دلالات تقنين #الحشد_الشعبي في #العراق

محمد زاهد غُل

منذ أن أعلن مجلس النواب العراقي قانون "هيئة الحشد الشعبي"، توجهت الأنظار إلى ردود أفعال النواب السُنة في العراق، وكأن القرار عراقياً فقط، بينما القرار يستهدف الدول العربية والخليجية والإسلامية بنفس الخطورة وأكثر منها، فالقرار هو استثمار واستمرار لمكاسب الاحتلال الأميركي للعراق منذ عام 2003، فاحتلال بزعامة بريمر هو الذي أسس للتركيبة السياسية والاجتماعية والطائفية والقومية المختلة في العراق، وقد فعل الأميركيون ذلك كسداد دين لما قدمته لها الميليشيات الشيعية العراقية في احتلال العراق، وبالتالي كانت كتائب الحشد صاحبة فضل على أميركا، ولها مصالح وتقاسم نفوذ مع أميركا منذ ذلك الوقت، أي أن سياسة الخلل الذي فرضته أميركا على العراق هي في النظام السياسي أولا، وهذا الخلل يخدم في الوقت نفسه السياسة الإيرانية في العراق أيضا.

 

ومنذ أن أعلنت أميركا عن اضطرارها الانسحاب من العراق عام 2009 بدأت إيران تعد العدة لإحلال قوات موالية لها مكانها، وهو ما تم التفاهم عليه مع أميركا، التي دخلت في تحالف معها للحفاظ على منجزات حرب احتلال العراق وعدم عودة الأمور إلى مجرياتها كالسابق، فأميركا سعت، مثل إيران، لإبعاد السُنة عن الحكم، ولم يسمح النفوذ الإيراني بعد الانسحاب الأميركي تمكين السُنة في المناصب السياسية ومن باب أولى في المناصب العسكرية، ولا في الوزارات السيادية، وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، فقد كانت حصة الشيعة في الجيش العراقي الذي أشرفت أميركا على تأسيسه 60% للشيعة و20% للسنة و10 % للأكراد و10% لباقي المواطنين العراقيين من الأثنيات الأخرى.

وعندما جاء تأسيس الحشد الشعبي بفتوى من السيستاني كان بعد إعلان داعش تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام بتاريخ 10 حزيران/ يونيو 2014 بأيام فقط، وأعلن حينها بأن هذا الحشد الشعبي سوف يتم حله بعد القضاء على داعش فورا، رغم كونه مخالفا للدستور العراقي، وكانت الاعتراضات على تأسيس الحشد الشعبي أن نواته الأصلية هي الميليشيات الشيعية، مثل حركة بدر وغيرها من الميليشيات التي تعلن عن هويتها الطائفية صراحة، وأنها تابعة في تسليحها وتدريبها وتمويلها للحرس الثوري الإيراني، ولكن وبعد جمعها في الحشد الشعبي تم التحايل على نواب البرلمان العراقي بتخصيص تمويل لها في مرحلة محاربتها لداعش، وقد أقرَّ البرلمان العراقي ذلك بما فيهم نواب السُنة، وهذه كانت الخطوة الأولى التي مرَّر فيها النواب السنة مشروعية الحشد الشعبي في حينه، ومع اقتراب السيطرة على الموصل أو تدميرها وزوال حكم داعش عنها، توجهت إيران لشرعنة الحشد الشعبي في العراق على طريقة شرعنة الحرس الثوري في إيران، فالحرس الثوري الإيراني يتبع رئاسة هيئة الأركان التي يترأسها اللواء محمد باقري، كثاني مكون للقوات المسلحة الإيرانية بعد الجيش وقوات التعبئة (البسيج)، فالخطوة العراقية هي خطوة إيرانية ليس في الشكل فقط، وإنما في المضمون أيضاً، بحيث يصبح الحشد الشعبي في العراق هو الحرس الثوري في إيران، يسيطر على القرار العسكري أولاً، ومراقبة أداء الحكومة والوزراء وحتى الميزانية العسكرية والمدنية ث، أي أن شرعنة الحشد الشعبي في العراق هو تسليم مقاليد الأمور في العراق للحرس الثوري الإيراني، ولكن باسم عراقي هو الحشد الشعبي.

هذه الخطوة أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي قلقه منها، ولكنه يعلم أن بلاده لا تستطيع منعها، لأن مكتسبات أميركا من إسقاط نظام الحكم العراقي السابق هي بيد الحرس الثوري الإيراني، وقد أعلن جنرالات أميركيون مراراً أنهم لا يستطيعون منع الحشد الشعبي من القتال لاحتلال المدن العربية السنية، مثل الفلوجة والأنبار وتكريت وغيرها، وكما هو حاصل الآن في الموصل بحجة أن تعداد قوات الحشد الشعبي تجاوزت قدرات الجيش العراقي نفسه، وبالتالي فإن الخطر لا يتوقف على العراقيين، وإنما يتعداه لما تخطط له إيران في المنطقة والعالم، فمستشار خامنئي الجنرال رحيم صفوي يقول "إن العالم سوف يشهد في هذا القرن ولادة حكومة إسلامية عالمية عاصمتها إيران"، وكذلك ما أعلنه رئيس هيئة الأركان الإيراني محمد باقري بأن "إيران تخطط لبناء قواعد عسكرية بحرية لها في اليمن وسوريا"، فهل تدرك الدول العربية والخليجية والإسلامية خطورة هذه الخطوة؟

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,028,857

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"