#مصر و #الكيان_الصهيوني.. نحو علاقة إستراتيجية

ماجد عزام

طغت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا منتصف شهر تموز/ يوليو الماضي على الزيارة المهمة جدّاً التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى الكيان الصهيوني في العاشر من الشهر نفسه، وبدت حافلة بالدلالات على مستوى الشكل والمضمون أيضا.

 

غير أن تصريحات شكري منتصف آب/ أغسطس التي رفض فيها وصف ما تمارسه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني بإرهاب الدولة، سلطت الضوء من جديد على العلاقة المتنامية بين الجانبين، والتي تأخذ شيئاً فشيئاً الطابع الإستراتيجي في أبعاد وجوانب مختلفة سياسية أمنية عسكرية واقتصادية أيضاً.

للتذكير فقد كانت زيارة وزير الخارجية المصري الأولى على هذا المستوى منذ تسع سنوات، وقد هدفت إلى كسر الحاجز النفسي، وإخراج العلاقة المتنامية للعلن، وإسباغ الطابع أو البعد السياسي عليها، بعدما ظلت لسنوات حبيسة النقاش والتنسيق والتفاهم الأمني والعسكري بين المسؤولين في البلدين.

في السنوات الأخيرة لنظام مبارك عاشت العلاقة بين البلدين أفضل مستوياتها وكانت الخطوط مفتوحة بين مكتب مدير المخابرات الجنرال عمر سليمان ونظرائه في وزارة الدفاع الصهيونية، ورغم صفقة الغاز المشبوهة إلا أن الجانب السياسي الاقتصادي كان غائبا أو مغيّبا، وكان ثمة تعمد أن تظل العلاقات رهينة العسكر وأجهزتهم، مع نقاشات ذات طابع أمني أساساً تخص ملفات متعددة في المنطقة من فلسطين إلى السودان، مروراً بلبنان سوريا، وحتى العراق والخليج العربي والبحر الأحمر، بموازاة سعي تقليدي من نظام مبارك للاستثمار، وحتى السمسرة في القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب فئوية ومصالح ضيقة وتعويض الشرعية المتآكلة والمنهارة في الداخل، ودائماً تحت السقف الأميركي الذي حاول خلال تلك السنوات ضخ الحياة في عملية التسوية  الفلسطينية الصهيونية- الميتة إكلينيكياً - بدعم مصري كلما دعت الحاجة.

الوضع اختلف الآن مع نظام السيسي، وهو ما تبدى من زيارة الوزير شكري كما تصريحة الأخير، وثمة سعي دؤوب جليّ وحتى وقح لإضفاء صبغة سياسية على العلاقة، وعدم الخجل من إظهارها للعلن. علماً أن جدول أعمال زيارة الوزير والملفات التي ناقشها لساعات طويلة مع نتن ياهو تفضح أو تكشف عمق العلاقة والتحالف بينهما.

شكري التقى نتنياهو مرتين خلال يوم تفاوضي طويل، وبدا أن ثمة تعمدا لإضفاء الحميمية على العلاقة ليس فقط كمّاً، وإنما نوعاً أيضاً عبر إجراء اللقاء الثاني في منزل رئيس الوزراء الصهيوني الخاص، وطبعاً في القدس المحتلة، وحتى مشاهدة نهائي كأس أوروبا معاً لتظهير البعد الشخصي، والتأكيد على الدفء في العلاقة!

حسب وسائل الإعلام الصهيونية المختلفة فقد كان الملف الفلسطيني ببعده السياسي مغيّباً أو هامشياً، وجرى التركيز على العلاقات الثنائية مع استعداد متبادل للوساطة لتحقيق مصالح الجانبين في ملفات ثنائية، وحتى إقليمية أيضاً.

الوزير شكري طلب دعما صهيونيا للعمليات العسكرية والأمنية في سيناء، مع تأكيد على زوال الحواجز فيما يخص معاهدة كامب ديفيد وملحقها الأمني، مع عدم ممانعة القاهرة في تنفيذ عمليات أمنية صهيونية مباشرة في سيناء، وهو ما تؤكده التقارير والتعليقات الصحفية المتواترة وشعور تل أبيب أن السياسة المصرية المتبعة في شبه الجزيرة تصب أساساً في خدمة مصالحها، تحديداً فيما يتعلق بالتضييق على قطاع غزة، وعرقلة إدخال السلاح إليه عبر الأراضي المصرية، كما كان متبعا منذ سنوات.

وزير الخارجية المصري طلب كذلك وساطة صهيونية تجاه تركيا إن لم يكن بالعمل لتحسين العلاقات معها مباشرة، فعلى الأقل لضمان ألا يؤثر الحضور التركي في غزة على التأثير وبالأحرى الحصار المصري ضدها أو يصب سياسياً في صالح النفوذ التركي الإقليمي أو في صالح حركة حماس التي تعاديها القاهرة علناً ودون مواربة.

شكري طلب كذلك وساطة أو دعم تل أبيب تجاه الغرب الولايات المتحدة وتحديداً فيما يخص المساعدات العسكرية والاقتصادية  للنظام، وغض النظر عن انتهاكه المنهجي لحقوق الإنسان، كما بالعمل على إبعاد النظام وممارساته عن التغطية السياسية والإعلامية الغربية المركزة، والحفاظ على واقع أو حقيقة ألا شيطنة سياسية وإعلامية له أو عقوبات اقتصادية ضده، طالما أنه يخدم في النهاية المصالح الأمنية الصهيونية والأميركية الإقليمية، ولا يشوّش أو يشاغب عليها بأي حال من الأحوال.

العدو الصهيوني من جهته طلب وساطة مصرية فيما يخص أسراه في غزة، وأصلاً أبدت القاهرة دوماً استعدادها للوساطة في هذا الملف، مع إبقاء الطابع الأمني للعلاقة مع حماس، والتأكيد على الموقف المصري الرافض لأي وساطة ذات طابع سياسي، ورفض تخفيف الحصار أو تقديم أي مكاسب سياسية لحماس، وحتى التخفظ على الخطوات الصهيونية المتعلقة بتخفيف الحصار أو زيادة إدخال المساعدات إلى غزة، ما يحرج القاهرة إعلامياً، ويظهرها أكثر تشدداً من تل أبيب فيما يتعلق بالحصار والتعاطي مع ملف غزة بشكل عام.

إلى ذلك ثمة خدمة سياسية أخرى يقدمها النظام المصري للكيان المحتل، وعن سبق إصرار وترصد، تتمثل باستغلال القضية الفلسطينية ضمن السياق والفهم الصهيوني طبعا لأنه لا حديث جدّي عن انخراط مصري في عملية التسوية، والحديث عن المبادرة المصرية المزعومة يأتي فقط من جانب نتنياهو وحكومته، حتى أن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي نفسه رفض تسميتها مبادرة، وإنما مجرد رؤية مصرية، علماً أنها تأتي في سياق قطع الطريق على المبادرة الفرنسية وتخفيف أي ضغوط دولية ضد تل أبيب في هذا الصدد، وتتبنى، أي الرؤية المصرية، المقاربة الصهيونية عن المفاوضات المباشرة دون شروط أو سقف زمني واضح ومرجعيات محددة، وبإطار إقليمي عربي وبالتأكيد ليس دوليا.

في السياق الفلسطيني بدا لافتاً كذلك التركيز المصري على المصالحة الفتحاوية الداخلية كمرحلة ضرورية لا غنى عنها في الطريق نحو المصالحة الفلسطينية ومن ثم استئناف عملية التسوية وصولا إلى اتفاق سلام نهائي للصراع في فلسطين حيث تبدو تل أبيب راضية تماما عن هذا المسعى لأنه يلفت الانتباه عن ممارساتها ويعطي الانطباع وكأن المشكلة عند الفلسطينيين غير الجاهزين للمفاوضات والتسوية وهي تعي- ولا تمانع– طبعا أن الغرض الأساس من المسعى المصري يتمثل بإعادة تعويم حليفها القديم القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان وتسهيل خلافته للرئيس محمود عباس، بينما يمكن تأجيل الملفات الأخرى، أي المصالحة مع حماس، علماً أن القاهرة واعية بالتأكيد لحقيقة ألا فرصة للحل في المدى المنظور وأن الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان الصهيوني- حكومة نتنياهو ليبرمان بينيت- لا تملك الإرادة ولا حتى القدرة للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي وفق الحد الأدنى المقبول فلسطينياً عربياً ودولياً.

القاهرة تعمل كذلك في خدمة ومساعدة تل أبيب لعكس المبادرة العربية، وجعل التطبيع والعلاقات العربية الصهيونية قبل الحلّ النهائي، والانسحاب من الأراضي العربية، وإقامة الدولة الفلسطينية.

وهنا تبدو العلاقة الصهيونية مع مصر أعمق بكثير من العلاقة مع السعودية، مثلاً رغم ضخ وتركيز الحشد الشعبي الإعلامي على السعودية، ومع الانتباه كذلك لما نشره موقع والا عن غضب وضيق نتنياهو لعجزه عن إظهار النجاحات والعلاقات واللقاءات مع مسؤولين عرب آخرين إلى العلن، كما يحدث مثلاً مع الجانب المصري.

عموماً فإن تصريحات الوزير سامح شكري المترافقة مع تخفيف حدة الموقف المصري من الملف النووي الصهيوني في المنتديات الدولية ذات الصلة، كما الكم الكبير من التصريحات والتعليقات المتدفقة والمتواصلة من تل أبيب، تؤكد المنحى الجديد للعلاقة بين الجانبين، الذي يأخذ الطابع السياسي العلني مع بعد أمني عميق ومقاربة استراتيجية لملفات ثنائية وإقليمية تتعلق بحاضر ومستقبل المنطقة، غير أن هذا قد يخدم النظام على المدى القصير أو المتوسط إلا أنه لن ينجح في التغطية على الفشل الداخلي المركب والعميق وأزماته المتكاثرة وبالتأكيد لن ينجيه من مصيره المحتوم السقوط ولو بعد حين.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,027,280

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"