كشف المستور في فتوى #خميني بقتل سلمان رشدي 2-3

علي الكاش

‏((شكرا سيدي الإمام الجليل آية الله خميني فقد أوصلتني إلى مكانة وشهرة لم أكن احلم بهما في ‏يوم من الأيام، لك الفضل الأول والأخير بهما، وأنا مدين لك طوال عمري)).‏

‏ المحب لك دائما وأبدا ‏

سلمان رشدي

‏3. ما وراء الفتوى... المخفي وليس المعلن؟

كان الكاتب سلمان رشدي من كتاب الظل وغير معروف عند جمهور القراء خارج بريطانيا على ‏هذا النحو الواسع في الوقت الحاضر. صحيح إنه حصل على جائزة أدبية ولكن هناك عشرات ‏الآلاف  ممن حصلوا على جوائز عالمية أفضل من جائزته ولم يبلغوا شهرته. لكن الضجة التي ‏أثارها خميني بشأن كتابه والمحاولة الفاشلة لقتله عام 1989 من قبل أحد عناصر حزب الله ( ‏مصطفى مازح) عن طريق كتاب مفخخ حيث قتل حامله مازح ودمر معه طابقين من فندق ‏‏(بادينغتون)، جعلته في مصاف الكتاب العالميين ومن أغنى الأثرياء بسبب مبيعات كتابه، وقد ‏ترجم كتاب (آيات شيطانية) إلى أكثر من مائة لغة وبيعت الملايين من النسخ. أي نفخه خميني ‏كالبالون ليكبر ويحلق عاليا. ولو ترك الكاتب في غييه لما اغتنى وأشتهر وذاع صيته ولبقي أسفل ‏الهرم وليس في قمته. إنه في حقيقة الأمر ماركة تجارية صنعها وروجها خميني، وقد فتح ‏خميني بفتواه شهية الناقمين على الإسلام فتوالت الإساءات والهجومات على الإسلام من كل ‏حدب وصوب. ‏

أن هجوم سلمان رشدي بروايته (آيات شيطانية) على خميني كان السبب الرئيسي لجعل الأخير ‏ينتفض غضبا ويصدر الفتوى بقتله في 14/2/1989. وليس غيرة على الإسلام والنبي محمد (ص) ‏كما توهم معظم الناس، كتب خميني وبقية المراجع الفرس أساءت للإسلام أكثر مما أساء رشدي ‏بكتابه. كما أن الكثير من الكتاب العرب أساءوا الى الى الذات الإلهية والنبي (ص) والإسلام، ولم ‏يحرك خميني ساكنا.‏

على سبيل المثال وردت إساءات كثيرة في كتاب د. مصطفى جحا (محنة العقل في الإسلام) نشره ‏بعد كتابه (خميني يغتال زرادشت) منها " ربما أنحرف عقل محمد وسلوكه تحت تأثير الحزن ‏واليأس العميقين الكامنين في نفسه"،ويضيف" أبو طالب يراقب تحركات إبن أخيه فيرى في ‏بعضها الهذيان وبعضها الحزن، وفي بعضها الآخر التمرد والعصيان والطموح والغضب ‏والنقمة". ويدخل المؤلف النبي (ص) في عيادة فرويد ليحلل شخصيته " إذا كان أبو طالب يخاف ‏على أبن أخيه من أي شيء يرتقب، إلا يجوز لنا أن نقول ان الصرع الأصغر كان يفاجيء محمدا". ‏من ثم يصفه بالهستريا والسلوك السيكوباني (الإنحراف السلوكي) والشيزوفرينيا والجنون الدوري ‏من ثم العقد الجنسية الذي جعلته يتزوج الطفلة عائشة بعد أن مرٌ بتجربة مع امرأة كبيرة السن ‏‏(خديجة). ويقول" ان أخطر ما في قضية هذا العبقري المجنون إنه إدعى النبوة في مجتمع كان ‏بأمس الحاجة الى نبي... وأن أقصى درجات الجنون أن يدعو المريض نفسه أشرف الخلق ‏وأحسنهم وأعظمهم على الإطلاق ووصيا عليهم، وان محنة الإنسان والإنسانية هي في هذا ‏المريض بالذات". وبستطرد " محمد رأى في خديجة أمه آمنة. ألم يشعر تلك الليلة بالخطأ؟ ألم يظهر ‏خجلا؟ لعل الله أنزل على محمد جبريا ليمسح بكفه الملائكي جسد محمد ويخلصه من العقد النفسية ‏والجنسية". ويضيف" دم البكارة على سروال خديجة ليس شرطا في عقد الزواج، خديجة لن تعلق ‏السروال على الباب، وآل قريش وآل قصي والأصدقاء والمنتفعون لن يسألوا عن الأحمر (دم ‏البكارة)، لن يسألوا عن السروال، الحديث عن البكارة، العزة والشرف لن يأتوا عليه". ويذكر عن ‏كبار الصحابة " عصابة تهندس لنفسها كما تشاء، وتفعل ما تشاء".‏

نشر مصطفى جحا كتابه (خميني يغتال زرادشت) عام 1980 اي في أوج الثورة الإسلامية في ‏إيران وإستنكر فيه ولايه الفقيه وإلتفاف الشعب اللبناني حول خميني، وتغلب النزعة الطائفية ‏على النزعة الوطنية، ووجه إنتقادات لاذعة الى خميني سيما ما يسمى بتصدير الثورة  الإيرانية، ‏وبتأثير اللوبي الشيعي الموالي لإيران، أصدرت المحكمة الشرعية الجعفرية فتوى تكفر جحا ‏بإعتباره مرتد عن الإسلام، فإستباحت دمه وأغتيل المؤلف بإيدي لبنانية وبتدبير إيراني، وذكر أبن ‏المؤلف الذي تعرض بدوره الى عملية إغتيال نجى منها بإعجوبة " أن كتاب خميني يغتال ‏زرادشت هو الذي قتل والدي".‏

لقد تمكن خميني من تصفية مصطفى جحا بشكل سري وهدوء يعبر عن ذكاء مخابراتي رفيع ‏المستوى، فلا فتوى ولا مكافأة بملايين الدولارات، ولا نفهم السبب الذي جعل خميني يعزف عن ‏تصفية سلمان رشدي بنفس الطريقة الهادئة دون الإعلان جهرا عن تصفيته بفتوى مقرونه بجائزة ‏كبيرة. للخميني الآلاف من الأتباع في بريطانيا ودول أوربا وهم رهن إشارته لو أراد فعلا تصفية ‏رشدي؟ كما أن رشدي ألقى عدة محاضرات في معارض الكتب التي أقيمت في دول أوربا لترويج ‏كتابه، وكان يمكن لأعوان خميني أو مافيات القتل (طمعا بالجائزة ولا علاقة لها بالكتاب أصلا) ‏قتله. بالتأكيد لا يوجد تفسير سوى كسب الرأي العام الإسلامي الى صفه وليس حرصا على ‏الإسلام.‏

‏4. خميني في رواية رشدي

يتناول رشدي موضوع  صراع الامام والامبراطورة (عائشة) اي الصراع الشاهنشاهي – خميني ‏وتقع في 11 صفحة (من 205 – 216) وفيها يتهكم  بسخرية لاذعة من خميني والثورة ‏الايرانية. ويصف الامام خميني بأنه عبارة " حجارة حية" فهو ضخم الجثة وهامد لا يتحرك! ‏مضيفا بأن " التأريخ من الدً اعداء الامام ويتلاعب به كالدمية. فهو يحرك العالم ولكنه لايتحرك". ‏ويصوره من جانب آخر كأنه وحش من أساطير اليونان التي ترد في الميثولوجيا، لكن بصورة ‏هزلية بقوله " لحيته طويلة تبلغ الأرض وتطٌيرها الرياح، وله ساقين مخملتين يغطيهما شعر ‏مجعد كثيف، ويطٌول شعر الامام كل دقيقة ويتحركا حاجباه مثل رايات ترفرف، وله براثن ينشبها ‏برقبة جبرائيل". ‏

وفي رؤية الإمام للنهضة والتطور العلمي وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية يعتبرها ‏رشدي أمورأ مزيفة ويصفها بقوله" أنها من أكبر الاكاذيب فالعلم وهمً، والتقدم هو الشيطان الاكبر ‏عند الإمام".  ‏

وهذه ترجمة لبعض ما ورد في الفصل:‏

‏" تجمدت عقارب الزمن فتحول الإمام إلى مجرد صورة فوتوغرافية تأبى الحركة، ثُبتت بصورة ‏غير معقولة فوق أرض الوطن بإنتظار اللحظة القادمة بلا ريب. حيث عندها تبدأ الصورة ‏الفوتوغرافية بالحركة وتعود الأرض الى حالتها المألوفة". عن نفي خميني يذكر رشدي" الإمام ‏المنفي على الجزيرة وعائشة في الوطن (دش)، كان كل منهما منهما يتآمر على الآخر، ويراهن ‏على موته". وعن قوى الإستكبار العالمي يذكر" أن الشر في نظر الإمام هم الفرنجة، بل وكل ما ‏هو قادم من الخارج". ويصف فرنسا " إنها بالوعة الشر التي أذلته بمنحه المأوى والملاذ، وطمعا ‏منها بأن يعترف بما فيها من رذائل وآثام، وكان يفكر بأنه عندما يغادر هذا المنفى المشبوه ويعود ‏منتصرا، فإنه سيدعي بأنه يجهل كل شيء عن مدينة سادوم الرذيلة، البالوعة التي أجبرته ‏الظروف على اللجوء إليها، وأنه سيتباهى بأنه بأنه بقي يتقيأ عليها على الرغم من وجوده فيها، ‏وكي يسدل الستار على العيون والآذان فهي بمجملها معادية".‏

ويستطرد" كان الإمام يكثر من شرب الماء، حيث كان يشرب قدحا كل خمس دقائق كي يبقى ‏نظيفا في داخله، وكان يقول ان الإمبراطورة (عائشة) تشرب الخمر، والخمر يفسد ويسمم جسدها ‏الأشقر النحس، وهذه الخطيئة لوحدها كافية لإدانتها الى الأبد، دون أدنى بصيص من الأمل ‏تترقبه".‏

‏"كان حلم الإمام يمتد الى زمن طويل آتِ، فقد كان يحس بخيوط عنكبوتية من أنامله التي تتحرك ‏بواسطتها حركة التأريخ". ويذكر" دخل إبنه وأخبره أن الرجل المكلف بحراسته هو سلمان ‏الفارسي، في حين كان الفتى الأمريكي الزنجي الأسود يبث الرسالة الصوتية اليومية إلى الوطن ‏على الموجة المتفق عليها، وكات الرسالة تضم كلمات للإمام يصدح فيها صوت بلال، ذلك ‏الصوت القوي الموحي، المصقول والمدرب، وكان يبتدأها دائما بشتائم توجه الى الإمبراطورة، ‏مع لوائح يدرج فيها الجرائم التي إرتكبتها، من قتل ورشى وعلاقات جنسية داعرة، وينتقل بعدها ‏داعيا شعبه الى الثورة، وكان صوت بلال يرعد" سنحارب ليس في وجه الطغيان فحسب، بل في ‏وجه التأريخ نفسه، لأن التأريخ في نظر الإمام مادة سامة من صنع الشيطان، فهو مجرد أكاذيب ‏ملفقة عن التطور والتقدم العلمي وحقوق الإنسان، وسوف يقف الإمام  في وجه هذه الأكاذيب ‏ويحاربها".‏

وفي مشهد هزلي بين جبريل والإمام يذكر" يجد جبريل نفسه مع الإمام على سطح البناء والريح ‏تعبث بلحية الإمام التي أصبحت أطول مما مضى، وأحمرت عيناه كالجمر وهو يصيح" هيا خذني ‏الى هناك! يرفع الإمام لحيته فوق كتفيه ويثبت أثوابه حول جسده، كاشفا عن ساقين نحيلتين، ‏يغطيهما شعر كثيف، ويقفز الإمام في الهواء على كتفي جبريل، وعندما يستقر على كتفيه وهو ‏متشبث بأظافره، أظافره تنموا وتستمر بالنمو الى أن تتحول الى مخالب حادة ومدببة".‏

ويتابع الرحلة التي تشبه رحلة الإمام الباقر على الفيل فوق المدينة بقوله" إرتفع جبريل في السماء ‏وهو يحمل الإمام بلحيته وشعره الذي يستمر في النمو بكل الإتجاهات بحيث يتطاير حول شعر ‏حاجبيه اللذين يبدوان كرايتين ترفرفان".‏

وحول مزاعم خميني بشأن القدس وتحريرها كدعاية لثورته البائسة وما صاحبها من تشكيل فيلق ‏القدس يذكر رشدي" تساءل جبريل محتار في أمر القدس! كيف يكون الطريق إليها؟ القدس كلمة ‏ذات مدلولات كبيرة، وقد تكون مجرد فكرة، ربما هي هدفه، وربما مجرد إحساس، او حالة نفسية! ‏لكن أين هي قدس الإمام تلك؟".‏

ويستطرد" وصل جبريل والإمام الى قصر الإمبراطورة عائشة، وإنقض جبريل متوجها الى ‏الأسفل كأنه بساط طائر والإمام فوقه، ظهرت الطرقات وهي تعج بالحياة والحركة في عتمة الليل، ‏قال الإمام: إهبط الآن سأجعلك تشهد معنى الحب!‏

لكن ما هو الحب الذي تحدث عنه الإمام؟ ‏

لنرى الصورة عن الكاتب" كان الرجال يسيرون على شكل أرتال، يضم كل رتل سبعين رجلا، ‏وهم يتقدمون بتوجس وحذر عميق متراصفين ويتقدمون تجاه حرس الإمبراطورة وكانت بأيدي ‏الحرس رشاشات واصابعهم على الزناد، وما لبث ان إنطلق الرصاص فمات السبعون رجلا، ليحل ‏محلهم سبعون آخرون يمشون على أجساد من سبقهم، وهكذا دواليك بحيث يتكون جبل من الأجساد ‏يرتفع تدريجيا دون توقف، وعندما دخلا المدينة المظلمة كانت الأمهات يقفنٌ ورؤوسهن محجبة ‏وهن يدفعن بأبنائهن الأعزاء الى ذروة العرض ويصحنٌ: إمضوا إلى الإستشهاد! قوموا بواجبكم! ‏هيا الى الموت! فيصيح الإمام بصوته الأبح: هل ترى إلى أية درجة يحبوني؟ لا يوجد طغيان في ‏العالم يمكنه أن يواجه هذا التيار المتدفق من المحبة! فيجيب جبريل وهو يبكي بحراراة: هذا ليس ‏حبا! بل هي الكراهية بعينها! إنها الكراهية التي تدفعهم الى الإلتفاف حولك".‏

‏"يرد الإمام على جبريل: هذا غير ممكن! إنهم يحبوني لأنني الماء الزلال والحياة الخصبة، بينما ‏الإمبراطورة (عائشة) هي الفساد والعفن، إنهم يحبوني لأني أقاتل أعداء الله.. إني أجسد السرمدية، ‏أما هي (عائشة)  فليست بأكثر من جزء من الثانية، وربما أقل منها! بعد الثورة لن يكون هناك ‏أعياد ميلاد لأننا ولدنا من جديد، وسنبقى جميعا في عصر لا يتقدم ولا يتغير في نظر الله تعالى".‏

ويصور رشدي نجاح ثورة خميني بقوله" ثم وصل الناس الى حملة البنادق الرشاشة وأخرسوها ‏ليلتحم ذلك الثعبان الهائل من الشعب الثائر مع أفراد الحرس فيخرسون ضجيج أسلحتهم المهلكة، ‏فيتنهد الإمام بعمق ويقول: لقد إنتهى الأمر!".‏

ويستمر الكاتب " تعلو داخل قصر الإمبراطورة صرخة مدوية ومفزعة، وما تلبث قبة القصر ‏الذهبية أن إنفجرت وإنزاح جزء منها كبيضة تهمشت قشرتها، ليخرج منها شبح امرأة اسطورية ‏ذات وجه أسود قاتم وجناحين هائلين، وشعر يضاهي شعر اللات طولا، يتناثر متماوجا في أرجاء ‏الجو، فيدرك جبريل أن تلك المرأة الشبح لم تكن سوى اللات التي خرجت من جسد عائشة، ‏فيصدر الإمام أوامره الصارمة: إقتلوها! ويمضي جبريل ليدفع الإمام إلى سدة المراسم.. ومن ثم ‏يجد الإمام دون خيار منه متحولا إلى دمية تُوجه إلى ميدان الحرب.. عندئذ تبدأ كل ساعات المدينة ‏تدق بلا توقف .. مشيرة الى نهاية الزمن، وبداية اللازمن عند الإمام".‏

من المؤسف إن الكثير من الكتاب تغافلوا عن ذكر هذه الحقيقة وإظهروا خميني وكأنه حامي ‏حمى الإسلام والمدافع عنه، دون الإشارة بأن موقف رشدي من خميني والثورة الإيرانية هو الذي ‏يقف وراء إصدار الفتوى. كذلك لم يوازنوا بين محاسن الفتوى ومساوئها. وهذا هو القصد من هذا ‏المبحث. لقد جانبت الفتوى طريق الحقيقة وأنزوت في ركن ثانوي، مما يستلزم العودة الى الطريق ‏الرئيسي وإزالة الغموض والإلتباس. ‏

ونود الإشارة بأنه لو جرى نفس الأمر من قبل شيخ الأزهر أو علماء السعودية وغيرهم من علماء ‏السنة، لكنا تناولنا الموضوع من نفس الزاوية. لقد صدرت فعلا فتاوى تكفير من علماء الأزهر ‏والسعودية لكن رشدي لم يهاجمهم في كتابه، لذلك  لم تكن تلك الفتاوى ردود فعل مابشرة على ‏تهجم شخصي، كما في حالة خميني.‏

‏5. فتوى الإمام وفعاليتها ‏

جاء نص فتوى خميني كالآتي عبر إذاعة طهران الرئيسية" بإسمه تعالى. إنا لله وإنا اليه ‏راجعون. أعلن للمسلمين الغيارى أن مؤلف كتاب (الآيات الشيطانية) الذي ألف وطبع ونشر ضد ‏الإسلام والرسول الأعظم (ص) والقرآن الكريم. وكذلك من نشره وهو على علم بمضمونه. يحكم ‏عليهم بالاعدام. أطلب من المسلمين الغيارى أن ينفذوا حكم الإعدام بهؤلاء سريعا حيث وجدوهم. ‏كي لا يتجرأ أحد على إهانة المقدسات الاسلامية. ومن يقتل في هذا السبيل فهو شهيد إن شاء الله ‏تعالى. هذا ومن يعثر على مؤلف هذا الكتاب ولا يستطيع تنفيذ الاعدام بحقه، يجب عليه أن يطلع ‏الآخرين على مكان وجوده لكي ينال جزاء عمله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. روح الله ‏الموسوي خميني في 8 رجب 1409 هـ".‏

 

ملاحظات عن الفتوى

أ.  ان الفتوى ذات طابع دعائي ولا تعبر عن الحقيقة كاملة فهي موجهة الى خارج ايران لذلك ‏استخدم خميني لغة التهذيب مع الله جل جلاله ورسوله (ص) وهذا ما تفتقر له سائر كتبه! وسبق أن ‏استعرضنا البعض منها. ‏

ب. إستخدم خميني التقويم الاسلامي وهو تقويم لايعمل به في إيران، لأن الذي سنه هو عمر بن ‏الخطاب، وموقف الفرس من عمر بن الخطاب معروف، فهم يستخدمون التقويم المجوسي في ما ‏يسمى بالجمهورية الإسلامية. ‏

ج. خليت الفتوى من الاشارة الى آل البيت(ع) وهذه حالة نادرة في فتاوى خميني، والغرض من ‏ذلك هو إشاعة أن الفتوى لا تقتصر على الشيعة على إعتبار أن القضية إسلامية وليست شيعية ‏فحسب.‏

د. لم يشر خميني في الفتوى بأن الكتاب تعرض له شخصيا وهاجمه بقوة، بل إنصب الحديث ‏على الإساءة إلى النبي (ص) والإسلام فقط. كما أن وسائل الإعلام الإيرانية لم تتحدث مطلقا عن ‏تهجم رشدي على خميني بقصد واضح.‏

هـ. الفتوى تتحدث عن قتل الكاتب والناشر، دون الحديث عن المترجم، ربما تماشيا مع القول بأن ‏ناقل الكفر ليس بكافر، لكن هناك المئات من دور النشر الأجنبية التي نشرت الكتاب، وهذا يعني ‏أن الفتوى لا تقتصر على شخص الكاتب وناشر كتابه الأول، وهذا الأمر من شأنه أن يخلق لإيران ‏مشاكل مع العديد من دول العالم، لذا حجبت دور النشر العربية ذكر المترجم وإسم دار النشر، ‏عندما نشرت الكتاب.‏

بلاشك إن الفتوى بإهدار دم الكاتب ومنح قاتله مكافأة قدرها (مليون دولار في البداية) كان لها أثرا ‏سلبيا خطيرا إنعكس في ثلاثة إتجاهات:ـ

‏ أولهما: رفع مستوى شهرة الكاتب وتوسيع نشر وترجمة الكتاب. ‏

ثانيهما: إظهار المسلمين كإرهابيين وقتلة لمن يخالفهم في الرأي ( هكذا يفسر الغربيون الأمر ‏وليس كإساءة للدين). ‏

ثالثهما: دفع الحكومة البريطانية لإتخاذ إجراءات احترازية لسلامة الكاتب، فأبطلت مفعول ‏الفتوى وصارت مساوئها أكثر من محاسنها.   ‏

كلنا يدرك بأن خميني كان بإمكانه تكليف المخابرات الإيرانية بتصفية رشدي دون الحاجة الى ‏ضجيج الفتوى وإفتعال الأزمات، وإثارة بريطانيا على إعتبار إن الفتوى وفق القانون الدولي تعتبر ‏إنتهاكا لسيادة دولة أخرى من حقها حماية رعياها على أراضيها. وكلنا يدرك مدى خبث بريطانيا ‏ومكرها مع العرب والمسلمين. ففي الوقت الذي يمنع قانونها إهانة المقدسات فإنه يقصرها على ‏الديانة المسيحية فقط! لذلك عقمت محاولات مقاضاة سلمان رشدي في بريطانيا. والأنكى منه هو ‏منع بريطانيا عرض فيلم باكستاني كوميدي يسخر من رشدي وكتاب آيات شيطانية!‏

من يجادلنا مدعيا بأن فتوى خميني من شأنها منع الآخرين من تقليد سلمان رشدي والإساءة ‏للإسلام ورموزه كما ورد فيها. نطلب منه أن يستذكر بعدها الإساءات الكثيرة التي تعرض لها ‏الإسلام إبتداءا من الرسوم الكاريكاتورية مرورا بتلطيخ القرآن الكريم بالكنيف في سجن أبو ‏غريب وإطلاق الرصاص عليه من قبل الجنود الأمريكان، من ثم رمي نسخ من القرآن في حظيرة ‏للخنازير وإنتهاءا بمحاولة قس معتوه دعا إلى حرق القرآن الكريم في ساحة عامة. ‏

إذن العكس هو الذي حصل فقد إزدادت الإساءات وإمتدت أحيانا الى أمور جانبية، كزوبعة منع ‏الحجاب الذي ترتديه بعض المسلمات في الدول الأوربية. بل بلغ الأمر أشده بصدور كتب لعرب ‏ومسلمين أساءوا فيها للنبي والإسلام (كمحنة العقل في الإسلام) لمصطفى جحا و(اولاد حارتنا) ‏لنجيب محفوظ الذي منح بموجبه جائزة نوبل في الأدب. و(مسافة في عقل رجل) لعلاء حامد الذي ‏وصفه الأزهر بأنه " أسوأ من كتاب المارق سلمان رشدي" و(قس ونبي) لأبي موسى الحريري ‏و(القرآن والكتاب) ليوسف حداد وهناك العشرات غيرها.‏

من جهة أخرى ما يزال الغموض يلف موضوع نفاذ الفتوى أو إلغائها ففي عام 2007 أعلن ‏خاتمي بأن" فتوى الإمام خميني بقتل رشدي لاتزال سارية المفعول، وهي غير قابلة للإلغاء ‏والتعديل". والمثير في تصريحه هو تشبيهه الفتوى كآية قرآنية حيث أضاف" إن حكم الإمام بحق ‏المرتد سلمان رشدي يستند الى الآيات الإلهية. فهو كالآية الإلهية ثابت لايمكن الغاؤه". من جانبها ‏أكدت مؤسسة (الشهيد وشؤون الضحايا) بأن" فتوى خميني لاتزال سارية المفعول". في حين ‏كانت الحكومة الايرانية في أيلول 1998 قد أعلنت عن الغاء فتوى خميني بسفك دم سلمان ‏رشدي وأعيدت العلاقات الدبلومسية الايرانية- البريطانية على أثرها! ‏

في تطور لاحق أعاد الصراع الإيراني حول الإنتخابات البرلمانية وإنتخاب مجلس الخبراء ‏الأضواء مجددا لفتوى خميني بسفك دم الكاتب سلمان رشدي، تلك الفتوى التي تسببت بقطع ‏بريطانيا العلاقات الدبلوملسية مع إيران لمدة عشر سنوات. وكانت وكالة فارس الإيرانية قد ‏أشارت بأن المكافأة التي سيأخذها قاتل سلمان رشدي قد زِيدت (600000) ألف دولار وبلغت (4) ‏مليون دولار أمريكي لغاية هذا العام 2016. كما نقلت‎ ‎صحيفة لوس انجلوس تايمز عن المحلل ‏السياسي القريب من الحركة الاصلاحية‎ ‎‏(فرهاد قربان بور) قوله" ان شباب ايران والمتعلمين من ‏سكان المدن نسوا الفتوى التي‎ ‎أصدرها خميني قبل وفاته عام 1989، لكن المحافظين سيعيدون‎ ‎الماموث من العصر الجليدي، إذا كانت إعادته تخدم اغراضهم السياسية".

وجاء‎ ‎اعلان المكافأة الجديدة على رأس رشدي في معرض للاعلام الرقمي أُقيم مؤخرا‎ ‎بالتزامن ‏مع ذكرى صدور الفتوى، كما افادت وكالة انباء فارس "إن 43‏‎ ‎مؤسسة اعلامية ساهمت في جمع ‏الزيادة على المكافأة"، وبذلك ترتفع المكافأة‎ ‎لمن ينفذ فتوى خميني بقتل الروائي البريطاني، ‏الهندي الأصل، الى نحو 4‏‎ ‎ملايين دولار‎.‎‏ في عام 2015 انسحبت ايران من معرض فرانكفورت‎ ‎للكتاب في المانيا احتجاجا على دعوة رشدي للحديث في ندوة على هامش المعرض.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,029,351

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"