مستقبل العلاقات التركية الأميركية في عهد #ترمب

 محمد زاهد غُل

كثيرة هي المقالات التي تناولت أسباب فوز الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب بمواقف سلبية؛ بسبب فظاظة ألفاظه وفظاعة تصريحاته نحو المسلمين المهاجرين إلى أميركا والأقليات والنساء، والعلاقات الدولية الخطيرة مع الكيان الصهيوني والسعودية وإيران وغيرها.

 

لكن القليل من المقالات تناولت مستقبل أميركا في عهد ترمب، وهل ستكون أميركا أقوى أو أضعف مع ترمب، إن بقي رئيساً ولم يتم اغتياله، وقليلة هي المقالات التي بحثت مستقبل العلاقات الأميركية مع العديد من الدول التي تجد نفسها متضررة أو مستفيدة من انتخاب ترامب رئيساً لأميركا.

والأهم من ذلك ولكل الأطراف كيف ينبغي على هذه الدول اتخاذ سياسة ذاتية متجددة مع أميركا إذا غيرت أميركا سياستها معها، فلا ينبغي أن تنتظر هذه الدول كيف تتعامل أميركا معها، وإنما كيف يمكنها هي أن تصنع سياستها الناجحة مع أميركا، بغض النظر عن الرئيس الحاكم، فهل تستسلم للسياسات الأميركية الجديدة، أم أن عليها أن تصنع هي سياساتها الجديدة مع العهد الأميركي الجديد، بما يخدم مصالحها ويحفظ حقوقها مع أميركا بعد انتخاب ترامب، أي أن الحديث عن الفعل الإيجابي هو الأولى بأن يتم الحديث عن الخطط السياسية التي ينبغي أن تتعامل بها كل الدول العربية والاسلامية مع أميركا في عهد ترمب، فالتشرذم السابق أحد أهم وأكبر الأسباب في انفراد أميركا باحتلال دولة بعد أخرى، أو تركها تموت في الحروب الطائفية والقومية، كما فعلت أميركا بالعراق وسوريا واليمن في عهد أوباما، عندما أطلقت يد الحرس الثوري الإيراني فيها، وضعف الموقف العربي والإسلامي من ذلك.

بداية هناك تفاؤل في تركيا بأن السياسة الأميركية في عهد ترمب ستكون أكثر تفهماً للموقف التركي، وهذا ما عبر عنه الرئيس الأميركي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال التهنئة يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، أي في اليوم التالي لفوز ترمب، فقد عبر عن احترامه وتقديره لما حققه أردوغان لبلاده، كما نقل إعجاب ابنته بشخصية أردوغان لما حققه لبلاده من تقدم في سنوات حكمه.

وفي هذه المقدمات إشارة إلى حميمية العلاقة بين الرئيسين، وفي نفس الوقت عرض أردوغان على الرئيس الأميركي القضايا الكبرى التي تواجه الأمن القومي التركي، مثل الأعمال الإرهابية التي تتعرض لها تركيا على أيدي الأحزاب الإرهابية الكردية وداعش، كما عبر له عن عدم رضاه عن عدم تسليم فتح الله غولن زعيم انقلاب 15 تموز الفاشل إلى تركيا، إضافة لما تشهده المنطقة من حروب في سوريا والموصل.

أردوغان جعل من اتصال التهنئة تفاهماً سياسياً على القضايا التي تهم تركيا والمنطقة، وبالأخص القضايا الساخنة في الموصل وحلب، وسمع من ترمب تفهماً للموقف التركي، وتعبير ترامب عن احترامه لأردوغان من المفترض أن يكون مؤشراً عن تقارب قادم بين الرؤيتين التركية والأميركية.

لا شك أن نتائج هذه الانتخابات الأميركية مهمة جداً، وبالأخص لمنطقة الشرق الأوسط التي ستتركها إدارة الرئيس الأميركي السابق أوباما مهباً للرياح الشرقية الإيرانية والروسية، في تصور خاطىء ومستهجن من السياسة الأميركية المعتادة في الشرق الأوسط، فإيران في ظل حكم طائفي ديني قروسطي مُنحت تسهيلات في التحرك العسكري التدميري في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها، دون أن تعارضها أميركا ولا (إسرائيل)، ممّا يعني أن أميركا و(إسرائيل) كانتا ولا تزالان مستفيدتان من الأخطاء الإيرانية.

السناتور الجمهوري الأميركي جون ماكين كان من رعاة هذا التدخل الإيراني، فإن مجيء ترمب الجمهوري قد لا يغير من هذه السياسة، بل يواصلها طالما حققت لأميركا وإسرائيل الفوضى الخلاقة التي تساعد الإدارة الأميركية على دفع المنطقة ودولها بالاتجاه الذي تريده الاستراتيجية الأميركية اليمينية المتصهينة لمستقبل المنطقة.

فإذا ذهبت إدارة ترمب إلى سياسة حاسمة في إنهاء الحروب المشتعلة في المنطقة منذ سنوات فإن التقارب التركي الأميركي سوف يزداد، وسيتحول الاحترام المتبادل إلى تعاون حقيقي، بما يرضي الشعب التركي والأميركي أيضاً، فقد كان تأثير إدارة أوباما على الشعب التركي سيئاً بعد ثبوت ضلوع المخابرات والخارجية الأميركية في علمية انقلاب 15 تموز الفاشلة، فهذا التدخل أغضب الشعب التركي من أميركا.

وما زاد غضب تركيا هو امتناع أوباما عن تسليم زعيم الانقلاب فتح الله غولن، بل وتصريح المرشحة الأميركية هيلاري كلينتون أنها لن تسلم غولن لتركيا جعل الشعب التركي يكره وصول كلينتون للفوز، كما يأمل البعض أن يكون تلويح ترمب بالانكفاء عن التدخل في منطقة الشرق الأوسط أمراً لصالح دول المنطقة وتركيا، فتركيا ترغب في استقرار المنطقة، بحكم تلازم معادلة الاستقرار والازدهار، فلا ازدهار بدون استقرار، ولا نهضة من غير ديمقراطية، وهذا في النهاية قد يؤدي إلى قناعة ترمب بضرورة رحيل الأسد، الذي يتسبب بأزمات المنطقة من وجهة نظر تركيا، فالأسد سبب للأزمة، ولن يؤدي وجوده لحل أزمات المنطقة بما فيها داعش، أو الأحزاب الإرهابية التي تستغل أبناء القومية الكردية كجنود مرتزقة للحرس الثوري الإيراني أو للمغامرات الأميركية في استنـزاف إيران وروسيا في سوريا.

فمسألة الأحزاب الكردية قد تكون إحدى أصعب القضايا بين أردوغان وترمب، حيث نقل عن الأخير قوله إنه "يرى من قوات الحماية الكردية المقاتلة ضد داعش أبطالاً يستحقون الدعم"، فإذا أخذت مسألة مقاتلة داعش على حدة، وأمكن تركيا تقديم البديل لمقاتلة داعش، فلا عذر لترامب أن يتمسك بقوات حماية الشعب الكردية أو قوات سوريا الديمقراطية، لما في ذلك من تحد للمصالح التركية وأمنها القومي، فتركيا لا تمانع أميركا في محاربة الإرهاب، وإنما تختلف معها في القوات التي تتولى ذلك، دون أن يؤثر ذلك بالضرر على الأمن القومي التركي.

وبناء على ما سبق فإن على الحكومة التركية أن تتفهم الموقف الأميركي وأن تقدم رؤيتها الناجعة، وهذه التفاهمات التركية الأميركية القادمة سوف تتمكن من معالجة قضية حلب والرقة والموصل وغيرها، أما إذا واصلت أميركا سياستها السابقة فإن توافق تركيا مع روسيا سوف يزداد، وقد يكون على حساب المصالح الأميركية في المنطقة بسبب العناد الأميركي بتجاهل المصالح التركية، بما فيها تفاهمات فرض منطقة آمنة تحمي الشعب السوري أولاً، وتمنع عن تركيا المخاطر الحدودية ثانياً، بل تدفع عن أميركا وأوروبا مخاطر الهجرة أيضاً. ما يوفر فرصة سانحة للرئيس الأميركي الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية أنه سيكون أول رئيس جمهوري منذ عام 1928 يتمتع بالدعم الكامل من الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وهذا سيوفر له قدرة أكبر على تمرير سياسته التصحيحية ضد من أفسدوا أميركا كما كان يقول في حملته الانتخابية، ليس في داخل أميركا ولكن في السياسة الدولية، بما فيها المنطقة الأكثر اشتعالاً في العالم.

فمحاولة أميركا في عهد أوباما استغلال الأخطاء الإيرانية التوسعية الطائفية والقومية أفسد منطقة الشرق الأوسط، وإيران غير قادرة على تعبئة الفراغ الذي قد تحدثه سياستها الرعناء، وكذلك روسيا لن تستطيع تحقيق انتصار بقوتها العسكرية فقط، ومن ثم ينبغي أن يكون الرهان الأميركي على الدول المعتدلة في المنطقة مثل تركيا ودول الخليج العربي التي لا تراهن على القتل والدمار طريقاً للهيمنة والسيطرة فقط، كما أن على ترامب أن يعرف أن من يفشل في السيطرة على تركيا وهو قابع في بنسلفانيا في أميركا منذ عام 1999 سيفشل في كل محاولاته، وقد فشل حتى الآن في ثلاث محاولات معروفة للشعب التركي، فهل تتمسك أميركا بشخص فاشل في التخطيط؟ ومن أجل ماذا تعادي أميركا ثمانين مليون تركي مقابل انقلابي فاشل؟!

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,028,113

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"