الصورة: عصابات الحشد الشعبي تنتشر في محيط مرقد سامراء. أرشيفية.
كتّاب الميزان
خلف الاحتلال الانجلو- أميركي، للعراق في آذار 2003 تغييرات ديموغرافية ضخمة، ألقت بظلالها على التركيبة السكانية، لعدد من المدن العراقية وأثرت فيها، لا سيما تلك التي تمتاز بتنوع عرقي ومذهبي.وبعد أحداث تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء، شباط 2006، وما أعقبه من نزاع عنيف ذو صبغة طائفية، شهدت مدن العراق، كافة تغيرات ملحوظة، في تركيبتها السكانية وتنوعها المذهبي.
لن أطيل السرد في ذكريات تلك الايام المشؤومة، لكني سأكتفي بالقول أن ما حدث ليلة تفجير المرقدين، كان بداية لتنفيذ مخطط تغير ديمغرافي كبير يُنتج عن مناطق صافية طائفيا، من خلال إتهام سنة العراق، بالتورط بتدمير قبة العسكريين المذهبة، رغم أن مرقديهما موجودان منذ مئات السنين في أحضان سامراء والسامرائيين، ولم يُذكر أنهما تعرضا لخدش على مر السنين.
من هذا المنطلق تحاول إيران "الشيعوإسلامية" جاهدةً بكل ما أوتيت من إمكانات، وجهد وقوة أن تفرض سطوتها على العراق كله، ولا نقصد السيطرة السياسية ووضع حكومة تابعة لها، فهذا متحققٌ لإيران، ولكنها تطمع وتخطط لأبعد من ذلك ألا وهو تغيير تركيبة العراق المذهبية لحسابها، والذي يؤدي بالنتيجة إلى أن تكون أغلب مدن العراق تابعة لها، فتاريخ العراق مليء بمحاولات إيرانية بتصفيته من السنة ،فعندما احتل الصفويون بغداد أرادوا قتل أهل السنة جميعهم، وقتلوا المئات من علماء ووجهاء السنة، لكن العراق بقي بلداً عربياً سنياً بعد ان دخل العثمانيون العراق، طاردين الصفويين الى عمق أراضي فارس.
بقيت ايران بعيدة عن اراضي العراق طيلة 400 عام خوفا ورهباً من بطش العثمانيين، استمر الحال الى ما بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة مطلع عشرينيات القرن الماضي، حيث ظل الرعب يراودها من العراقيين والذي أثبت فاعليته في حرب 1980 – 1988 والتاريخ القديم والحديث يؤكد رغبة ملالي فارس في تغيير وتحطيم هوية العرب السنة وتشييع مناطقهم وجعلها منطلقاً لإكمال الهلال الشيعي المنشود، هذه الحقيقة إن كانت غابت على المسؤولين قديماً يجب أن لا تغيب على أجيالنا اليوم وهم يرون هذا المخطط ينفَّذ بعض منه على الأرض كل يوم.
ولتحقيق هذه الرغبة الايرانية في العراق كان لابدَّ من وجود ارض خصبة وتواجد شيعي، إن المجتمع في جنوب العراق أرضية خصبة لأي تحركات إيرانية، للعمل على المناطق السنية العربية.
وطريقة إيران هي طريقة الصهاينة في فلسطين، ألا وهي السيطرة على بقعة معينة وإنشاء مستوطنات فيها، ثم إنشاء مستوطنة ثانية وثالثة، ثم محاولة السيطرة على الأرض بين هذه المستوطنات الثلاث، وهذا المخطط القديم الحديث جارٍ في العراق، لكن بأيادي الميليشيات الموالية لإيران.
وأقول هذه طريقة الإيرانيين، لأن شيعة الجنوب والوسط اليوم في العراق أداة لتنفيذ ما تمليه عليهم إيران ، لذا فهم اليوم ينفذون المخطط الإيراني لتغيير الديمغرافية العراقية السنية، وذلك لجعل ولاء العراقيين لإيران بواسطة التيار الديني الشيعي وميليشياته التي استباحت المدن العربية السنية بحجة "الجهاد الكفائي" ضد داعش.
نمَّت إيران تلك الجذور بحدثٍ غيّر كل المعطيات، وهو الايعاز للمالكي بترك الموصل وصلاح الدين والانبار لقمة سائغة لتنظيم داعش، والذي توعد باحتلال سامراء وكربلاء والنجف فكسبت التعاطف واستقدام المسلحين الموالين لها إلى مدينة سامراء، بحجة حماية العتبات، حتى غدت المدينة مرتعاً للميليشيات.
أخذت الميليشيات تعبث بأمن سامراء بأساليب عدة، تعمدتها لإرعاب سُنة المدينة وإرغامهم على تركها من ثم توطين الشيعة بدلاً عنهم. استخدمت إيران مقاتلين عراقيين لتنفيذ المهمة، أقنعتهم بأن السنة يشكلون تهديداً للأضرحة، واستخدمت تفجير المرقدين العسكريين، كذريعة لاحتلال المدينة عن طريق ميليشياتها.
استولى مسلحو الميليشيات بدعم من الوقف الشيعي على مفاتيح الحضرة، التي كانت منذ مئات السنين بيد "عائلة الكيليدار"، ولو كانت النية الحقيقية وراء دخول الميليشيات إلى المدينة حماية العتبات لكانت اكتفت بتسلم المفاتيح، وتشديد الحماية على المرقد، لكنها أتبعت سياساتٍ أجبرت أهالي سامراء على هجر منازلهم، وتجارها على ترك أسواقهم، خصوصا تلك المحيطة بالمرقد، منها شارع البنك القديم أحد أشهر أسواق سامراء القديمة وشارع الشواف، ثم اتخذ الوقف الشيعي نهجاً مشابهاً، إذ أخذ يعرض مبالغ مالية مغرية على أصحاب الأملاك المحيطة بالمرقد، حيث وصل سعر المتر المربع الواحد إلى 4 ملايين دينار عراقي، فيما لم يسمح للوقف السني بالتملك بمناطق محيط الروضة العسكرية.
لقد مرت سامراء بأسوأ كوابيسها بعد تفجير 2006 وعانت كثيراً، بعد كل تلك الأحداث تفاقمت أزمتها، على يد الميليشيات المتغلغلة داخل المؤسسات الامنية كافة.
تمت عمليات اعتقال لناشطين والوجهاء، وعلى أسسٍ طائفية، وأجبر آخرون على ترك المدينة، فيما تم إفراغ محيط مناطق محيط سامراء من اهلها، وإسكان "المعدان" وهم مربو الجاموس في اهوار الجنوب، بدلاً عن السكان الاصليين.
تلك لم تكن إجراءات أمنية بل خطة تغيير ديموغرافي مدروسة كان ينفذها قائد الشرطة في سامراء المدعو "جبار المطيرجي" وهو من اهل العمارة، الذي هجَّر عوائل مناطق محيط سامراء، باستقدامه للعشرات من عوائل المعدان، وإسكانها ضفاف دجلة، خصوصا مناطق العاشق والعباسية وحاوي البساط شمال وغرب المدينة.
ولأنهم استقدموا حسب الاحصائية الاولية ما يقارب 14 ألف جاموسة معهم فالأمر تعدى كونه تغييراً ديمغرافياً، حيث تسببت تربية الجاموس بتلويث نهر دجلة، فضلاً عن إتلاف المحاصيل الزراعية.
ومع مرور الوقت تكررت إجراءات استفزازية مماثلة، كان آخرها إسكان عوائل الحشد الشعبي، في المنازل المحيطة بالضريح (منطقة الإمام)، وخطواتٌ أخرى تمثلت بشراء أراضي بناياتٍ حكومية في المدينة، من قبل الوقف الشيعي، كبناية قائممقامية سامراء القديمة، وبناية الجمعية التعاونية بـ سعر3 آلاف للمتر المربع، وحسب كتاب مديرية بلديات صلاح الدين والمرقم (922) و الصادر بتاريخ (7-2-2016)، لإعادة تشييد حسينيات بدل المباني الحكومية، وذلك بالتعاون مع ومدير بلدية بلدية سامراء المهندس نايف صالح حمد ومدير بلديات صلاح الدين المهندس أحمد دوخي احمد، ومدير الوقف السني في سامراء جاسم داوود المحسوب على الحزب الاسلامي.
والآن بات أهالي سامراء السُنة يعانون من مضايقاتٍ يمارسها الحشد في المدينة، حتى وصل الحال بالبعض إلى التشيع، حفاظاً على حياته وحياة أسرته!
وبعد سنوات على تفجير الضريح مازالت سامراء تدفع الثمن، ثمن جريمة لم ترتكبها، إلا انها ما زالت تناضل دفاعاً عن هويتها المسلوبة وتاريخها وأهلها في وجه التغيير الديموغرافي في ظل صمت سياسي مطبق وتهاون وتخاذل ممن يدعون تثميلها في البرلمان.