خطط تفتيت المنطقة وتقسيم #العراق/ 1

علي الكاش

قال ابن خلدون "اعلم‎ ‎أن أوّل ما يقع من آثار الهرم في الدّولة انقسامها وذلك أنّ الملك عندما‎ ‎يستفحل ويبلغ من أحوال التّرف والنّعيم إلى غايتها ويستبدّ صاحب الدّولة‎ ‎بالمجد وينفرد به ويأنف ‏حينئذ عن المشاركة يصير إلى قطع أسبابها ما استطاع‎ ‎بإهلاك من استراب به من ذوي قرابته ‏المرشّحين لمنصبه فربّما ارتاب‎ ‎المساهمون له في ذلك بأنفسهم ونزعوا إلى القاصية إليهم من ‏يلحق بهم مثل‎ ‎حالهم من الاعتزار والاسترابة ويكون نطاق الدّولة قد أخذ في التّضايق ورجع‎ ‎عن ‏القاصية فيستبدّ ذلك النّازع من القرابة فيها ولا يزال أمره يعظم بتراجع‎ ‎نطاق الدّولة حتّى يقاسم ‏الدّولة أو يكاد".

تأريخ ابن خلدون/360

 

توجد الكثير من القواسم المشتركة في نظريتي الأمن القومي الإيراني والصهيوني، من أهمها ‏العمل على إضعاف الكيانات العربية والاسلامية بشكل عام والهيمنة على أقتصاديات العالم ‏العربي، وإستنزاف الأمكانات البشرية وكذلك المالية من خلال تحفيز الدول العربية للدخول في ‏مضمار التسابق التسليحي لدرء شرور الاطماع التوسعية في المنطقة والإنفاق الهائل على الجانب ‏العسكري والأمني. كما تتظافر جهود الفرس والصهاينة في العمل على تقسيم الوطن العربي الى ‏كانتونات هشة تُسهل تحقيق ما يسمى بـ (الأمبراطورية الفارسية الكبرى) أو ما يُسمى (إسرائيل ‏الكبرى) التي وردت في بروتوكولات حكماء صهيون المادة/9 التي تنص على فكرة " حينما ‏نمكن لانفسنا فنكون سادة الأرض". إيران والكيان الصهيوني كلاهما يريد إعادة عقارب الساعة ‏الى الوراء عشرات القرون، ويحاولان تحقيق الحلم الذي ما يزال يراود تفكيرهما المريض.‏

 

‏1. التقسيم فكرة ليست جديدة

‏ في بداية القرن العشرين بدأ تقسيم الدول العربية وفق اتفاقية (سايكس/ بيكو عام 1916) حينما ‏فرضت فرنسا‎ ‎سيطرتها على سوريا ولبنان، وبريطانيا على فلسطين والعراق. وفي عام 1919 ‏أيدت‎ ‎عصبة الأمم الإدارتين الفرنسية والبريطانية على تركة الرجل المريض (الدولة‎ ‎العثمانية)‏‎.‎‏ ‏ورُسمت الحدود العراقية في مؤتمر عُقد في القاهرة عام 1921 مع شهادة إعتزاز كبيرة  ‏خصصت لونستون تشرتشل ولورنس العرب،‎ ‎الذي كان واحداً من بين 40 بريطاني اجتمعوا في ‏قصر سميراميس على ضفاف نهر‎ ‎النيل، ورسموا حدود العراق الحالية، ونصبوا فيصل بن ‏الحسين ملكاً على عرش العراق‎.‎‏ كما ورد في مذكرات الزعيم الفرنسي كليمنصو ما يشير إلى ‏تأخره عن فهم أهمية تقسيم المنطقة مقارنة بالإنكليز الذين خططوا لها مبكرا، فقد ذكر" أصدقاؤنا ‏الإنكليز سبقونا في التنبيه إلى موضوع الأقليات المذهبية والعرقية في بلدان المشرق العربي، ‏ووجهة نظرنا متفقة تماما معهم". (صحوة الرجل المريض/183). ‏

لذا فإن فكرة تقسيم العراق ليست وليدة الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وإنما هي فكرة ‏إسرائيلية قديمة مستمدة من التوراة لتحقيق ما يسمى (إسرائيل الكبرى) الممتدة من اورشليم الى ‏بابل والعمل على تدمير مدنه، وسبي نسائه، وقتل أطفاله حيث ورد النص" يا بنت بابل طوبى ‏لمن يجازيك ويمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة". كما ذكرت بصورة غير مباشرة في يوميات ‏هرتزل فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، والعمل على توسيع حدوده في جميع ‏الإتجاهات، علاوة على العمل لإضعاف صوت العرب المناهضين للمشروع الاستيطاني عن ‏طريق بذر الشقاق والتقسيم والتشتت لغرض منعهم من توحيد إرادتهم، وإضعاف شوكتهم ليتم ‏تنفيذ الإستيطان بيسر. كما وردت بصورة اوضح في بروتوكولات حكماء صهيون التي نصت ‏على إنشاء وطن قومي لليهود ما بين النيل والفرات مستندة الى دعوات توراتية. وفي عام 1956 ‏ذكر المحلل السياسي (بار زوهار) في معرض تعليقه على مذكرات زعيمه (بو غوريون) بأنه ‏خلال العدوان الثلاثي على مصر، أقترح بن غوريون على الفرنسيين خطة للتخلص من الزعيم ‏جمال عبد الناصر وتقسيم الأردن والعراق ولبنان وسوريا وإعادة توزيع المنطقة بشكل يحقق أمن ‏الكيان الصهيوني كأسبقية أولى.‏

كما كشف الكاتب الهندي (ك.ر.كرانجيا ) في كتابه الموسوم ( خنجر إسرائيل) الذي ترجم للعربية ‏عام 1957 وثيقة إسرائيلية سميت بأسمه سُربت من رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الى الرئيس ‏السابق جمال عبد الناصر الذي أودعها بدوره الى كرانيجيا تتحدث عن بدائل لإتفاقية سايكس بيكو ‏لتقسيم المنطقة العربية الى دويلات هشة في سوريا ولبنان، ومنها تقسيم العراق الى دولة كردية ‏في شماله وأخرى للعرب في الوسط، وضم الجنوب الى إيران مكافأة لشرطي الخليج حينذاك رضا ‏شاه بهلوي، وكذلك زعزعة الأمن والإستقرار في المنطقة بما يخدم الكيان الصهيوني. وفي عام ‏‏1977 ورد مشروع التقسيم بنفس الصيغة، أي تقسيم العراق الى ثلاث دويلات على أساس الدين ‏والعرق حسب مشروع (ليزلي غيلب) وحمل أسم مدير لتخطيط السياسي في الإدارة الأميركية ‏حينذاك.  وذكر (ناحوم غولدمان) رئيس الرابطة اليهودية في خطاب له عام 1958 في باريس" ‏لكي تبقى إسرائيل علينا تفكيك الشعوب العربية الى أقليات متناحرة، ويمكن لإسرائيل أن تلعب ‏دورا رائدا بتشجيع قيام دويلة علوية في سوريا، ودويلة مارونية في لبنان، ودويلة كردية في شمال ‏العراق". (صحوة الرجل المريض/189). ‏

كما نشر منظر السياسة الخارجية الأميركية اليهودي هنري كيسنجر عام 1973 مشروعا يتضمن ‏تقسيم جميع دول المنطقة العربية على أسس طائفية ودينية وذلك لتجنب حرب عربية جديدة ضد ‏الكيان الصهيوني. وهذا يفسر تكالب الأمم المتحدة والولايات المتحدة على إستخدام مفردات الشيعة ‏والأكراد في الوثائق الرسمية وما يقال عن المظلومية، وتجلى الأمر بوضوح في تحديد مناطق ‏الحظر الجوي لحماية الشيعة والأكراد، خلال التسعينيات من القرن الماضي. كما جاء في مذكرات ‏كيسنجر"( سنوات العصف) التي  نشرت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي بخمسة مجلدات ‏تتضمن خطط الولايات المتحدة الأميركية بإنشاء دولة قومية للأكراد في شمال العراق تضم نصف ‏خارطة العراق. مقترحا خطة لإبقاء الأوضاع في المنطقة ملتهبة بالصراعات والنزاعات سيما ‏للدول المحيطة بالكيان الصهيوني، وإضعافها بالشكل الذي يؤمن الإسقرار والأمن للكيان ‏الصهيوني. فيما يتعلق بالعراق أوصى بالعمل على وضع ترتيبات سياسية وعسكرية لتمزيقه ‏وإقامة دولة جديدة في منطقة الخليج تشمل أكثر من 80% من أراضي العراق ومدها الى جانب ‏الأحواز العربية. وفي عام 1982 نشرت مجلة (كيفونيم) تقريرا للمنظمة الصهيونية العالمية ‏كشفت فيه عن خطة لتقسيم العراق وسوريا. كما سبق ان طرح المستشرق الأميركي (برنارد ‏لويس) مسألة تفكيك العراق معتبر" أنه  ـ أي العراق ـ كيان شاذ مبني على أساس خطأ تأريخي ‏صنعه الإنكليز ويتوجب تقسيمه". كما نوه المحلل الإسترايجي اليهودي (اوديد ينون) عام 1982 ‏بتقسيم العراق" يجب علينا تحويل العالم العربي لموزاييك مفكك من مجموعات عرقية وطائفية ‏ضعيفة تمكن إسرائيل السيطرة عليها كما تشاء لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى". إنه الحلم الذي ‏يراود جميع أعداء العرب.‏

من الجدير بالإشارة أن المؤرخ الإسرائيلي (بيني موريس) قد دعا صراحة الى تقسيم العراق ‏معتبرا انه دولة" مصطنعة انتجها الإنكليز ومزجوا  فيها عشوائيا شعوبا وطوائفا غير متجانسة ‏ولا يمكن ان تتعايش فيما بينها". وخلال الغزو الإسرائيلي للبنان أوجز(أريل شارون) بأن الهدف ‏من الغزو هو تفكيك لبنان ومن ثم تطبيق الفكرة على بقية الدول العربية لتشمل سوريا ودول ‏الخليج العربي وفي مرحلة لاحقة مصر والعراق" الى مناطق هشة من الأقليات العرقية والطائفية ‏المتحاربة"، مضيفا بأن تقسيم العراق يعتبر أهم من تقسيم سوريا، لأنه يشكل خطرا أكبر على ‏إسرائيل، وعليه يمكن تقسيمه الى ثلاث دويلات هي الموصل وبغداد والبصرة". كما صرح ‏الجنرال (داني روتشيلد) الذي شغل منصب رئاسة قسم الأبحاث والدراسات في المخابرات ‏العسكرية الإسرائيلية بأنه يجب على حكومته أن تطور" علاقاتها مع الكانتونات التي تنشأ في ‏العراق بعد إحتلاله، ولاسيما الأكراد نظرا للعلاقة التأريخية الوطيدة بين الأثنين". وبنفس المعنى ‏نشر الصحفي المعروف سيمون هيرش تقريرا في مجلة نيويوركر الأميركية تضمن ‏معلومات خطيرة عن تعاون بين الإسرائيليين والأكراد لغرض تقسيم العراق الى دويلات". ‏ويتماشى هذا الطرح مع خطة المستشار الأميركي الان توبول التي نشرها على الموقع الخاص ‏بالجيش الأميركي داعيا الى تقسيم العراق الى ثلاث دويلات وبطريقة تهكمية تساءل" ما ضر لو ‏اصبح العالم 196 دولة بدلا من 193" . ‏

كما جاء فى وثيقة صهيونية اخرى بشأن العراق  نشرتها (مجلة كيفونيم لسان حال المنظمة ‏الصهيونية العالمية) بتأريخ 14/2/1982 تحت عنوان (استراتيجية اسرائيل فى الثمانينات):

‏1. ان العراق لايختلف كثيرا عن جدول الجوار، ولكن الأغلبية فيه من الشيعة والاقلية من السنة، ‏ان 65% من السكان ليس لهم أى تأثير على الدولة التى تشكل الفئة الحاكمة فيها 20% الى جانب ‏الأقلية الكردية الكبيرة فى الشمال.‏

‏2. لولا القوة العسكرية للنظام الحاكم في العراق وموارد البترول، لما كان بالامكان ان يختلف ‏مستقبل العراق عن ماضى لبنان وحاضر سوريا .‏

‏3. ان بشائر الفرقة والحرب الأهلية تلوح في الأفق ، خصوصا بعد الثورة في إيران بقيادة ‏الخميني، الذى يعتبر فى نظر الشيعة العراقيين زعيمهم الحقيقى وليس صدام حسين.‏

‏4. ان العراق ذو الثروة البترولية الهائلة يكثر فيه الفرقة والعداء الداخلي، وهو المرشح التالى ‏لتحقيق أهداف اسرائيل الكبرى.‏

‏5. ان تقسيم العراق أهم بكثير من تقسيم سوريا، وذلك لأن العراق أقوى من سوريا وفق كل ‏الإمكانات البشرية والمادية.‏

‏6. ان قوة العراق تمثل خطورة كبيرة على اسرائيل فى المدى القريب وهي أكبر من الخطورة ‏الناجمة عن قوة أية دولة أخرى في المنطقة.‏

‏ 7. سيصبح بالإمكان تقسيم العراق الى مقاطعات اقليمية طائفية كما حدث فى سوريا خلال ‏العصر العثمانى، وبذلك يمكن اقامة ثلاث دويلات (أو أكثر) دولة فى البصرة، ودولة فى بغداد ، ‏ودولة فى الموصل، بينما تنفصل المناطق الشيعية فى الجنوب عن الشمال السنى الكردى فى ‏معظمه.‏

في مقابلة تلفزيونية ينقل الدكتور وسيم السيسي عن ديفيد بنغوريون، أول رئيس‎ ‎وزراء لإسرائيل، ‏قوله " إن قوة إسرائيل ليست في قنبلتها النووية، بل في‎ ‎قدرتها على تفتيت ثلاث دول محيطة بها، ‏وهي العراق وسوريا ومصر، ونجاحنا في‎ ‎هذا الأمر لا يعتمد على ذكائنا بل على غباء الطرف ‏الآخر". إنه وصف مؤلم لحالنا لكنه حقيقي واثبتت السنوات التالية صدقه.‏

قبل‎ ‎الغزو الأميركي للعراق عام 2003 ذكرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية‎ ‎أن أحد ‏أهداف غزو العراق اقتطاع المحافظات السنية وضمها إلى الاردن، ثم كرر الأمر نفسه الخبير ‏الإسرائيلي لشؤون الإرهاب (إيهود سبرينزاك) فى‎ ‎حديث للتليفزيون الروسي في 24 تشرين ‏الثاني 2002، حيث ذكر" إن مشروع تشكيل الدول‎ ‎الجديدة في الشرق الأوسط يقف وراءه (ديك ‏تشيني) و (بول وولفوفيتز)".‏

لعل أفضل ما قيل عن متطلبات الأمن الصهيوني بتفتيت الدول العربية هو ما جاء في محاضرة ‏وزير الأمن الوطني الإسرائيلي (آفي ديختر) التى القاها يوم 4 أيلول 2008  فى معهد ابحاث ‏الأمن القومى الاسرائيلى، فهي تسلط الضوء الجامع على المخطط الصهيوني للعراق والعلاقة ‏المشبوهة مع أكراد العراق" ليس بوسع أحد أن ينكر أننا حققنا الكثير من الأهداف على هذه ‏الساحة، بل وأكثر مما خططنا له وأعددنا فى هذا الخصوص. يجب استحضار ما كنا نريد أن نفعله ‏وننجزه فى العراق منذ بداية تدخلنا فى الوضع العراقى منذ بداية عقد السبعينات من القرن ‏العشرين، أن أهم وذروة هذه الأهداف هو دعم الأكراد لكونهم جماعة أثنية مضطهدة من حقها أن ‏تقرر مصيرها بالتمتع بالحرية شأنها شأن أى شعب. فى البداية كان المخططون فى الدولة وعلى ‏رأسهم ( أورى ليبرانى) المستشار الأسبق لرئيس الوزراء ثم سفيرنا فى تركيا وأثيوبيا وإيران قد ‏حددوا إطار وفحوى الدعم الإسرائيلى للأكراد. هذا الدعم كان فى البداية متواضعا، دعم سياسى ‏وإثارة قضية الأكراد وطرحها فوق المنابر. لم يكن بوسع الأكراد أن يتولوها فى الولايات المتحدة ‏وفى أوروبا وحتى داخل بعض دول أوروبا. كان دعم مادى أيضا ولكنه محدود. التحول المهم بدأ ‏عام 1972. هذا الدعم اتخذ أبعادا أخرى أمنية، كمد الأكراد بالسلاح عبر تركيا وإيران، واستقبال ‏مجموعات كردية لتلقى التدريب فى إسرائيل بل وفى تركيا وإيران. هكذا أصبح هذا الدعم ‏المحرك الأساس لتطور مستوى العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والأكراد. وكان من المنتظر ‏أن تكون له نتائج مهمة لولا أن ايران الشاه والعراق توصلا الى صفقة فى الجزائر عام 1975 ‏هذه الصفقة قد وجهت ضربة قوية الى الطموح الكردى. لكن وفق شهادات قيادات إسرائيلية ظلت ‏على علاقة بزعيم الأكراد مصطفى البرزانى. الأكراد لم يتملكهم اليأس على العكس ظلوا أكثر ‏إصرارا على الإستمرار فى صراعهم ضد السلطة فى بغداد. بعد إنهيار المقاومة الكردية كنتيجة ‏للاتفاق مع إيران توزعت قياداتهم على تركيا وسوريا وإسرائيل. إسرائيل وانطلاقا من إلتزام أدبى ‏وأخلاقى كان من واجبها أن تظل الى جانب الأكراد وتأخذ بأيديهم الى أن يبلغوا الهدف القومى ‏الذي حددوه، تحقيق الحكم الذاتى فى المرحلة الأولى ومرحلة الإستقلال الناجز بعد ذلك. أن ما ‏تحقق فى العراق فاق ما كان عقلنا الاستراتيجى يتخيله. الآن فى العراق دولة كردية فعلا هذه ‏الدولة تتمتع بكل مقومات الدولة أرض شعب دولة وسلطة وجيش واقتصاد ريعى نفطى واعد، هذه ‏الدولة تتطلع الى أن تكون حدودها ليست داخل منطقة كردستان، بل ضم شمال العراق بأكمله ‏مدينة كركوك فى المرحلة الأولى ثم الموصل وربما محافظة صلاح الدين الى جانب جلولاء ‏وخانقين. الأكراد حسب ما لمسناه خلال لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين لايدعون مناسبة دون أن ‏يشيدوا بنا وذكروا دعمنا ويثمنوا مواقفنا والإنتصار الذي حققوه فى العراق فاق قدرتهم على ‏استيعابه. وبالنسبة لنا لم تكن أهدافنا تتجاوز دعم المشروع القومى الكردى لينتج كيان كردى أو ‏دولة كردية. لم يدر بخلدنا لحظة أن تتحقق دفعة واحدة مجموعة أهداف نتيجة للحرب التى شنتها ‏الولايات المتحدة وأسفرت عن احتلاله. العراق الذي ظل فى منظورنا الاستراتيجى التحدى ‏الاستراتيجى الأخطر بعد أن تحول الى قوة عسكرية هائلة، فجأة العراق يتلاشى كدولة وكقوة ‏عسكرية بل كبلد واحد متحد. العراق يقسم جغرافيا، وانقسم سكانيا، وشهد حربا أهلية شرسة ‏ومدمرة أودت بحياة بضع مئات الألوف. إذا رصدنا الأوضاع فى العراق منذ عام 2003 فإننا ‏سنجد أنفسنا أمام أكثر من مشهد: ‏

أ. إن العراق منقسم على أرض الواقع الى ثلاثة كيانات أو أقاليم رغم وجود حكومة مركزية.‏

ب. مازال العراق عرضة لإندلاع جولات جديدة من الحروب والإقتتال الداخلي بين الشيعة ‏والسنة، وبين العرب والأكراد.‏

ج. إن العراق بأوضاعه الأمنية والسياسية والاقتصادية لن يسترد وضعه الطبيعي لما قبل 2003.‏

‏ نحن لم نكن بعيدين عن التطورات فوق هذه المساحة منذ عام 2003  وأن هدفنا الإستراتيجى ‏مازال عدم السماح لهذا البلد أن يعود الى ممارسة دور عربى وإقليمى، لأننا نحن سنكون أول ‏المتضررين. سيظل صراعنا على هذه الساحة فاعلا طالما بقيت القوات الأميركية التى توفر لنا ‏مظلة وفرصة لكى تحبط أية سياقات لعودة العراق الى سابق قوته ووحدته. نحن نستخدم كل ‏الوسائل غير المرئية على الصعيد السياسى والأمني. نريد أن نخلق ضمانات وكوابح ليس فى ‏شمال العراق بل فى العاصمة بغداد. نحن نحاول أن ننسج علاقات مع بعض النخب السياسية ‏والإقتصادية حتى تبقى بالنسبة لنا ضمانة لبقاء العراق خارج دائرة الدول العربية التى هى حالة ‏حرب مع اسرائيل، العراق حتى عام 2003 كان فى حالة حرب مع إسرائيل. وكان يعتبر الحرب ‏مع إسرائيل من أوجب واجباته. إسرائيل كانت تواجه تحدى استراتيجى حقيقى فى العراق رغم ‏حربه مع ايران لمدة ثمانية أعوام واصل العراق تطوير وتعزيز قدراته التقليدية والإستراتيجية بما ‏فيها سعيه لحيازة سلاح نووى. هذا الوضع لايجب أن يتكرر نحن نتفاوض مع الأميركان من أجل ‏ذلك، من أجل قطع الطريق أمام عودة العراق ليكون دولة مواجهة مع اسرائيل. الإدارة الأميركية ‏حريصة على ضمان مصالحنا وعلى توفير هذه الضمانات عبر وسائل مختلفة:‏

أولا. بقاء القوات الأميركية فى العراق لفترة لا تقل عن عقد الى عقدين حتى فى حالة فوز باراك ‏أوباما الذي يحبذ سحب القوات الأميركية حتى نهاية عام 2009. (لاحظ فعلا تم العمل بموجب ‏هذه الأمر)‏

ثانيا. الحرص على أن تشمل الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية أكثر من بند ‏يضمن تحييد العراق فى النزاع مع إسرائيل وعدم السماح له بالإنضمام الى أية تحالفات أو ‏منظومات أو الإلتزام بمواثيق تتأسس على العداء ضد إسرائيل مثل معاهدة الدفاع العربى ‏المشترك أو الإشتراك فى أى عمل عدائى ضد إسرائيل إذا ما نشبت حرب فى المنطقة مع سوريا ‏أو لبنان أو إيران.‏

الى جانب هذه الضمانات هناك أيضا جهود وخطوات نتخذها نحن بشكل منفرد لتأمين ضمانات ‏قوية لقطع الطريق على عودة العراق الى موقع الخصم. استمرار الوضع الحالى فى العراق ودعم ‏الأكراد فى شمال العراق ككيان سياسى قائم بذاته، يعطى ضمانات قوية ومهمة للأمن القومى ‏الإسرائيلى على المدى المنظور على الأقل . نحن نعمل على تطوير شراكة أمنية واستراتيجية مع ‏القيادة الكردية رغم أن ذلك قد يثير غضب تركيا الدولة الصديقة. نحن لم ندخر جهدا فى سبيل ‏إقناع الزعامة التركية وعلى الأخص رجب أردوغان وعبد الله جول بل والقادة العسكريين أن ‏دعمنا للأكراد فى العراق لا يمس وضع الأكراد فى تركيا. أوضحنا هذا أيضا للقيادة الكردية ‏وحذرناها من مغبة الإحتكاك بتركيا أو دعم أكراد تركيا بأى شكل من اشكال الدعم أكدنا لهم أن ‏الشراكة مع إسرائيل يجب أن لا تضر بالعلاقة مع تركيا وأن ميدان هذه الشراكة هو العراق فى ‏الوقت الحالى، وقد يتسع المستقبل لكن شريطة أن يتجه هذا الأتساع نحو سوريا وإيران . مواجهة ‏التحديات الاستراتيجية فى البيئة الإقليمية يحتم علينا أن لا نغمض العين عن تطورات الساحة ‏العراقية وملاحقتها لا بالوقوف متفرجين بل فى المساهمة بدور كى لا تكون تفاعلاتها ضارة ‏ومفاقمة للتحديات. تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية ليس أقل أهمية وحيوية عن ‏تكريس وإدامة تحييد مصر، تحييد مصر تحقق بوسائل دبلوماسية لكن تحيي العراق يتطلب ‏استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة حتى يكون التحييد شاملا كاملا . لا يمكن الحديث عن ‏استخدام خيار القوة لأن هذا الشرط غير قائم بالنسبة للعراق. ولأن هذا الخيار مارسته القوة الأعظم ‏فى العالم، الولايات المتحدة، وحققت نتائج تفوق كل تصور، كان من المستحيل على اسرائيل أن ‏تحققه إلا بوسيلة واحدة وهى استخدام عناصر القوة بحوزتها بما فيها السلاح النووى. تحليلنا ‏النهائى أن العراق يجب أن يبقى مجزأ ومنقسما ومعزولا داخليا بعيدا عن البيئة الإقليمية، هذا هو ‏خيارانا الاستراتيجى. ومن أجل تحقيقه سنواظب على استخدام الخيارات التى تكرس هذا الوضع ‏دولة كردية فى العراق تهيمن على مصادر إنتاج انتاج النفط فى كركوك وكردستان هناك إلتزام ‏من القيادة الكردية بإعادة تشغيل خط النفط من كركوك الى خط ‏IBC‏ سابقا عبر الأردن وقد جرت ‏مفاوضات أولية مع الأردن وتم التوصل الى اتفاق مع القيادة الكردية، وإذا ما تراجع الأردن فهناك ‏البديل التركى أى مد خط كركوك ومناطق الإنتاج الأخرى فى كردستان تتم الى تركيا واسرائيل، ‏أجرينا دراسات لمخطط أنابيب للمياه والنفط مع تركيا ومن تركيا الى إسرائيل. أن المعادلة ‏الحاكمة فى حركتنا الاستراتيجية فى البيئة العراقية تنطلق من مزيد من تقويض حزمة القدرات ‏العربية فى دولها الرئيسية من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومى لإسرائيل". (المشروع ‏الصهيوني في العراق/ محمد سيف الدولة). هذه الخطة أوضح من من الشمس في رابعة النهار ولا ‏تحتاج الى شرح أو تعليق، ولو تفحصنا المشهد العراقي الحالي سنجد أن الخطة الصهيوية تسير ‏بنجاح وهدوء وحسب ما رُسم لها.‏

للحديث بقية.، بإذن الله تعالى..

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,029,399

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"