إيضاحات وملاحظات حول مشروع بناء الدولة السورية على أسس المواطنة

جمال قارصلي

طلال جاسم

نتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من ساهم بملاحظاته ونقده البناء لهذا المشروع والذي نعتبرة إغناء ‏لدراستنا، ونشكرالأخوة والأخوات على ثنائهم لشخوصنا، ونرى بأننا لا نستحق هذا الثناء، فكل ما ‏قدمناه من جهد لا يساوي صرخة طفل تحت القصف، أو توسل أم محتاجة في مخيمات الذل، أو لحظة ‏ألم لمعتقل في سجون الظلام. أما من كان ثنائه على ما طرحناه بخصوص حقوق أخوتنا الكورد أو ‏التركمان أو المسيحيين أو الموحدين أوباقي المكونات، فهذه حقوقهم وليست منّة من أحد عليهم، فهم ‏مكونات أصيله وشركاء في هذا الوطن الذي نتطلع لبنائه معا. كل نقد أو نصيحة أو إقتراح وصلنا ‏أسعدنا كثيرا ونحن نرى من واجبنا بأن نوضح النقاط التالية: ‏

 

 

نحن إعتبرنا، ومنذ البداية، بأن هذه الدراسة هي وجهة نظر مطروحة للنقاش، نعرضها على الشعب ‏السوري كأفراد ومؤسسات وأحزاب ومكونات من أجل إنضاجها وإغنائها، علها تسهم في فتح باب ‏للحل وتمنح بلدنا بصيص أمل في آخر نفق مظلم. في هذه الدراسة نطرح أفكارا للحل، وندعوا جميع ‏مكونات الشعب السوري وأطيافه السياسية، وبالتأكيد الاسلاميين منهم، إلى المشاركة من أجل الوصول ‏إلى هذا الحل الذي قد يحقق آمالهم وتطلعاتهم. دراستنا لم تركز على مكون سوري معيّن، ولكننا نعتقد ‏بأن النقاش حول حقوق ومظلوميات أي مكون سوري أصيل سيصب في النتيجة في مصلحة كل ‏المجتمع السوري. نحن نرى في الكورد أخوة وشركاء لنا في الوطن وبدون تردد نقف إلى جانب ‏حقوقهم، ونحن نعلم تماما مظلومياتهم القومية والسياسية والحقوقية، كما نعرف مظلوميات المكونات ‏السورية الآخرى. التاريخ يشهد للكورد، بانهم شعب لم يظلم جيرانه يوما ما، أو يعتدي عليهم، وإن ‏طالبوا بشيء ما، فهم يطالبون بحقوقهم المشروعة. ولكن كما ينتظر الكورد من شركائهم في الوطن ما ‏يطمئنهم ويزيل مخاوفهم بأن مظالمهم لن تتكرر، كذلك تنتظر باقي المكونات السورية من الكورد رؤية ‏واضحة لآمالهم وتطلعاتهم وأن يتفق الكورد فيما بينهم ليكونوا نواة يبنى عليها، لأن الكورد لهم السبق ‏في التحزب والنشاط السياسي والعمل المنظم. وهذا ينطبق على باقي المكونات الاخرى.‏

عند ذكرنا لبعض التجارب التي مرت بها دول مشابهة للحالة السورية، كان هدفنا من ذلك هو الإستفادة ‏من إيجابيات تلك التجارب وتحاشي السيئات منها. فنحن نتفق مع تحليل البعض للوضع في السودان ‏ولبنان، وبالرغم من عدم رضانا عن حالة لبنان، إلا أننا ذكرنا مثالا لتجربة ناجحة فيه وهو مصرف ‏لبنان المركزي، ونحن لا مانع لدينا من الإستفادة من أية تجربة ناجحة، حتى لو كانت من بلد لا نرضى ‏أن يكون بلدنا في المستقبل مثله. أشرنا إلى تجربة الباكستان فيما يخص كوته تمثيل المرأة والأقليات ‏وقمنا كذلك بدراسة تجربة الحكم في اسبانيا وبلجيكا ودول عدة لديها تنوع عرقي وديني ولغوي، ولكننا ‏ذكرنا فقط بعض التجارب المحددة. ‏

تطرقنا إلى تجربة العراق كدولة ولم نأخذ جزء منه وناقشناه لوحده، وهنا نختلف مع الطرح القائل ‏بنجاح التجربة الفيدرالية في العراق بناء على وضع إقليم كردستان العراق، فالتجربة العراقية مريرة ‏جدا، ونحب أن نذكر هنا ما تعرض له المسيحيون والأيزيديون وحتى المكون السني على يد الإرهاب، ‏ولا يمكن أن تكون تجربة العراق مثالا يحتذى بها، لا من حيث أسلوب الحكم ولا من حيث التقسيمات ‏ولا من حيث الإرتماء في أحضان الآخرين من أجل تنفيذ أجندات معينة على حساب ثروات البلد ودماء ‏أبنائة. النجاح المحدود لإقليم كردستان لا يعني نجاح العراق، وللأسف حتى هذا النجاح مهدد في كل ‏لحظة بالخطر في وسط محيط ملتهب، إن لم يتم التوصول إلى حل شامل لكل العراق، لن يستقر إقليم ‏كوردستان ولن يستمر إزدهاره، إن لم يستتب الأمن والإستقرار في محيطه بشكل كامل.‏

من أجل تنفيذ ما طرحناه في دراستنا يوجد الكثير من الآليات التي يجب أن يقوم بها سوريون من ذوي ‏الإختصاص، لأن هذه الآليات تحتاج إلى جهود الآلاف من السوريين المختصيين، لكي نصل إلى ‏المستوى الذي نصبوا إليه. فقد أسعدنا إستعداد الكثير من السوريين ومن كل المكونات على تقديم ‏خبراتهم ومشاركة معلوماتهم معنا ولا يتسع المجال هنا لذكر اسمائهم. فمنهم من طرح ان تكون هذه ‏الدراسة مبادرة سلام ومنهم من دعى الى تطويرها لتكون أساسا لتوافق بين السوريين.‏ومنهم من ‏عرض تطويرها لتشمل كل مناحي الحياة بشكل تفصيلي وتخصصي. ونحن نشجع كل ذلك.‏

أشار البعض إلى رغبة الكورد في أن يكون لهم إدارة ذاتية بإقليم معين وأن دراستنا لم تتطرق إلى ذلك. ‏في الحقيقة لم يذكر لنا احدا حدود هذا الاقليم، وما هي المناطق التي يريد الكورد أن تكون إقليماً لهم، ‏لكي نستطيع أن نوضح لهم رأينا حول هذا الفكرة. فنحن من حيث المبدأ نؤيد ما يريده السوريون في ‏أقاليمهم أو محافظاتهم ضمن توافقات وطنية وبما لا يضر بفئة أخرى من السوريين، حتى لا تتكرر ‏المظلوميات مرة أخرى وندخل في دوامة عنف جديدة لا تنتهي.‏

نحن نؤكد في دراستنا على طرح كل المظلوميات الفردية والجماعية ومعالجتها على المستوى الوطني ‏ووضع الأسس التي تضمن عدم تكرارها. وطرح البعض باننا نعطي الأفراد حقوقهم بينما نتجاهل ‏حقوق الجماعات والقوميات والإثنيات. نؤكد بأن دراستنا بنيت على أساس إعطاء كل المجموعات ‏والقوميات والإثنيات كامل حقوقهم ولكن عليهم أيضا أن يقدموا رؤيتهم بشكل واضح حتى يمكن نقاشها ‏وطرحها على السوريين ليعلم شركائهم بالوطن ما هي مطالبهم، أما أن تبقى تلك المطالب في صيغة مد ‏وجزر حسب الظروف فهذا لا يؤسس لدولة شراكة. ونقول بأن طرحنا للمساواة بين المواطنين هي ‏مساواة في الحقوق والواجبات وهذه المساوة مدنية وسياسية وحقوقية واجتماعية وقانونية واقتصادية ‏وتشمل الأفراد والجماعات. ونحن نؤمن بالتعدد السياسي والعرقي واللغوي والديني والطائفي والثقافي ‏وحتى التوجهات الفكرية والإيديولوجية المتعددة.‏

ما يخص العدالة الأنتقالية، فنحن طرحنا فكرة تكوين محاكم خاصة لبحث المظلوميات الخاصة والعامة، ‏ونحن لا نملك حق العفو أو المسامحة، وهذا تركناه ليقرره السوريون بمؤتمرهم الوطني العام، بالرغم ‏من أننا نعلم ما هو حجم الآلام وعمق الجراح والثمن الباهظ الذي دفعه الوطن والمواطن من أجل ‏الحرية والكرامة، إلا أن تطبيق العدالة يحتاج إلى قوة قادرة على تنفيذ ذلك. وبالتاكيد لن نقبل بقول كلنا ‏ملائكة ولا كلنا مجرمون. لكن ومع الاسف الشديد في حالات إنهاء الصرعات لاتكون العدالة أساسا ‏للحل.‏

نحن إقترحنا ما يخص الأقاليم والمحافظات أن يكون في المرحلة التحضيرية والإنتقالية ثلاث مستويات ‏‏(المركزي والمحافظات والبلديات)، كما إقترح البعض بأن البلديات تكفي ولا داعي لزيادة عدد ‏المحافظات وهذا ما لا نتفق معه فلا بد من اعادة التوزيع الاداري لينسجم مع ما حصل من اقتتال ‏وتهجير لنتجنب عمليات انتقامية خارج القانون، وطرحنا المستوى الرابع، وهو مستوى الأقاليم في ‏المرحلة الدائمة، والتي نتوقع أن يكون السوريون قد تجاوزوا الكثير من المخاوف وبدأت مرحلة ‏الإستقرار. الأقاليم التي طرحناها هي أقاليم لها إطار إقتصادي وخدمي فقط، وليس لها أي دور سياسي، ‏لأن هناك مشاريع وخدمات لا تستطيع محافظة واحدة أن تنفذها لوحدها وهي تحتاج للتشارك مع ‏المحافظات المجاورة، لكي يعود الخير إلى كل محافظات الإقليم. يمكن تطوير هذا المفهوم حسب ‏التوافقات التي سيصل إليها السوريون فيما بينهم. ‏

المحاكم الدستورية المحلية أخذت منا وقتا طويلا في النقاش حول ما إذا إعتمدنا محاكم دستورية على ‏المستوى المحلي (المحافظات)، كما هو الحال في المانيا على مستوى المقاطعات، فإن لهذا الطرح ‏عقبات ومنها عدم توفر الكوادر المختصة في كل المحافظات والتكاليف الاقتصادية المترتبه على ‏إحداث هذه المحاكم، أم إنشاء محكمة دستورية مركزية جامعة وممثلة للجميع، وهنا حاولنا تجنب ‏المركزية. فلكل طرح إيجابياته وسلبيايتة ووجدنا في التجربة السويسرية حل وسط مناسب، وهو إعطاء ‏المحكمة الرئيسية في الولايه أو الكانتون صلاحيات البت في الأمور الدستورية المحلية.‏

إن إقتراحنا للامركزية الادارية بصلاحيات واسعة مع وجود برلمانات محلية وحكومات محلية، لم ينبع ‏من أننا ضد الفيدرالية أو ضد اللامركزية السياسية، وإنما نظرتنا إلى المضامين وليس إلى الشكل، ‏وعلى كل حال اذا إتفق السوريون على الصلاحيات، فلن يكون هناك مشكلة في التسمية ويمكن ان ‏يطور السوريون نظاما سوريا يتجاوز الأطر الثلاثة المذكورة، ونؤكد بأنه ليس لدينا موقف مسبق من ‏أية تسمية أو إطار إداري، المهم بالنسبة لنا هو تحقيق مصالح وتطلعات المواطنين.‏

كما طرح البعض اننا تجاهلنا مظلوميات الاسلاميين وبالذات السنة منهم ونحن نقول ان المكون السني ‏هو الحامل الاساسي لهذا المشروع ولا يمكن تجاهل أغلبية المجتمع السوري والذين هم مسلمون ‏وعرب ونحن نؤكد على إزالة كل المظلوميات لكل السوريين وأكدنا أكثر من مرة إحترام الأديان ‏والقوميات ولا يعني أننا تطرقنا لعرض حلول مظالم المكونات بأننا نتجاهل مظلوميات الأكثرية ‏العربية من الناحية القومية أو الأكثرية المسلمة السنية من الناحية الدينية.‏

نحن نتطلع إلى تطوير هذه الدراسة وبمشاركة جميع السوريين لكي تكون إطارا جامعا لنا. عندما ‏نستطيع أن نمنع الدخلاء على الأرض السورية وكذلك وسائل الإعلام المنحازة لأي طرف كان أن تؤثر ‏أو تعرقل أي حل يتفق عليه السوريون، نكون قد حققنا الكثير. لن يكون موقفنا حيادي من أي إعتداء ‏على الأرض السورية من أية جهة كانت أو على أي مواطن أو مكون سوري كان. عندما نتوافق نحن ‏كسوريين ونتحد، سيكون مصيرنا بيدنا وليس بيد الآخرين. مطلوب منا جميعا أن نضحي مرة أخرى ‏ونتسامح، وربما أكثر مما ضحينا به سابقا وعلينا الإبتعاد عن مطامعنا الشخصية ورؤانا الضيقة وأن ‏نتجاوز كل الأنانيات والأحقاد والثارات وأن نضع مصلحة الوطن فوق كل الإعتبارات. ‏

علينا أن نعمل جميعا من أجل إخراج كل القوى الدخيلة على الوطن ايا كانت، ودعم مبادرات بناء ‏الثقة بين فئات ومكونات وأطياف المجتمع السوري، لتكون أساسا للمصالحة والمسامحة، وإتخاذ ‏اجراءات تعزز هذه الثقة. وبعد ذلك يتم الإتفاق على المظلوميات ووضع الأسس لمعالجتها وتقديم ‏الضمانات من الكل وللكل، لأنه لا يمكن إقامة دولة على أساس المواطنة إلا بعد توافقات تؤسس لثقة ‏بين السوريين مبنية على الإعتراف بحقوق الآخرين المختلفين قوميا أو دينيا أو فكريا، ويجب علينا ‏تسوية المظلوميات وتأطيرها وإيجاد آلية لحلها وتقديم ضمانات لتنفيذها. لابد لنا كسوريين من تقديم ‏تنازلات لبعضنا البعض من أجل التخلص من التبعية لدول الإقليم أو الدول الكبرى، فبدل أن نقدم ‏سوريا للآخرين لإستباحتها، فلنقم معا لحمايتها ولملمت جراجها.‏

عندما نؤمن نحن بسوريتنا وبقداسة وحدة ترابها، ويبدأ كل منا بلدفاع عن السوري الآخر بغض النظر ‏عن دينه ومذهبه ولونه وقوميته ويعتبره شريكا متساويا في الوطن وفي الحقوق والواجبات، وعندما ‏نصل إلى القناعة التامة بأن حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية ونفكر مثل ما قال الفيلسوف ‏الفرنسي الشهير فولتيير: "قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير ‏عن رأيك"، نكون قد وضعنا أسس سوريا المستقبل، سوريا الدولة المدنية والديمقراطية، سوريا دولة ‏الحضارات والتسامح والتعايش، وإلا فإن وطننا سيضيع من بين يدينا وبعد ذلك لن ينفعنا لا اللطم ولا ‏الندامة. ‏


comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,626,003

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"