او تراجع اقتصاد ولايات اخرى فطغت الانانية الولاياتية لتجنب تحمل تكاليف الولايات الفقيرة وهذه ليست مواصفات هوية وطنية بل حالة شركة كبيرة . لهذا فان المستقبل ليس لأميركا بل للشعوب الحرة المناضلة التي لا تستسلم لأميركا بل تقاومها فكما نجحت المقاومة العراقية في اجبارها على الانسحاب فان بامكان تركيا وكل دولة اخرى طرد أميركا وتنظيف نفسها من نغولها متسلحة بحقيقة ان أميركا لا تتحمل خوض صراع طويل ومكلف.

ما ظهر من ردود افعال أميركية واوربية حتى الان يؤكد بان معركة من الاسرع  زرق الافعى لسمها او قطع عدوها لرأسها قد بدأت فعلا ، ومن المؤكد بان القيادة التركية تتذكر حقيقة تاريخية معروفة وهي انك عندما تبدأ بضرب الافعى فيجب ان لا تتوقف ابدا فقد ابتدات المعركة بينكما ومهما فعلت فلن تقنع الافعى بحسن نواياك وسوف تزرق سمها فيك بكافة الطرق فاقطع راسها قبل ان تلدغك  ومن يظن ان الافعى يمكن ان تنسى اختار الانتحار بسمِّها.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,058,955

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"