هل يُكمل الحوثيون ما بدأته الميليشيات العراقية؟

مثنى عبدالله

زار وفد الحوثيين بغداد الأيام القليلة الماضية، وكانت لهم لقاءات كثيرة فيها، شملت مستويات ‏رسمية ودينية وميليشياوية. ‏
لكن اللقاء الأبرز والأهم كان مع وزير الخارجية العراقي، الذي حرص على أن يكون استقباله لهم ‏رسميا. قد يكون الحوثيون بحاجة ماسة إلى الاستقبال الرسمي أكثر من غيره، لتعزيز تواجدهم ‏على صعيد العلاقات الدولية في المحيط على الاقل، ولإظهار أنهم باتوا رقما صعبا وواقعيا في ‏معادلة المنطقة، وليس في اليمن وحسب، وبالتالي فإن مطـاليبهم لا يمكن العبور من فوقها لحل ‏الأزمة اليمنية.

كما لا يخفى على أحد أن رسالتهم الأهم التي أرادوا توجيهها من بغداد كانت للمملكة العربية ‏السعودية، ومفادها أنهم قادرون على فتح جبهات أخرى ضد الرياض، خاصة أن العراق بات من ‏المُصدّرين للميليشيات، ومُرحبّا بأي حرب طائفية يستعر أوارها في أي بقعة عربية. لكن أذا كان ‏الوفد الحوثي يبحث عن الدعم السياسي أو المالي من الحكومة العراقية، فكان الأجدر به أن لا ‏يزور بغداد لانها هي من بحاجة إلى ذلك، لان فاقد الشيء لايعطيه. فالخزينة خاوية والتوسلات ‏بالبنك الدولي وصندوق النقد من أجل الحصول على قروض متوسطة وبعيدة الاجل متوالية. أما ‏إذا كانت زيارتهم لطلب الدعم العسكري فكان من الافضل لهم أن يولّوا وجوههم شطر طهران، ‏التي هي من تمولهم وتدربهم وتمول وتدرب الميليشيات العراقية أيضا. ‏
في المقابل ما هي المكاسب السياسية التي يمكن أن يجنيها النظام العراقي من زيارة ميليشيات ‏خارجة عن سلطة الدولة؟ وإذا كانت السياسة هي فن الممكن، فما هو الممكن من الاستقبال ‏الرسمي لوفد الحوثيين في بغداد؟ قد تكون السلطات العراقية أرادت الاستثمار في موضوع الزيارة ‏بالضد من السياسة السعودية خاصة والخليجية عامة، لكن هل هذه الخطوة جالبة للمصالح وتدرأ ‏المفاسد في العراق؟ يقينا لا هذا ولا ذاك، لان منظومة العلاقات السياسية بين الدول قائمة على ‏أساس تصنيفات في الحجوم والأدوار، أي أن حجم الدولة (س) ودورها الفاعل في السياسة ‏الدولية أو الإقليمية، هو ليس حجم ودور الدولة (ص)، فبعض الدول تأثيرها الدولي والاقليمي ‏يفوق أخرى، ولو كانت جميع الدول في مستوى تأثير فعل واحد، لما برزت الدول العظمى في ‏الخط الاول، ولما برزت دول مجموعة العشرين مثلا. فكيف الحال إذا كانت مجرد ميليشيا ‏كالحوثيين؟ هذه التصنيفات يستفيد منها رجال الدولة، لأن رجل الدولة هو من يسعى إلى ‏الحصول على المكاسب لبلده بأقل الأثمان، أما رجال السياسة فهم من يدفعون بلدانهم إلى ‏الهاوية من أجل مكاسب وقتية زائلة، والاستفزاز السياسي في مجال العلاقات الدولية غالبا ما ‏يرتد على الدولة المستفزة، فيُعرّض مصالحها الوطنية وأمنها إلى المخاطر، خاصة عندما تكون ‏الدولة الاخرى لديها وسائل تأثير أكبر في المحيط وعلى الصعيد الدولي. لذلك كان استقبال وزير ‏الخارجية العراقي لوفد الحوثيين خطوة بائسة تماما، وتعبر بوضوح عن أمية الوعي السياسي ‏لصاحب القرار، وقصر نظر وضحالة تفكير، وهو الذي تعانيه الدبلوماسية العراقية. فمهما كان ‏الخلاف مستعرا مع دولة بوزن السعودية أو دول الخليج الاخرى، لا يمكن أن يجري التعويل على ‏حركة ميليشياوية صغيرة بديلا عن هذه الدول. ‏
كما أن وصف وزير الخارجية بإعلان الحوثيين لما يسمى (المجلس السياسي) بأنه خطوة ‏صحيحة وموفقة، خطيئة سياسية كبرى، لأن المواقف الدولية رفضت ذلك رفضا قاطعا، واعتبرته ‏تصعيدا متعمدا للازمة اليمنية من جانب الحوثيين. وإذا كان وزير الخارجية قد صرح بأن العراق ‏‏(دوى بصوته في جامعة الدول العربية والامم المتحدة وكل المحافل والمؤتمرات الدولية، ورفض ‏رفضا قاطعا التدخل العسكري في الساحة اليمنية لانها ستسهم في إراقة الدماء وتسهم في زعزعة ‏الامن المجتمعي) على حد زعمه. إذن كيف يرحب ويشجع على خطوة أحادية من طرف واحد ‏في اليمن هي المجلس السياسي؟ وإذا كان قد دوى بصوته برفض التدخل العسكري، الذي يقصد ‏به السعودية ودول خليجية أخرى، إذن لماذا لا يدوي بصوته أيضا، فيرفض التسليح والتمويل ‏والتدريب والتشجيع الايراني المستمر للحوثيين لمواصلة مشوارهم، والذي لو لم يكن موجودا لما ‏استمرت الحرب الاهلية حتى اليوم؟
إن إصرار النظام العراقي على أن العراق لم يعد بلدا عربيا، يجري تأكيده يوميا في جميع ‏الممارسات السياسية والأمنية والثقافية والاجتماعية، ولم يعد بحاجة إلى دليل يثبت ذلك بعد اليوم. ‏كما أن إصرارهم على الانحياز إلى كل ما يمت للطائفية بصلة هو الآخر لم يعد بحاجة إلى ‏دليل. فالرسالة البائسة التي أرادها النظام العراقي من حفل الاستقبال للحوثيين، هو أن العراق ‏مازال في محور طهران، دمشق، بيروت، وأن المحور باق ويتمدد إلى صنعاء. لكن متى كانت ‏الطائفية هي عماد العلاقات السياسية بين الدول؟ وهل التضامن الطائفي يمكن أن يكون بديلا ‏عن التضامن العربي؟ أم هل العراق بحاجة إلى الحوثيين أكثر من حاجته إلى دول عربية لديها ‏تأثير سياسي محيطي ودولي؟ وإذا كان الحوثيون قد تعهدوا للنظام العراقي بتسليمهم المئات من ‏الخبراء العسكريين العراقيين المقيمين في اليمن، كما أشارت بعض المصادر إلى ذلك، فهذه ليست ‏خطوة يمكن أن ترفع من شأن العراق أو من شأن السلطات الحاكمة. كما أنها ليست خطوة تعطي ‏شرعية لمن هو فاقدها. وليس غريبا أن يقوم الحوثيون بذلك وهم من غيبوا وقتلوا وسجنوا وعذبوا ‏مئات آلاف من أبناء وطنهم. وهذا هو القاسم المشترك الاعظم بينهم وبين من استضافوهم في ‏العاصمة العراقية بغداد، واستقبلوهم استقبالا رسميا وشبه رسمي. فبعض هؤلاء الضباط والطياريين ‏العراقيين قدموا إلى اليمن في تسعينيات القرن المنصرم، بطلب رسمي من حليف الحوثيين اليوم ‏علي عبدالله صالح، لاغراض تدريب وتأهيل القوات العسكرية اليمنية والقوة الجوية فيها. أما ‏البعض الاخر فقد هاجر إلى اليمن بعد الغزو عام 2003، بعد أن تم حل الجيش العراقي ولم يعد ‏في القوة الجوية العراقية ولا طائرة واحدة. ثم تلت ذلك عمليات تصفية مدروسة وممنهجة للضباط ‏والطيارين، كانت قد خططت لها المخابرات الايرانية ونفذتها ميليشيات الاحزاب الحاكمة، وكانت ‏التهمة الوحيدة لهؤلاء أنهم اشتركوا في الحرب العراقية الايرانية وحان وقت القصاص منهم.‏
لقد كانت الخطيئة الكبرى للدول العربية ذات الامكانيات المادية الكبرى، خاصة دول الخليج ‏العربي، أنها فرطت بمئات الالاف من الضباط والطيارين والخبراء والعلماء وأساتذة الجامعات من ‏العراقيين، ولم تحاول جلبهم للاستفادة من علمهم وخبراتهم العالية في كافة المجالات. كان بإمكان ‏هذه الاقطار العربية أن تقيم نهضة علمية واقتصادية كبرى، بما لديهم من أموال وبخبرات العراق ‏العلمية والاكاديمية، التي هي خبرات للامة وليس لنظام سياسي كانوا مختلفين معه. وها هم اليوم ‏يندبون حظهم لانهم اعتمدوا كليا على حلفاء دوليين باعوهم في سبيل كسب ود خصمهم اللدود ‏إيران. تذكروا، حين أنهار الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن المنصرم، جلبت إيران مئات ‏الخبراء والعلماء السوفييت، فعملوا لها نهضة صناعية، خاصة في مجال الطاقة النووية والتصنيع ‏العسكري. معضلتنا الكبرى أننا لا ننظر إلى أبعد من أنوفنا، وها هم الحوثيون على استعداد ‏للقضاء على من تبقى من الخبراء العراقيين في اليمن.‏
شعار الحوثيين هو الموت لامريكا، الموت لاسرائيل. أما كان من الاحرى بهم أن يسألوا وزير ‏الخارجية العراقي كيف أتى على الدبابة الامريكية من لندن؟ وهل سألوا زعماء الميليشيات الذين ‏التقوهم في بغداد، كيف يقاتلون تحت المظلة الجوية الامريكية؟

 

نشر المقال 07

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,047,746

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"