تقارير #الأمم_المتحدة حول #العراق إقرار بالمآلات وموافقة على البدايات

جهاد بشير

ليست المرة الأولى التي تعلن فيها منظمات ذات وزن دولي على غرار مفوضية شؤون اللاجئين، ومنظمة الهجرة الدولية وغيرهما، عن حجم الكارثة الإنسانية الحاصلة أو المتوقعة جرّاء العمليات العسكرية التي تنفذها الأجهزة الحكومية وميليشياتها بدعم وإسناد من قوات التحالف بشقيه الغربي والعربي على مناطق عدة في العراق.

 

ولعل التقرير الأخير للأمم المتحدة الذي رجح نزوح مليون ومائتي ألف مدني من الموصل في حال وقع  العدوان عليها، كفيل برسم صورة واضحة لحقيقة ما يجري في البلاد من أن الحملات التي شُنّت على المدن في السنوات الفائتة، تتعدى كونها موجهة في سياق محاربة "تنظيم الدولة" والعمل على "تحرير" تلك المدن ـ في شعارات باهتة لم تعد لديها جدوى في محاولة الولوج إلى أفهام العقلاء وأذهانهم ـ إلى حرب حقيقية صريحة ومعلنة على العراقيين الرافضين للوصاية الخارجية في هذه البلاد ابتداءً، وسعيًا لشمول العرب والمسلمين جميعًا بذلك في عموم المنطقة وإن كانت بعض التصورات ترى في ذلك مبالغة أو أنه على مدى بعيد نسبيًا.

وعلى الرغم من التقارير الكثيفة للمجتمع الدولي التي تكشف حجم معاناة النازحين، إلا أن الأمم المتحدة ما تزال شاهد زور من الطراز الأول، وعلى عاتقها تقع أجزاء كبيرة وثقيلة من المسؤولية القانونية والإنسانية والأخلاقية، إذ إن ما يُعلن منها في هذا الإطار لا يعدو أكثر من متاجرة ومناكفة بين القوى الغربية، وحرصًا على ديمومة "التوازنات" بينها وتحديد مساحات نفوذها في المنطقة، عن طريق الأخذ والرد والشد والجذب فيما يبدو ظاهراً وهو في حقيقته تأكيد وتوثيق واتفاق مطلق في الباطن، تماماً مثلما حصل قبيل غزو واحتلال العراق في 2003 حينما وقفت دول "عظمى" على غرار فرنسا وألمانيا رافضة الحرب، لكنها تعاطت مباشرة مع نتائج الاحتلال واعترفت بالعملية السياسية، وأخذت نصيبها من "الكعكة" وفقاً لما تم الاتفاق عليه سلفا.

وبصرف النظر عن حقيقة دوافع الأمم المتحدة ومن يقف خلفها ويحركها تجاه قضايا العالم، في توصيف المشاهد المأساوية للنازحين العراقيين وما له علاقة بأفواج النازحين الجدد من الموصل وحياتهم التي تكتنفها مخاطر جمّة وهم يلوذون بمخيمات اللجوء التي لا تتوافر فيها أدنى حدود الإنسانية، وأبسط لوازم الحياة، فإنهاتضع نفسها والمجتمع الدولي كله، فضلاً عن التحالف بكل مكوناته ورعاة العملية السياسية ـ الحكومة الحالية بأحزابها ومؤسساتها السياسية والعسكرية وتحالفاتها الميليشياوية ـ في دائرة المسؤولية القانونية أولاً والتاريخية لاحقًا، لأن الإقرار بمآلات الفعل، تعني بالضرورة الموافقة عليه، وحين تكون تلك المآلات سيئة وتفضي إلى انتهاكات كما هو حاصل في العراق، وله شواهد سابقة في الفلوجة والشرقاط وما سبقهما طوال السنتين الماضيتين، فإن الإصرار على الفعل جريمة مكتملة الأركان مع سبق الإصرار والترصد، ولن تجدي التقارير المتباكية على أحوال المدنيين شيئا في محاولة الترقيع والنكوص عن هذه المسؤولية.

إن ما يجمع بين الغرابة والسخرية في موقف الأمم المتحدة من العدوان على الموصل، هي دعواتها إلى توفير تمويل مالي ومساحات خالية لغرض إنشاء مخيمات للنازحين المحتمل تدفقهم بغزارة وهم لا يلوون على شيء سوى النجاة بأرواحهم من القصف العشوائي والسقوط بين مطرقة وسندان قوى متصارعة ليس لهم معهما مصالح أو ارتباطات تجعلهم يُحسبون على هذا الطرف أو ذاك، في واحدة من أكثر المواقف خزيًا واستخفافًا بحياة المدنيين، وتغليباً للمكاسب السياسية للدول "العظمى" على حق الحياة والعيش والاستقرار لسكان محليين يُراد لمواطنهم أن تخلو منهم وتفرغ، طمعًا في تقسيم ديموغرافي وجغرافي جديدين يتناسبان مع أطماع الغرب ومخططاته التي بدأ بتدشينها مطلع الألفية.

لم يعد في المقام متسع لكلام سوى إن الحرب على الإسلام عالمية لا هوادة فيها، وواجب الوقت على المسلمين ـ أنظمة وشعوبًا ـ العمل أو دعم العمل أولاً على بتر أذرع المخطط الغربي في المنطقة المتمثلة بالمد الصفوي وأدواته في العملية السياسية، وإذا حصل ذلك في العراق فقد باتت نصف الطريق مطويًا.

أمّا الشعوب فعاطفتها في هذا المقام لا تكفي لشحذ السلاح وصد العدوان، إذ عليها الانتقال من النظريات العشوائية إلى العمل الواحد وفي هذا الشأن كلام جزيل له مقامه وموضعه، وأمّا الأنظمة فمسؤوليتها أمام الله ثم التاريخ كبيرة إلى حد من شأنه هد الجبال، ولا يتصور عاقل أن الرضوخ للغرب وإراداته والتغاضي عن جرائم الصفوية يجعلها في مأمن، لأن هذين الطرفين إنما يتعاملان ـ بتحالفهما ـ على أساس سياسة الاستخدام، وحين يتحقق المأرب فإن المستخدَم لم يعد ذا فائدة، ولا مكان له غير النفايات.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,027,289

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"