ما الجديد في تصريحات وزير الدفاع؟

علي الكاش   ‏

أثارت التصريحات التي أطلقها وزير الدفاع العراقي خلال إستضافته في مجلس النواب دوياً في ‏الرأي العام العراقي، فإنبرى العديد من الكتاب سيما المغمورين منهم بتناول الموضوع بطريقة ‏غريبة أو ساذجة، فشبه أحدهم التصريحات بالقنبلة الهيدروجينية وآخر بالإنشطار النووي والأخر ‏بالقنبلة الموقوتة وآخر بالتورنادو وغيره بالعاصفة. ويبدو أن حديث القنابل والأسلحة صار موظة ‏العراق الديمقراطي الجديد.

 

أصبح خالد العبيدي المنتظر الذي سيصلح العراق بعد أن وصل فيه الفساد والظلم الزبى. وإنهالت ‏المقالات تشيد بالبطل الوطني منقذ العراق، وشجاعته النادرة، منبئين بتساقط أوراق ربيع مجلس ‏النواب، وراح البعض يتساءل: من با ترى سقى العبيدي الشجاعة فأينع، وتمنى البعض لو كان ‏عندنا رجال كالعبيدي وهلم جرا. الطريف ان معظم الكتاب الذين هلهلوا للعبيدي، كان نفسهم ‏الطائفي هو الذي يقف وراء الإشادة به، بإعتبار ان حرب البرلمان كانت بين أهل السنة سواء ‏بالنسبة الى رئيس مجلس النواب أو وزير الدفاع، اما بقية الرهط فأنه أسمائهم كانت على هامش ‏المعركة الكلامية، كما يطلق عليها العسكر مناوشات. ولو كانت الآية معكوسة أي ان رئيس ‏مجلس النواب هو الذي كشف الفساد في وزارة الدفاع لكان موقف الكتاب نفسه، لأنه معركة بين ‏جحوش اهل السنة وهذا هو المهم.‏

لكن ما الذي أتى به العبيدي؟

بالتأكيد لحد الآن لم يأتِ بشيء، ولم يرفع دعوى على رئيس مجلس النواب وبقية الرهط، ولكن ‏بالتأكيد انه له من الوثائق االأشرطة ما يمكنه من الإيقاع بخصومه، ونفس الشيء بالنسبة لرئيس ‏مجلس النواب فلديه من الوثائق ما يمكن أن يوقع به وزير الدفاع وجماعته، إنها معركة الفاسدين ‏ضد الفاسدين، ومن يظن ان المعركة ستنتهي بنصر لأحد الجانبين فهو على وهم كبير. والذين ‏هلهلوا للمعركة سيخيب ظنهم كما خاب ظنهم في بقية الملفات، وسيرجعوا يجرون ورائهم ذيول ‏الحسرة والمرارة. ‏

مهما بلغ مستوى الفساد عند الجبوري وبقية الرهط فهل سيبلغ القمة التي وصل اليها نوري ‏المالكي، يهلهلون لبضعة ملايين او مليارات ومتناسين (1000) مليار ضيعها المالكي، واليوم ‏تقترض حكومة العبادي من صندوق النقد الدولي، لكي تدفع الأجيال القادمة هذه القروض ‏وفوائدها!‏

ستبدأ او ربما بدأت فعلا الوساطات والمساعي غير الحميدة لتسوية الخلاف بين الجانبين سواء من ‏قبل أصحاب القرار في العراق أي ايران والبيت الأبيض، أو من قبل الكتل السياسية التي ينتمون ‏اليها أو بقية الأحزاب التي لاعلاقة لها بالموضوع الحالي البتة، لكنها ستتدخل بقوة لأن نار الفساد ‏ستكويها أيضا، لذا فأن من الأفضل لجميع الأطراف إخماد النار قبل ان تلسع كل الأطراف، لأن ‏رئاسة الجمهورية، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء والقضاء كلهم فاسدون. ورغم رعونية ‏وتفاهة النائب الحرباء مشعان الجبوري، لكنه كما يقول المثل العراقي" يفوتك من الكذاب صدق ‏كثير"، فقد نطق بأشهر عبارة سياسية هذا العام وهي" نحن جميعا فاسدون"! هذه هي الحقيقة بكل ‏بساطة وواقعية، والنائب إعترف عن عملية بسيطة لا أهمية لها، لكنه تقاضى عنها (2) مليون ‏دولار! فما بالك ببقية العمليات والرشاوي. علما ان النائب ذكر بأنه تنصل عن القضية ولكنه لم ‏يعيد الرشوة.‏

حسنا! ما فعل مجلس النواب ورئيس الوزراء والسلطة القضائية أزاء هذا الكلام الموثق؟

في البداية ثارت ضجة كبيرة من قبل بعض النواب والمسؤولين حول إحالة النائب الجبوري الى ‏القضاء وسحب الحصانة النيابية عنه، ولكن بسرعة خمدت النار، وإنتهت القضية دون أن يسمع ‏لها صدى، وهذا ما يقال عن فساد عقود النفط التي كان الوزير حسين الشهرستاني واحد من ‏ابطالها، وعقود لعبة كشف المتفجرات، والطائرات المنتهية الصلاحية، والمدرعات المندثرة ‏وغيرها الآلاف من ملفات الفساد. ‏

فاين نتائج التحقيق؟ لاشيء!‏

لماذا؟

لأن الجميع فاسدون ولا يرغبون بنشر غسيلهم القذر على الشعب. عندما تكون السلطة القضائية ‏فاسدة، ومجلس النواب فاسد، والحكومة فاسدة، فمن الذي يكشف الفساد؟ ومن الذي يتولى عملية ‏الإصلاح؟ هذا ما لم يفكر فيه البعض! حتى مسرحية رئيس الوزراء حيدر العبادي حول الإصلاح ‏التي تشدق بها البعض، لا أحد منهم يسأل: هل سينتهي الفساد حقا بتبديل الوزراء؟ الم تُسمِ ‏الأحزاب وزراء فاسدين كبدلاء عن وزرائها الفاسدين أيضا؟ ‏

هل الوزير الوطني الغيور والنزيه قادر فعلا على إدارة وزارة فاسدة مبنية على المحاصصة ‏الطائفية؟ وهو لا يتمكن من محاسبة الوكلاء والنواب والمدراء العامين لأن ورائهم كتل وأحزاب ‏لا يستطيع أن يقف بوجهها. إنها مسرحية ساخرة الغاية منها الضحك على الذقون. انظر الى التيار ‏الصدري الذي سرق التظاهرات المناهضة للفساد. الم يكن للتيار الصدري وزراء ونواب وكلهم ‏متهمين بالفساد؟ ما الذي فعلة مقتدى الصدر مع الفاسدين وكان يتسلم حصته منهم؟ هل كان حجز ‏بهاء الأعرجي من ثم السماح له بالعودة الى وطنه الأصلي محملا بالمليارات من مال السحت، هو ‏العلاج المناسب للفساد؟

أنظر الى ما تسمى بـ (هيئة النزاهة) المبنية على المحاصصة الطائفية، والتي ينخر الفساد في ‏سقوفها، كل فترة تتكرم على الشعب بإحالة الآلاف من ملفات فساد الى القضاء، وتزودنا بأرقام ‏مبهمة، ولا تجرأ أن تصرح عن اسماء المتهمين بالفساد! ما هو السبب؟

السبب، لأن ملفات الفساد قابلة للمساومة، وهذه هو السبب الرئيس لتراكم الغبار على ملفات ‏الفساد. بل أن رئيس هيئة النزاهة عليه ملفات فساد، فعل سيفضح الآخرين وهو معهم على نفس ‏مركب الفساد؟

الأهم من هذا وذاك اين هو الشعب العراقي من ملفات الفساد المتراكمة كالجبل منذ الغزو لغاية ‏فضيحة جحوش أهل السنة؟

هنا تكمن العبرات! فالشعب العراقي ليست له علاقة تماما بملفات الفساد، ولا تعني له شيئا، فهو ‏كما يبدو لا يمانع بأن يتصرف الحكام بثروته هلى هواهم. ولا مانع من أن يسكن القبور ويشتري ‏الحكام العمارات والفلل في دول الخليج والدول الأوربية، ولا مانع عنده ان يأكل من حاويات ‏القمامة أو الفتات الذي يتساقط من موائد الحكام، وليس عنده مانع من ان يشرب الماء الطيني ‏الملوث على ان يشرب الحكام الماء الزلال، ولا مانع عنده ان يستظل تحت أشجار النخيل متفيئا ‏بدرجة حرارة تزيد عن 50% مقابل ان ينعم الحكام بهواء المكيفات العليل. ولا مانع عنده ان ‏يُسفك دمه في التفجيرات الإرهابية، مقابل حفظ دماء سكنة المنطقة الخضراء الآمنين. الحكام في ‏وادي ذي زرع، والشعب في وادي غير ذي زرع. المهم هو قانع بما يجري، وما يزال يرفع ‏شعاره الديمقراطي البراق" آني شعليه/ أي لا يخصني الأمر)!‏

أما التظاهرات الشاحبة التي يقوم بها المئات من المتظاهرين، وهو يمثلون النخبة في المجتمع ‏العراقي، فإنهم في الحقيقة لا يزيدون عن بضعة آلاف. لكن ما هي نسبة هؤلاء من عموم الشعب ‏العراقي؟ إنها لا تزيد عن واحد من العشرة آلاف او المائة ألف. حتى هذه التظاهرات سرقها ‏مقتدى الصدر وجيرها لتياره المتقلب الأهواء كقائده الشاذ، فإنتهى أمرها، ولم تبقَ لها قيمة ‏حقيقية، وإستغلت الحكومة حربها مع داعش لتسحب البساط من تحت أقدام المتظاهربن لأن ‏الوقت، وقت حرب، وليس تظاهرات، ويبدو ان الكثير قد إقتنع برأي الحكومة، مع ان الفساد ‏والإرهاب وجهان لعملة واحدة.‏

تصريحات وزير الدفاع والتصريحات المقابلة لرئيس البرلمان ليست أكثر من زوبعة في فنجان، ‏حالها حال ملفات الفساد التي قبلها، وسوف تُنقع ملفات الفساد بماء بارد يشربه الظامئون للحقيقة، ‏ولكنهم لا يرتوون منه.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,028,109

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"