الصورة: قبول النظام الرسمي العربي بمجلس الحكم من اخطر الجرائم بعد قبول غزو واحتلال العراق.
ملاحظة تمهيدية من هيئة تحرير وجهات نظر
رغم الإيجابية الكبيرة البادية في هذا المقال من حيث التأكيد على عروبة العراق وشعبه وعدم قبول العراقيين بالظلم والتبعية للأجنبي، إلا أن كاتبه، كما سياسيون وكتاب خليجيون آخرون، يقعون في وهم خطير مفاده أن الذين يتحكَّمون بالعراق، منذ احتلاله أميركياً وإيرانياً عام 2003، يمكن أن ينشِأوا دولة عربية مستقرة تبني علاقات جيدة مع جيرانها.
الحقيقة التي تغيب عن بال هؤلاء الكتاب والسياسيين أن الشراذم التي استولت على العراق، بفعل أميركي إيراني مباشر ودعم خليجي ومن بعض الأقطار العربية، لن تبني دولة على الإطلاق، فالعصابات تسرق الدول وتهدّم المجتمعات ولا تبنيها، وهذا بالضبط ما يحدث في العراق، ولكن المعنيين لا يريدون أن يروا ذلك.
هيئة التحرير
بعض الحزب ليس الدولة في العراق!
محمد الرميحي
في أيام العيد المباركة ظهرت شعارات ولافتات في بغداد تندد بالمملكة العربية السعودية، لا لأنها أخذت موقفاً من العراق، بل السبب أن إيران قررت ألا يذهب حجاجها هذا العام لأداء الفريضة، وأن تدين السعودية في شوارع بغداد العربية، يحرك الأمر صغائر الرجال!
إلا أن تلك الخطوة الفاقعة قد سبقها عدد من الخطوات اتخذتها الخارجية العراقية في اجتماعات الجامعة العربية، كلها ضد الإجماع العربي، منها الامتناع في كانون الثاني/ يناير الماضي عن إدانة حرق السفارة السعودية في طهران، الأنكى أنه بعد أسابيع أقرَّت الدولة الإيرانية أنها وراء الحادث وأدانت مرتكبيه، ثم جاء التصعيد ضد السفير السعودي في بغداد، وألحق به استقبال جماعة الحوثيين المتمردين في صالون الاستقبال للخارجية العراقية. استخدم نفس الموقف في اجتماع وزراء الداخلية العرب في آذار/ مارس هذا العام، تجاه اعتبار حزب الله (مجموعة إرهابية) بعد اتضاح خططه، كما تحفظت بغداد على ذلك التوجه في القمة الإسلامية في إسطنبول.
كل تلك الخطوات هي بأوامر من طهران التي يبدو أن متخذ القرار في بغداد ينصاع لها، إما حباً أو خوفاً على موقعه، حتى أصبح كثيرون من سدنة المصالح الإيرانية.
قبل سنوات وفي بداية القرن الحالي كان يحكم العراق مجلس حكم أراد أن يُعترف به عربياً.
الذي أخذ بيد السيد هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي آنذاك، وأدخله إلى اجتماع الجامعة العربية في ذلك اليوم البعيد، التاسع من أيلول/ سبتمبر 2003 هما اثنان، المرحوم سعود الفيصل ومحمد الصباح وزيرا خارجية المملكة العربية السعودية والكويت، (ملاحظة من هيئة تحرير وجهات نظر: مشاركة مجلس الحكم العميل في اجتماعات الجامعة العربية لأول مرة تمت بعد تهديد إماراتي كويتي بمقاطعة اجتماعات المجلس حينها رغم وقوعه تحت الاحتلال الأميركي الرسمي خلافاً لميثاق الجامعة العربية الذي يمنع مشاركة دول محتلة) بل إن السيد زيباري حضر إلى القاهرة وقتها على متن طائرة كويتية. كان الأمل عودة العراق إلى البيت العربي واستقلاله من أي تأثير خارجي، بعيداً أو قريباً، وإنقاذ العراقيين من الوقوع بين قاتل ومقتول، أيضًا وقتها تحدث السيد زيباري فقال (جئنا لشغل مقعد العراق الذي يعمل على استعادة موقعه بين أشقائه العرب والأسرة الدولية، ملتزماً بالاتفاقات والمعاهدات العربية والدولية)، كما قال (نتعهد بعلاقات جيدة مع الدول العربية وجميع جيراننا، بعيداً عن الشعارات والمزايدات والمواجهات)، لم يكن الكل الذي حضر الاجتماع من ممثلي الدول العربية راضياً عن دخول العراق وهو تحت الاحتلال إلى الجامعة، بل غادر بعضهم الاجتماع احتجاجاً، ولكن الكويت والسعودية ودول الخليج رحَّبت، وكان لها السبق في الاستقبال والاحتضان، إيماناً برتق الفتق ورأب الصدع (ملاحظة من هيئة تحرير وجهات نظر: بل وهماً وحقداً على النظام الوطني في العراق الذي أسقطه الاحتلال الأميركي).
واليوم تحت شعارات صاعقة يعود متخذ القرار في بغداد للخروج عن الإجماع العربي ورفع وتيرة التوتر تجاه أشقاء، ليس فقط في الاجتماعات الإقليمية والدولية، بل في شوارع بغداد، التي تحوَّلت إلى مدينة أشباح ويقودها أناس يزفونها زفاً، كي تصبح دولة فاشلة!
الأمل الذي تحدث عنه زيباري في ذلك اللقاء القديم لم يتحقق وبقي أملاً، إلا أن التاريخ الذي يعرفه بعض قادة العراق اليوم، وقد تضاءل التفكير فيه، يقول لنا :إن في العراق شعباً لا يضام ولا يقبل أن يُلحق بأحد، سواء كانت إيران أو غيرها، العروبة للعراقي ليست ترفاً. معركة الهوية العراقية تتجاوز المذهب، فالعراقي عربي تسري فيه تلك الروح الأبية التي لا تخضع إلا لخالقها، وتجارب الحكم المستبد في العراق كلها باءت بالفشل الذريع، لأن الشعب العراقي، وإن طال ضيمه، لا بد أن ينتفض.
الإطار المرجعي للدولة العراقية هو العروبة، والخروج منها كخروج الإنسان من جلده، وهو عمل شبه مستحيل.
بعض السياسيين في العراق اليوم رهنوا كل مستقبل العراق للنظام الإيراني، وخضعوا له، وأصبح هو لا غيره المتحكم فيما يفعلون أو لا يفعلون، هم بذلك يقدمون العراق إلى استعمار جديد، يعرف القاصي والداني أن الشعب العراقي لن يقبله، بصرف النظر عن المذهب أو حتى العرق أو الانتماء.
في السابق من السنين التجأت بعض أطراف المعارضة العراقية إلى دول مجاورة، وكانت إيران أحدها، ويعلم من كان هناك في تلك الأيام كم من التضييق الذي كان يمارس على رجالها ونسائها لأنهم عراقيون عرب مشكوك فيهم، فالمعنى الوطني العراقي كان يثير في ذهن النظام الإيراني كثيراً من الحذر. إيران نفسها بشعورها القومي رفضت أن تستخدم أراضيها في الفترة الأخيرة لأجنبي، هو الاتحاد الروسي، فتوقفت طلعات الروس للطيران من القواعد الإيرانية، على الرغم من حاجة الطرفين للتعاون الوثيق في هذا المضمار.
الضمير العراقي الوطني يأبى أيضاً أن يسلِّم زمام قيادته إلى الخارج، وكان هذا ديدن العراقيين منذ أن عُرِف العراق كدولة، إنه شعب صعب المراس. وأن ترفع شعارات في بغداد العربية ضد دولة عربية خدمة للدولة الإيرانية هذا لن يقبل من العراقيين من جهة، وإشارة إلى مستوى الخضوع الذي وصل إليه متخذ القرار في بغداد من تبعية من جهة أخرى.
يخطئ بعض السياسيين العراقيين إن ظنوا أنهم قادرون على ترويض العراقيين بالقوة والبأس والبطش، أو أن العراقيين يقبلون بالإهانة القومية بتسليم مقدراتهم لطهران، ذلك خطأ تاريخي وجب العناية بفهمه، ولم يستطع أي نظام عراقي، مهما بطش أو استخدم وعياً كاذباً بالتسبيح والحوقلة، أن يقيم نظاماً شرعياً مستقراً في العراق، وهو يهين العراقيين في حرياتهم ويسلِّم قراراتهم إلى طهران، ويخرج عن الصف العربي، لأن ملاذ العراق هو العرب لا غيرهم.
الشعارات المذهبية والإسلام السياسي على الطريقة الإيرانية لا تقبله خاصية الشعب العراقي، حتى لو بدا لبعض السياسيين أن هناك قبولاً ظاهرياً، هو قبول المضطر المؤقت لا القانع الموافق.
إن ما يفعله البعض من السياسيين العراقيين المسايرين لطموحات طهران هو زيادة حدة الاستقطاب بين شرائح الشعب العراقي، ويضع الشعب العراقي بين لعنتين، التشدد الأعمى والاستبداد، أيضاً، الأعمى، ولقد علمنا هذا الشعب، وإنْ قبل على مضض لبعض الوقت، أنه سوف يرفض بعنف هذه الهيمنة وهذا الإلحاق.
لأي عاقل، السير خلف سياسة طهران المتضاربة والفاقدة للبوصلة هو سير بالعراق إلى المجهول، وتقديمه على طبق من فضة للأطماع الإيرانية واستخدامه مخلباً ضروساً ضد أبناء جلده العراقيين العرب، بجانب أنه يؤسس لشقاق عراقي/ عراقي قد تتعرض معه الدولة العراقية كما عرفت منذ الحرب العالمية الأولى للتمزق والانهيار.
آخر الكلام:
(اكتظت بغداد بالساسة الجدد أو «العراقيين الأجانب» الذين جاءوا مع دبابات المحتل.. كان همهم المال والسلطة، مبتكرين طرقاً جديدة للسرقة، ومفاهيم جديدة لما هو حق ولما هو باطل).. كنعان مكية في روايته (الفتنة).