دع المقدسات جانباً!‏

علي الكاش

قال الحسن البصري يرحمه الله تعالى "لو تكاشفتم ما تدافنتم".‏

 

عندما تتحدث عن ما يسمى (الحشد الشعبي) ضع المقدسات جانبا! القداسة لا تنطبق على أي جيش في ‏العالم منذ بداية تأسيس الجيوش النظامية ولحد الآن، فكيف يكون الحال مع ميليشيا تخص طائفة محددة، وقد ‏اعترفت المنظمات الدولية ورئيس الحكومة وبعض قادتها بإرتكابها المئات من الإنتهاكات ضد المدنيين؟!

‏الحقيقة ان إطلاق صفة الشعبي على الحشد لا يمكن هضمها، فهي مهما صنفت من قبل البعض لا تعد سوى ‏ميليشيا ولم يطرح قانونها على التصويت في البرلمان الا يوم 26/11/2016 وهذا إعتراف ضمني بأنها لم ‏تكن تمتلك صفة قانونية قبل إقرر قانونها، سواء ارتطبت بالقائد العام او بغيره. وسبق لرئيس الوزراء ‏السابق نوري المالكي ان استحدث غير نظامية كقوات سوات وغيرها وربطها بمجلس الوزراء منتعلا ‏البرلمان ونوابه، وهذا ما جرى مع الحشد أيضا. ‏

طالما ان الحشد يمثل طائفة محددة، وهو كما يزعم البعض أسس بناءا على فتوى من مرجع يمثل طائفة ‏واحدة، فلا يمكن اطلاق صفة الشعبي عليه، يمكن تسميته بالحشد الطائفي، الشيعي، المذهبي، السيستاني، ‏الحرس الثوري العراقي، أو الباسيج كما وصفها النائب الإيراني (عزت الله يوسفيان ملا) في تصريح ‏لموقع‎ ‎البرلمان الإيراني في 28/11/2016 " أن قانون إضفاء الشرعية على الحشد الشعبي وضم تشكيلاته ‏للقوات العراقية،‎ ‎أسهم في جعل الحشد قوة تشبه قوات التعبئة (البسيج) التابعة للحرس الثوري"‏‎.‎‏ وغيرها ‏من التسميات لكن ليس بالشعبي، سيما ان المرجع الذي أفتى بتأسيسه لا علاقة له بالوطن ولا الشعب ‏العراقي، لأنه فارسي، بل ورفض الجنسية العراقية متمسكا بفارسيته، وهذا بطبيعة الحال من حقه ولا ‏إعتراض عليه، لكننا نتمنى فعلا ان يكون في ايران مرجعا عربيا او عراقيا يتصرف بالحكومة الإيرانية ‏وجميع مقدراتها السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والإجتماعية، ويتمسك بقوميته ويعمل من أجل ‏وطنه الأم كما يفعل المرجع الشيعي علي السيستاني.‏

هناك إنقسام حاد في الرأي العام الشيعي حول من الذي أسس الحشد الطائفي، هل المرجع الشيعي علي ‏السيستاني أم نوري المالكي، فكل منهما يدعي الأمر لنفسه؟ الحقائق تشير بأن المالكي هو الذي أسس ‏الحشد، وإقتصر دور السيستاني على التغطية الدينية فقط. سبق أن صرح المالكي" أنا قمت بزج الحشد ‏الشعبي وطالبت بالتعبئة‎ ‎وبعد ذلك صدرت فتوى المرجعية " ويبدو أن السيستاني تورط في فتوى الجهاد ‏الكفائي كما سيتبين فيما بعد، علما انه لم يطرح فكرة الحشد الشعبي وإنما الجهاد الكفائي. والأغرب منه ان ‏السيستاني لم بعترض على تشكيل ما يسمى بهيئة الحشد الشعبي حيث انها تخالف ما جاء في الفتوى الني ‏نصت على ان ينضم المتطوعون الجدد الى الجيش وليس تشكيل ميليشيا شيعية جديدة تضاف الى العشرات ‏الموجودة على الساحة العراقية فتحول المصيبة الى كارثة. وهذا ما أكده أيضا في11/7/2014  بأن" الدعوة ‏للتطوع في صفوف القوات‎ ‎العسكرية والأمنية العراقية إنما كانت لغرض حماية العراقيين من مختلف‎ ‎الطوائف والأعراق وحماية أعراضهم ومقدساتهم من الإرهابيين الغرباء ومن هنا‎ ‎نؤكد على جميع المقاتلين ‏في القوات المسلحة ومن التحق بهم من المتطوعين، جميعاً ضرورة الالتزام التام والصارم برعاية حقوق ‏المواطنين جميعاً".‏

في لقاء للمالكي مع شبكة إيلاف الالكترونية ذكر "إذا قلت من أسس الحشد الشعبي، فأقول نعم أنا من أسس‎ ‎الحشد الشعبي، وفكرتي عن تأسيس الحشد الشعبي موجودة منذ 2012، وخاصة في‎ ‎نهاية 2012 حينما ‏اشتدت المؤامرة في سوريا". بمعنى أن مسألة تأسيس الحشد سبقت وجود تنظيم الدولة الإسلامية عام ‏‏2014، ولا علاقه له بسلفها تنظيم القاعدة بل بما سماها المؤامرة على سوريا! والمالكي عميل متجذر لولايه ‏الفقيه وبحكم عقليته المتحجرة من جهة وإلتزامه الصارم بتوجيهات الولي الفقيه من جهة أخرى، لذا يمكن ‏الجزم بأن فكرة الحشد ليست من بنات أفكاره وإنما أمليت عليه من وليه! لكننا نميل فعلا إلى أن المالكي هو ‏الذي أسس الحشد بناء على أجندة ايرانية وليست فتوى السيستاني التي أطلقها في 13/6/2014 لعدة ‏إعتبارات سنوضحها. على الرغم من ان المالكي يناقض نفسه عندما يدعى تارة أنه أسس الحشد قبل ولادة ‏داعش، كقوله" الحشد الشعبي بدأ منذ الشهر‎ ‎الثالث أي قبل سقوط الموصل". وتارة بزعم انه أسسه لمحاربة ‏داعش كتصريحة "أن الحشد تأسس لمحاربة داعش، عندما سألوني ما هو‎ ‎البديل إذا انحل الجيش العراقي، ‏فقلت لهم ليس لدينا بديل سوى التعبئة‎ ‎الجماهيرية وبعد ذلك جاءت تسمية الحشد الشعبي".‏

ان التصريحات الإيرانية بشأن تأسيس (الحرس الثوري العراقي) سبقت إدعاءات المالكي، كما ان ‏التصريحات اللاحقة كانت تتناغم مع دعوات المالكي وأقزام الولي الفقية في العراق، فهم صدى لأصوات ‏ولاية الفقيه لا أكثر. وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال تصريحات زعماء ولاية الفقيه في إيران. فقد صرح ‏‏(العميد آبنوش) قائد فيلق الحرس الثوري‎ ‎لمحافظة قزوين في كلمة ألقاها بمناسبة اسبوع العقائدية في يوم ‏‏22‏‎ ‎نيسان 2014 " أن فيلق الحرس الثوري يتم تأسيسه في دول أخرى وسيلعب‎ ‎دورا مهما في هذه البلدان ‏منها فيلق الحرس في العراق حيث يؤدي دورا مهما في‎ ‎العراق". كما صرح الجنرال (حسين سلامي) نائب ‏قائد الحرس الثوري الإيراني في 31/12/2014  بأن تغير موازين‎ ‎القوى الذي تشهده المنطقة يصب في ‏مصلحة الثورة الإسلامية الإيرانية، مشيدا‎ ‎بوجود جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإسلامية في العراق ‏وسوريا واليمن، يبلغ‎ ‎حجمها أضعاف حزب الله في لبنان". وأضاف سلامي" أن الثورة الإسلامية ارتبطت‎ ‎بأواصر مع العراق، لتتشكل هناك قوات شعبية يبلغ حجمها عشرة أضعاف حجم حزب‎ ‎الله في لبنان". (كالة ‏أنباء فارس الايرانية). ‏

كما نقلت بتاريخ 27 كانون الأول 2014(صحيفة واشنطن بوست) عن‎ ‎رجل دين مقرب من المرشد الاعلى ‏الايراني اية الله علي خامنئي قائلا أنه منذ‎ ‎حزيران الماضي" أن الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة تعتمد‎ ‎بشكل متزايد على الميليشيات القوية وقوة من المتطوعين الشيعة واسعة‎ ‎النطاق، والتي معا قد يساوي الآن ‏حجم قوات الامن العراقية". كما أفادت وكالة تسنيم الدولية للانباء في 6/11/2016 ان اللواء صفوي قال ‏خلال الملتقى العام لخصائص قيادة وادارة همداني المنعقد في جامعة الامام الحسين في طهران إن " اللواء ‏سليماني قال للسيد حيدر العبادي لايمكنكم  محاربة داعش من خلال جيش تقليدي لذلك تم تشكيل الحشد ‏الشعبي ولهذا السبب تم تنظيم القوات الشعبية من قبل همداني". وأكد صفوي أنه " تم تنظيم 20 لواء في ‏الحشد الشعبي في العراق استنادا إلى أفكار همداني". ‏

أشاد النائب الإيراني محمد صالح جوكار عضو لجنة الأمن‎ ‎القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني ‏في 17/5/2016  بتشكيل قوات "حرس ثوري" في العراق‎ ‎على غرار الموجود في إيران، عبر دمج ‏الفصائل والمليشيات الشيعية في العراق‎ ‎وجعل مليشيا (سرايا الخراساني) نواة لها‎.‎‏ وقال جوكار إن " ‏تجربة الحرس الثوري‎ ‎أصبحت ناجحة ورائدة لدول المنطق. وإذا أرادت أي دولة في‎ ‎المنطقة تشكيل قوات ‏مماثلة على غرار قوات الحرس الثوري الإيراني، فنحن‎ ‎جاهزون في إيران لتقديم تجربتنا والاستشارة بهذا ‏الخصوص. إن على‎ ‎العراق تطبيق التجربة الإيرانية بخصوص حرس الثورة ونحن على أتم الاستعداد‎ ‎لتزويد العراقيين بنمط وهيكلية هذه القوات، ليتمكن العراق من تشكيل قوات‎ ‎حرسه. أن تجربة الحرس ‏الثوري نجحت في سوريا واليمن والعراق". مضيفا"  "تجربة حشد الناس على تشكيل قوات شعبية تمسك ‏بزمام الأمور كانت من‎ ‎أهم إنجازات قوات الباسيج في سوريا والعراق واليمن، وهذا النمط من تحشيد‎ ‎الشارع يعد تجربة خاصة بالباسيج". مؤكدا "إيران كان لها دور بارز في‎ ‎تشكيل الحشد الشعبي في العراق ‏وتشكيل قوات ما يسمى (الدفاع الوطني) في‎ ‎سوريا، وفي تجربة الحوثيين في احتلال صنعاء". ‏

كما إعترف قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري في 8/5/2015 ، أن تم " تسليح 100 ‏ألف من الشباب الثوري والمؤمن في قوات الحشد الشعبي" التي قاتلت واوجدت رصيدا عظيما للدفاع عن ‏الاسلام والسيادة الاسلامية والثورة الايرانية في المنطقة. أن نظام الهيمنة الغربي بات يخشى من توسع ‏الهلال الشيعي في المنطقة، والذي يجمع ويوحد المسلمين في إيران وسوريا واليمن والعراق ولبنان". ( ‏موقع محطة برس تي  الإخبارية الإيرانية). بتأريخ 14/1/2015 صرح صادق السعداوي رئيس اركان ‏مليشيا خامنئي التي تتخذ تسمية الحشد الشعبي‎ ‎في العراق "ان عدد قواتهم حوالي 100 الف عنصر ‏بالعراق ويتسلمون رواتبهم‎ ‎بصورة منتظمة وتصل الى حدود 700 دولار شهريا وليس كما يشاع عن عدم ‏تسلمهم‎ ‎الرواتب". وصرح الجنرال (حسين سلامي) نائب قائد الحرس الثوري الإيراني في 31/12/2014  ‏إن تغير موازين‎ ‎القوى الذي تشهده المنطقة يصب في مصلحة الثورة الإسلامية الإيرانية، مشيدا‎ ‎بوجود ‏جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإسلامية في العراق وسوريا واليمن، يبلغ‎ ‎حجمها أضعاف حزب الله في ‏لبنان". وأضاف سلامي "الثورة الإسلامية ارتبطت‎ ‎بأواصر مع العراق، لتتشكل هناك قوات شعبية يبلغ ‏حجمها 10 أضعاف حجم حزب‎ ‎الله في لبنان". (وكالة أنباء فارس الايرانية). ‏

لذا لم يكن غريبا أن تنفرد القيادة الإيرانية بالعزف على وتر الإشادة  بقانون الحشد دون غيرها، بل أن ‏خامنئي أرسل رسالة شكر الى ما يسمى برئيس مجلس النواب سليم الجبوري! لاشك أن إيران مبتهجة ‏بهذا الحدث الذي طولٌ من ذراعها في المنطقة ونسف ما يسمى بالتفاهمات مع الشركاء في العراق وفق مبدأ ‏دكتاتورية الأغلبية، كما أنها ستستخدم الحشد الشيعي العراقي للتدخل في شؤون دول الجوار بدلا من البسيج ‏لتقليل الخسائر البشرية التي تكبدتها في سوريا، وهذا ما عبر عنه نائب‎ ‎القائد العام للحرس الثوري العميد ‏حسين سلامي في 28/11/2016 إن " فكر‎ ‎الباسيج لا يعرف الحدود الجغرافية، ولا يوجد اختلاف بين ‏الحرس‎ ‎والباسيج وكلهم لديهم أهداف مشتركة ويحاربون في خندق واحد، وإن فكرة عالمية‎ ‎الباسيج تحققت ‏على يد المرشد الحالي علي خامنئي وعبرت حدود إيران". (صحيفة جام جم). ‏

إذن الحشد الشيعي سيقوم بمهة الحرب بالنيابة عن ولاية الفقيه وهذا ما عبر عنه نوري المالكي وهادي ‏العامري وعدد من زعماء الحشد بالتدخل في سوريا واليمن بعد الإنتهاء من معارك الموصل، صرح نوري ‏المالكي في 22/10/2016 خلال كلمته في مؤتمر الصحوة الإسلامية الذي عقد في بغداد" قادمون يا نينوى، ‏قادمون يا رقه، قادمون يا حلب، قادمون يا يمن، قادمون في كل المناطق التي يقاتل فيها المسلمون الذين ‏يريدون الإرتداد عن الفكر الإسلامي". كأنما لا يكفيهم ما قدمه العراق من تضحيات بشرية ومادية في ‏حروب الوكالة! لكن كيف تفهِم  شيعة السلطة وهم دمى عرائس تحركها أصابع الولي الفقيه، هذا من جهة؟ ‏وكيف تفهِم بسطاء الشيعة الذين يُساقون كالخراف الى مجزرة ولاية الفقيه من جهة أخرى؟ كما أن ‏تخصيص المليارات من خزينة الدولة العراقية للحشد سيخفف عبء الضغط المالي عن إيران التي كانت ‏تمول الميليشيات الشيعية التابعة لها، سيما بعد تمديد الحصار الإقتصادي على البلد لعشر سنوات قادمة. ‏وأخيرا ضَمن نظام الملالي ضعف الجيش العراقي بل وإنتهاء دوره الوطني، وتحوله الى رديف للحشد ‏وليس العكس كما يزعم التحالف الشيعي، وسوف لا تقوم له قائمة بعد أ أقر قانون الحشد. أن حلٌ الجيش ‏العراق أو إضعافه على أقل تقدير هو مطلب إيراني ـ كردي كما هو معروف، كل من الطرفين يخشى ‏تعاظم قوة الجيش العراقي، ويسعى جاهدا الى تقويه ميليشياته.‏

بعد هذا الإستعراض لا يمكن لعاقل أن يحاجج بأن  مخاض وولادة الحشد الشيعي عراقية أصيلة، أنها إرادة ‏إيرانية بحته لتدمير ما تبقى من العراق.

وسوف نناقش مسألة ولاء الحشد وممن يتسلم توجيهاته لتكتمل ‏الصورة لمن يعاني من تشوش في الرؤية الوطنية والعربية، في مقال قادم بعون الله.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,027,264

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"