خيارات العلاقات التركية الأميركية في #سوريا

محمد زاهد غُل

ليس من المحتمل أن تسوء العلاقات التركية الأميركية أكثر مما هي عليه الآن، فكلتا الدولتين لا تسعى إلى توتير العلاقات بينهما أكثر، ولعل زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام إلى أنقرة كانت تهدف إلى ترميم ما خرب منها، وكان واضحا من تصريحاته الودية نحو الشعب التركي والاعتذار، وليس التهديد ولا التنديد، وهي اللغة التي أخطأ وزير الخارجية الأميركية جون كيري استعمالها بعد فشل الانقلاب العسكري الذي دبره فتح الله غولن من أميركا في الشهر قبل الماضي، فقد كان كيري مغتاظًا جدًا من فشل الانقلاب، وكأنه زعيمه وليس جولن، أو كأنه تمنى نجاحه أكثر من جولن نفسه، ولكن لم تأت الرياح بما تشتهي السفن الأميركية.

 

أوحت زيارة بايدن بالرغبة الأميركية لإصلاح العلاقات، ولذلك كان أردوغان حاسما في إسماع بايدن جملة قاطعة لتحسين العلاقات، فقال لبايدن "أولوياتنا أن تسلمونا غولن"، وقال قبل أن يصله بايدن "على أميركا أن تختار بين تركيا وغولن"، وأردوغان يعلم أن تقاربه من روسيا في هذه الظروف والأجواء يقلق أميركا والناتو وأوروبا معاً، وهو ما أكدته العديد من المقالات الغربية، أما بايدن فأحضر معه جوابه من أميركا، أن قضية غولن قضية قانونية وليست قضية سياسية بالنسبة للإدارة الأميركية، وأن القرار ليس بيد الرئيس الأميركي باراك أوباما كما قد يظن البعض، أو أن أميركا تريد أن تقبض من تركيا ثمن تسليم غولن سياسيًا، ولكن كيف.

ولذلك فإن تصعيد لهجة الخلاف مع تركيا بعد زيارة بايدن التي تزامنت مع انطلاق عملية "درع الفرات"، التي تشبه "عاصفة الحزم" السعودية الخليجية في اليمن في بعض الأوجه، لا يختلف عن نفس المواقف التي تواجه بها أميركا من يعمل لمصالحه مثل تركيا والسعودية، فأميركا التي عطلت نجاح مؤتمر الكويت بين الأطراف اليمنية، هي نفسها التي تواجه الآن المعارضة السورية في تحرير قراها ومدنها من الاحتلال الإرهابي من قوات "سوريا الديمقراطية"، فقوات سوريا الديمقراطية وتوابعها في المجالس العسكرية التي شكلتها قبل ادعاء انسحابها إلى غرب الفرات هو دليل على أنها تخطط لمواجهة عسكرية وليس تنفيذ انسحاب حقيقي، وهذه المواجهة العسكرية تندرج ضمن الإستراتيجية الأميركية في مواجهة الربيع العربي، وهي إبقاء بؤر الصراع مشتعلة في العالم الإسلامي، بل وتوفير أسباب أكبر لمواصلتها، فالحرب في أفغانستان لم تنته بعد 15 عاما، والحال في العراق اليوم أسوأ منه عام 2003، والأزمة السورية لا أفق للحل فيها، بسبب ممانعة أميركا السماح لطرف منها أن يحسم الصراع عسكريا، وقد تعمدت السياسة الأميركية إشعال الحرب الطائفية في اليمن، والحرب في ليبيا ليست ببعيد.

هذه السياسة الأميركية أصبحت واضحة للجميع، فتشجيع أميركا لتركيا في عملية درع الفرات في اليوم الأول لم يستمر، وأخذت أميركا تنتقد تركيا بقول وزير الدفاع الأميركي كارتر يوم 29/8/2016 "دعونا تركيا لإبقاء التركيز على قتال تنظيم الدولة الإسلامية وألا تشتبك مع قوات سوريا الديمقراطية، وأجرينا عددا من الاتصالات خلال الأيام القليلة الماضية"، وقوله: "إن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال جوزيف دنفورد تحدث إلى نظيره التركي الأحد الماضي" فهذه التحذيرات الأميركية ومن وزارة الدفاع تحددا هي تناقض واضح، لأن تركيا لا تخوض حربا ضد أحد في سوريا أولًا، وما تقوم به القوات التركية المسلحة من تقديم الدعم للجيش السوري الحر وقوات المعارضة السورية المعتدلة، التي يتوجب عليها أن تستعيد سيطرتها على المدن السورية التي يسيطر عليها الإرهابيون، سواء كانوا من داعش أو غيرهم، وبالأخض من ميليشيات "حزب العمال الكردستاني"، وبالأخض المدن السورية غرب الفرات، فهذه المناطق هي مناطق سورية عربية سنية، وليست مناطق كردية، ومن حق الجيش السوري الحر السيطرة عليها، ولا يحق لأميركا ممانعته عندما يقاتل من يحتلها، وبالأخص قوات سوريا الديمقراطية، التي دخلت هذه المدن بحجة تحريرها من داعش، وليس البقاء فيها بأي اسم أو مسمى.

وأميركا تعلم أن من مصلحة الأمن القومي التركي دعم الجيش السوري الحر بالسيطرة على أراضيه ومناطقه ومدنه، فهذا حق طبيعي، ولذلك لا يمكن فهم التصريحات الأميركية التي تدافع عن قوات سوريا الديمقراطية المحتلة لمناطق ليست لها إلا أنه توريط لهذه القوات أن تقاتل الجيش السوري الحر، على أمل أن تضطر تركيا للتورط أكثر في الأراضي السورية، وبالتالي جعل الجيش التركي شريكا في هذه الحرب في سوريا، وبالتالي زيادة احتمالية وقوع مواجهة مع الميليشيات الإيرانية فيها، وهو نفس الهدف الذي تسعى له أميركا في اليمن، فأميركا تسعى في اليمن لتقسيمه ليكون في جزء منه تابعًا للنفوذ الإيراني باعتراف دولي، وبالتالي فتح المجال لتحويل الحرب الباردة السعودية الإيرانية الحالية إلى حرب حقيقية مشتعلة في اليمن بين السعودية وإيران، لا يعلم أخطارها إلا الله تعالى.

إن التصريحات الأميركية التي تنتقد الأداء التركي في درع الفرات، مخالفة للتعهدات الأميركية بإخراج قوات حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية إلى شرق الفرات في مهلة أسبوعين، بعد تحريرها من داعش، وقد انقضت مدة الأسبوعين، فقد دخلت مدينة منبج بتاريخ 13/8/2016، وانتهت بتاريخ 28/8/2016، والهدنة لوقف إطلاق النار، ستكون مؤقتة لإتمام الانسحاب فقط، وإلا فإن للحكومة التركية الحق باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أمنها القومي، فإذا كان التعهد الأميركي مجرد خدعة أميركية لتركيا، لتدخل في الصراع السوري، فإن هذه الخدعة لن تقع تركيا فيها، لأن هذه المناطق التي هي محل نزاع لها أهلها الأصليون، وهم السوريون العرب السنة، وهؤلاء من حقهم إخراج الاحتلال من مناطقهم مهما كان وصفه ومسماه، ودور القوات المسلحة التركية أن تتخذ القرار الذي يدعم واجباتها بتحقيق الأمن القومي التركي، وتأييد حقوق السوريين على أرضهم.

ولذلك تبقى الخديعة الأميركية محصورة بالأحزاب الكردية التي ارتضت أن تكون أداة بيد البنتاجون، فهذه الأحزاب مطالبة أن تكتشف الخديعة الأميركية بنفسها، فهي التي تطالبها بالانسحاب إلى شرق الفرات، وفي الوقت نفسه تحذر تركيا من عدم التعرض لها غرب الفرات، لتجعل هذه الأحزاب تراهن على الدعم الأميركي، بينما هي وقود للسياسة الأميركية لإشعال الحروب في المنطقة فقط.

إن أميركا سوف تكتشف سريعا أن توريط تركيا بالحرب في سوريا سيبوء بالفشل أولًا، لأن الحكومة التركية لن تورط جيشها في هذه الحرب مهما كانت الأسباب، ولكنها لن تفرط بأمنها القومي، ثانيا، وأخيرًا فإن الدول الإسلامية أصبحت أكثر وعيا على المشاريع الأميركية في إدامة الحروب وإشعالها وتأخير إنهائها، وهي الآن بحاجة إلى أن تبدأ حل مشاكلها بنفسها، ودون تدخل خارجي مريب.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,042,747

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"