لوثة عقل!

سليم الحسني

(قبل خمسة آلاف سنة قبل الميلاد أنشأ السومريون مطاراً في الناصرية لهبوط واقلاع المركبات الفضائية).

هذا ما يقوله الوزير كاظم فنجان الحمامي وزير النقل الجديد الذي تم التصويت عليه في البرلمان، بوصفه من التكنوقراط.

 

لا يميز هذا الوزير التكنوقراط، بين الاسطورة وبين الحقيقة العلمية. فلقد أحال الحضور وهم يستمعون الى كلمته بمناسبة افتتاح مطار الناصرية، الى عدة كتّاب منهم زكريا ستشن الذي اهتم بترجمة النصوص السومرية، وتأثر بها.

لا يفرق الوزير العراقي الذي يتولى واحدة من أهم الوزارات وهي وزارة النقل، بين الاساطير السومرية التي كانت أحد مميزات أدبهم وبين الدراسات  العلمية. فقد كان تلك الأساطير تتحدث عن الخلق والكون والحياة. حيث تحكي أساطيرهم عن كائنات فضائية جاءت الى الأرض بحثاً عن الذهب، لحاجتها اليه في كوكبهم الأم، ووجدوا أنفسهم بحاجة الى أيدي عاملة، فصنعوا البشر ليكون هم الخدم الذين يقومون باعمال التنقيب.

وتقول أسطورة سومرية أخرى، أن الآلهة جاءت من الفضاء واستقرت في الأرض في وادي الرافدين، وعندما أصابها الكبر وشعرت بمشقة القيام بأعمالها اليومية، قررت أن تخلق البشر ليقوموا بخدمتها، فكان الناس على شكلهم الحالي!

وغير ذلك من أساطير برع فيها السومريون، وكان قسماً منها مما اشتركت به كل الشعوب القديمة وهو البحث عن فكرة الخلق وبداية الحياة، وكان القسم الآخر منها يدخل ضمن باب الأدب، وهو الجانب الآخر الذي أبدع به السومريون وكتبوا قصائدهم المطولة على ألواح واسطوانات الطين المفخور.

...

وقد حاول زكريا ستشن، وهو أميركي الجنسية مولود في الاتحاد السوفيتي السابق،  بعد ترجمته لتلك النصوص وتأثره بها، أن يفترض نظرية بأن اصل الجنس البشري يعود الى تلك الكائنات الفضائية. لكن كل محاولاته كانت لا تصمد أمام الحقائق العلمية، ورفضها علماء الأحياء والآثار والفلك والعلوم الطبيعية، لأنها تقوم على أساس فرضية من الموروث الشعبي القديم.

...

عندما يكون الوزير التكنوقراط بهذا المستوى من التفكير والقناعات وعدم التمييز بين منطق الخرافة وبين منطق العلم، فان من الصعب علينا أن نلوم المواطن البسيط وهو يستمع الى حكاية البومة الحزينة على الإمام الحسين، والى الأسود التي لا تأكل لحم السادة، ولا الى الرسوم الجدارية وهي تتحول فجأة الى كائنات حية تلتهم أعداء أهل البيت، ثم تعود صوراً جدارية، والى الذئاب والضواري التي تهجم على زوار الحسين ثم تخشع وتتراجع عندما يخبرها الزوار انهم قصدوا زيارة كربلاء، وغير ذلك من أساطير تفوق ما جاء في كتاب كليلة ودمنة.

ربما يكون الوزير التكنوقراط كاظم فنجان الحمامي، قد صدّق واعتقد بأن ملحمة كلكامش التي ترجمها العلامة الكبير طه باقر هي واقعة تاريخية حقيقية، وليست اسطورة من الأدب السومري، ففي مقطع منها أن الآلهة عشتار تطلب من أبيها، إله السماء/ آنو، أن ينتقم من كلكامش لأنه رفض الزواج بها، فأرسل أبوها ثوراً مقدساً من السماء ليقتله، لكن كلكامش يتمكن من قتل الثور بمساعدة صديقه أنكيدو.

ليس مستبعداً أن يعتقد وزير النقل بصحة هذه الأسطورة، طالما أن السومريين بنوا مطاراً لهبوط وإقلاع المركبات الفضائية، قبل الميلاد بخمسة آلاف سنة، فلا بد أن يكون الثور المقدس قد وجد المهبط المناسب والآمن وهو ينزل من السماء بأمر من آلهتها!

لا نسأل كيف وافق الدكتور حيدر العبادي المتخصص في مجال الكهرباء من بريطانيا، على (الوزير التكنوقراط هذا)، فلقد كتبت مقالات عديدة منذ بداية توليه رئاسة الوزراء عن شخصيته وطريقة تفكيره.

ولا نسأل عن الكتلة التي رشحته، فهذه الكتل أمامنا وهؤلاء قادتها.

ولا نسأل عن تصويت البرلمان العراقي على صلاحية هذا الوزير لتولي وزارة حساسة ومهمة مثل وزارة النقل. فقسم كبير من البرلمان العراقي ليسوا أفضل حالاً منه في ثقافتهم وطريقة تفكيرهم!

السؤال يتجه الى المثقف والإعلامي العراقي، الذي ينتمي الى هذه الكتل السياسية التي ترشح هكذا وزراء ويصوت نوابها عليهم: ما الذي يمنعكم من الكلام؟!

...

إن منظومة المجتمع والدولة في العراق تقوم على الخرافات والأوهام في قطاعات واسعة، تبدأ من مجموعة من الخطباء ورجال الدين والقادة السياسيين والوزراء وتنتهي بالمواطن البسيط.

لقد كتبت عدة مقالات في هذه السلسلة عن الترابط بين الخرافة والفساد السائدين في العراق، وان صُناع الخرافة يتعاضدون مع السّراق في منهج واحد، هو سلب إرادة المواطن وإماتة عقله، ليضمنوا بقاءهم المتسلط عليه. إنها كتلة واحدة من الخرافيين والفاسدين، وإن لم تكن رسمية باتفاقات مكتوبة.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,619,235

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"