هل فات الأوان على التدخل التركي في #العراق فعلاً؟!

الصورة: دبابات تركية على مقربة من الموصل.

نظير الكندوري

مرة  أخرى يقع الأتراك في الخطأ بسياستهم الخارجية، ودائما ما تكون تركيا متأخرة بخطوة عن أعدائها. فالتباطؤ والتردد كان ومع الأسف هو العلامات البارزة في سياسة تركيا الخارجية. وسعي تركيا لاغتنام الفرص كثيرا ما يكون بعد فوات الأوان ومن ثم لا تأتي النتائج كما تُحب.

 

وكان الرئيس رجب طيب أردوغان يتعامل مع قضايا الشرق الأوسط من خلال سياسة صادقة، مع علمه أنه يعيش وسط عالم مبني على الخداع والنفاق، وكان عليه أن يدرك، أن منهجه القديم بـ”سياسة صفر خلافات” مع دول المنطقة ليست دائما صائبة، بالأخص عندما يتعامل مع دكتاتوريات قد شاخت وهي متمسكة بالحكم.

 

بين تركيا وإيران

ولو قارنا بين سياسة تركيا وسياسة إيران، كانت ترتكب إيران كل الفظائع بحق شعبها وشعوب المنطقة وهي المسؤولة عن معظم الجرائم التي ترتكب بحق شعوب المنطقة، ولكنها في موقفها المعلن تحاول أن تجعل من نفسها الدولة المظلومة بالمنطقة.

ساعدت إيران في أفغانستان المحتل الأمريكي، وأولت تنظيم القاعدة الرعاية الشاملة ووفرت له كل السبل للانتقام من السنّة بالمنطقة، ودمرت العراق وسوريا، ودمرت اليمن بميليشيا الحوثي. ثم تأتي إيران من خلال أدواتها بالعراق لترفض التدخل التركي في الموصل وهي التي تتدخل في عشرات البلدان العربية والإسلامية، عسكريا وعقائديا.

ومع أننا لا نشك أن لتركيا مبرراتها القوية في رغبتها بالمشاركة بمعركة الموصل لحماية أمنها الداخلي، ولكن إيران تلعب لعبة سياسية صحيحة، فهي تحارب التدخل التركي حصرا دون تدخل باقي الدول، من خلال أدواتها التي تسيطر عليها، مثل الحكومة العراقية والتي يعترف بها العالم كحكومة شرعية، فأوعزت لها بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة ضد التدخل التركي، بالرغم من أن العراق يعج حاليا بالعديد من القوات الأجنبية ولم تقل شيئا بحقها. ستحارب إيران تركيا في العراق كما حاربتها في سوريا ومن خلال نفس الأدوات، الحكومة الشرعية والميليشيات وداعش أيضا. فماذا تمتلك تركيا على الأرض لتدعم موقفها؟

 

التخطيطات الإيرانية

كان تخطيط إيران على الأرض العراقية، تخطيطا استراتيجيا، وامتد عبر زمن طويل منذ الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات من القرن الماضي، للوصول للحالة التي هي عليها الآن، فاحتضنت كل الأحزاب الشيعية العراقية التي كانت تعمل ضد حكومة العراق السابقة، وجعلت منهم بعد 2003 حكاما للعراق، فهي تتحكم الآن بالعراق بكل مفاصله، بينما تركيا كانت تنتهج طيلة الفترة الماضية بسياسة “صفر مشاكل” إزاء بلدان المنطقة المجاورة لها.

وفّر احتلال داعش للمناطق السنيّة بمساعدة حكومة المالكي وبإيعاز من إيران، فرصة مثالية لإيران لتشكيل ميليشيا الحشد الشيعي، والذي أضفى الشرعية على كل التنظيمات المسلحة الموالية لها في العراق، ثم بدأت سياسة بطيئة امتدت لثلاث سنوات احتلت فيها مناطق السنة بحجة حربها على داعش، وبأدواتها على الأرض العراقية من حكومة وميليشيات، ووصلت إلى نهاية مخططها في قضم تلك الأراضي ولم يتبقّ سوى مدينة الموصل. وبعد احتلالها، تكون إيران قد بسطت كامل نفوذها على الأراضي العربية العراقية، وبعدها ستتفرغ للأكراد لجلبهم للطاعة، مع أنها قد وصلت في ملف الأكراد إلى مدى بعيد، فنصف كردستان العراق الآن يدين بالولاء لإيران.

 

الدور التركي المتفرج

أما تركيا فكان دورها دور المتفرج بالعراق، وبالرغم من مناشدات الكثير من السياسيين السنّة العراقيين وأصحاب الفكر والمقاومين، لتأخذ تركيا دورها بتحقيق التوازن المختل بالعراق من خلال دعم السنّة فيه، لكن لم تجد تلك الدعوات آذانا صاغية في (القصر الأبيض) في أنقرة، ولا عند العرب، الأمر الذي جعل الأمور تتفاقم في ظل هذا الغياب، لتتفرد إيران وميلشياتها بالعراق للدرجة التي وصلنا إليها الآن.

وعندما استفاقت تركيا على نفسها بعد الانقلاب العسكري الفاشل في 15 من تموز/يوليو الماضي، وجدت نفسها هي الأخرى مشمولة بالفوضى وخطر التقسيم، ووجدت أن مصالح الإيرانيين والأمريكان والروس متوافقة على إسقاط تركيا وتفتيتها وغلق كل الأبواب لبناء تركيا جديدة لها دور فاعل في المنطقة والعالم.

كانت استفاقة متأخرة مع الأسف، فقامت متأخرة بالتدخل في شمال سوريا لدعم ثوارها، ولكن بأصعب الظروف، ولو كان هذا التدخل منذ سنة 2012 أو 2013 لكان الأمر مختلفا جدا عما هو عليه الآن. فلم يكن حينها تدخل روسي أو دولي للدرجة التي هي عليه الآن.

أما في العراق فإن تركيا وضعت بيضها كله وما تزال، في سلة النجيفي وكأن السنّة بالعراق لا يوجد فيها إلا النجيفي وأدارت ظهرها لكل القوى الفاعلة في المجتمع السني العراقي، ولو تعاونت مع باقي القوى المؤثرة بالساحة لتغيّر الكثير بما يخدم ويحقق حالة التوازن في العراق، ولتحققت مصالح تركيا بإبعاد خطر الإرهاب عن أراضيها، بينما نرى الآن أن حزب ال(PKK) يصول ويجول في الأراضي العراقية. كل الذي قامت به تركيا هو الاتفاق مع آل النجيفي بتدريب عدد محدود من المتطوعين من أهل السنّة في بعشيقة، وهي تعوّل عليهم أن يحرروا الموصل ويبعدوا خطر الإرهاب عنها. ولو فرضنا جدلا قد تحقق هذا الأمر، بماذا ستستفيد تركيا من هذا؟ هل تستبدل مصالحها ونفوذها في كل العراق أو على الأقل بسنّة العراق، بمدينة يتيمة واحدة هي الموصل، محاطة ببحر شيعي إيراني سوف يغرقها لا محالة؟ ألم يكن من الأولى لتركيا أن تحتضن كل السنّة لكي يكون لهم دور حقيقي بعراق ما بعد صدام حسين؟

 

استفاقة متأخرة

لقد ابتعدت تركيا مثل ما ابتعد العرب عن العراق وعندما جاءتهم استفاقة صغيرة، قامت السعودية بإرسال سفير لها لبغداد، عملت إيران بكل السبل لطرده، وعندما تجاهلت السعودية الاستفزازات الإيرانية ضد سفيرها، استطاعت إيران تحجيم دور سفيرها للحد الذي فشل بتوصيل حتى مجرد مساعدات للنازحين السنّة، كل هذا لكيلا يكون للسعودية أي دور بالعراق ولو على هذا المستوى البسيط.

استطاعت إيران التدخل بسوريا مستغلة شرعية حكومة بشار، ودخلت بإذن حكومته، وبنفس الوقت هي تصول وتجول بالعراق وبإذن السلطة العراقية الكارتونية، وتظهر نفسها أمام العالم بأنها لم تتدخل عنوة في سوريا والعراق وإنما بإذن السلطة الشرعية في تلك الدول. أما كان الأولى على تركيا أن تدعم السياسيين السنّة في حكومة بعد الاحتلال الأمريكي، لكي يكون لهم تأثير كبير يجعل من الصعب على إيران أن تأخذ إذن الحكومة العراقية في تدخلها الحالي في العراق؟ وإذا كان هذا قد فات أوانه، ألا تستطيع أن تقوم تركيا بجمع العراقيين بكل أطيافهم، وتشكيل حكومة منفى للعراق؟ وتوفر لهم الدعم والاعتراف الدولي لهم ونزع الشرعية عن الحكومة الحالية في بغداد؟

لقد تُرك السنّة العراقيين تحت مطرقة الميليشيات والحكومة الإيرانية، حتى فُرط عقدهم ودبَّ التنافس بينهم وبدأ أحدهم يحارب الآخر، بينما إيران جعلت من نفسها مظلة جامعة لكل السياسيين الشيعة، تنتهي مشاكلهم عندها وتتوحد كلمتهم بمشورتها.

لقد استفادت إيران من العراق بشتى المجالات، فمكاتب المخابرات الإيرانية منتشرة بالمدن العراقية، وأبناء العراق رافد  بشري لميليشياتها بكل مكان، ووصل الأمر إلى تجنيد أطفالنا بحروبها كما كانت تفعل بتجنيد التركمان الشيعة في إيران في حربها على العراق في الثمانينات من القرن الماضي، ومستشاريها العسكريين يصولون ويجولون بلا رقيب، ومنتجاتها تغزو أسواقنا، وحملات التشييع تغزو عقائدنا، فماذا بعد ذلك.

وتأتي تركيا الآن لتقول: ليس من حق أحد أن يعترض على تواجد قواتنا في شمال العراق، لقد فات الأوان. نعم لهم الحق بمنعكم، فالبلد الآن بلد تابع لإيران، والقوات فيه هي ميليشيات إيران، ومقدرات البلد بيدها، فليس لكم يا عرب ويا ترك في البلد من أحد، لقد زهدتم بالشعب العراقي وفي سنّة العراق، فتقبلوا هذه الحقيقة، العراق أصبح جزءا من إيران. ويدور في فلكها، ولن تستطيعوا أن تفعلوا شيئا إزاء ذلك.

ولكن.. لا يأس من روح الله، فقد وعدنا الله في محكم كتابه الكريم “وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ” فإننا على يقين أن من خان بلده ودينه وجعله مرهونا لدولة تدعو للضلالة ومحاربة الله، حاشا لله أن يهديه أو يفلح كيده. فمن يريد أن يترك له بصمة في هذه الحياة، فالوقت مناسب لذلك. فالعراق الآن في أضعف حالاته، ويعيش مأساة عظيمة وإن تركتموه الآن، أخشى أن يُصيبَكم مِثلَ ما أصابه. يمكنكم مساعدة العراقيين بلمّ شتاتهم، وتوحيد صفوفهم تجاه هدف مشترك، هو تخليص العراق من الهيمنة الإيرانية الجاثمة على صدره. وحّدوا سياسيّيهم، واعتنوا بمفكريهم وقادة الرأي فيهم، وادعموا ثوارهم. لأننا ليس لدينا أدني شك، بأن صفات الخائنين هي الجبن، فهؤلاء لا يصمدون أمام جندٍ وحّدتهم كلمة الله، وسانَدهم عِباده الصالحين.

هي وصية أخيرة أتمنى أن تجد لها آذانا صاغية.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,042,961

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"