ارتهان القرار السياسي بيد المؤسسة الدينية

ضرغام الدباغ

مدخل

بينما كنت أطبع الكتاب: ألبرتو ومحاربو الشمس، وهو عمل ممتاز كنت قد ترجمته في وقت سابق، يبحث في التاريخ السياسي والحضاري، للمكسيك قبيل وبعيد الاحتلال الأسباني لها وتدمير ‏الحضارات التي كانت قائمة هناك، انتبهت للفقرة (د) من الفصل الخامس، وأعتقد أننا يجب أن نمنح ‏عناية خاصة لمطالعة هذا النص.‏

 

المفارقة هنا أن تمتلك المؤسسة الدينية حق إصدار القرارات السياسية، وبعض من تلك القرارات ‏ستلعب الدور الحاسم في تاريخ الشعوب ومستقبلها إلى آجال غير محددة. المؤسسة الدينية عندما تكون ‏هي صاحبة القرار، ولا أظنها تقبل بدور المشارك الثانوي، فالمؤسسة الدينية تنفرد بخاصية معروفة، ‏هي أنها تعتبر نفسها المقام الأول ولا يوجد مقام ثاني وثالث، هي على صح، وغيرها سيان من يكونوا ‏على خطأ ذلك أنها تمثل إرادة الرب، وماذا يمثل الآخرون ..! وفي حين أنهم بشر عاديون، ولكنهم ‏يزعمون تمثيل الآله- الله  أو إرادته ...! ‏

المصالح البشرية والوطنية لا تساوي فلساً واحداً (في هذه الأيام سنتاً واحداً) في عرفهم، إذن نحن أمام إشكالية سياسية لها طابع خاص. ففي العلوم السياسية المعاصرة، يتخذ القرار السياسي ‏عبر قنوات عديدة، وقياس حسابات دقيقة، وردود أفعال محتملة، وموقف عناصر وجهات كثيرة، وجرد ‏لقدرات ومستودعات الإرادة الذاتية، وقدرات الجهات المقابلة، وينبغي أن يشارك في صياغة القرار ‏السياسي، وتستخدم حتى الرياضيات العالية في تقدير قوى أطراف الموقف، وهي عملية تتطلب الدقة ‏بأعلى درجاتها، ويستحسن التأني بها وأن لا تكون ارتجالية سريعة فتعرض القرار لمصاعب في ‏التنفيذ. وكلما كان القرار يمس مرتكزات الدولة، كانت عملية اتخاذ القرارات تكتسب أهمية استثنائية ‏تستلزم أقصى قدر من الفحص والتمحيص.‏

المؤسسة الدينية لا تحتاج لكل ذلك، ربما تكتفي برؤية طالع النجوم، أو إجراء أستخارة، أو السؤال من ‏كاهن لا يعرف جدول الضرب ..! بيد أن الكاهن إن نطق، فقد وقع الفاس بالراس ولا مرد لقراره. ‏الكاهن لا يقر بلعبة التوازنات، ولا يعترف بإقامة الائتلافات والتحالفات بين قوى متعددة ‏الأيديولوجيات، فالآخرون برأيه قد يكونون: مردة، كفرة، هراطقة، زنادقة.‏

 

مالعمل؟

التاريخ بتطوره حل هذه الإشكاليات، وما تبقى هي الذكرى فحسب .. أما من لا يزال يعيش في حمى ‏الذكرى فالتجربة وأحداث التاريخ المقبل ستكون خير معين له، هذا إن كانت هناك ثمة فائدة من ‏التجربة، ومن يستفيد منها.‏

‏ وفي بعض الأحيان لا توجد فائدة للأسف من التجربة، فأنت لا تستطيع القول فلنجرب ماذا يحدث إن ‏ضغطت على زناد سلاح ناري مصوب إلى الصدغ، فالسلاح الناري سيحدث فجوة محترمة في ‏الجمجمة بما لا يمكن معها إعادة التجربة.‏

نحن نضرب الأمثال، ونتوسل من عبر التاريخ أن تكون مؤثرة في وعي الناس.‏

‏***********************************************‏

 

هبوط الآلهة

‏(الفقرة الثامنة من الفصل الخامس)‏

البرتو محاربو الشمس

تأليف: رولاند كوربر

ترجمة: د. ضرغام الدباغ

رويتلينغن 1960 / ألمانيا الاتحادية

دار النشر: أيسلين ولايبلين

نزل الأسبان في المكسيك عام 1519 بقيادة هيرناندو كورتيس ‏Hernando Cortez‏ حيث كان الملك ‏موكتيسوما الثاني يحكم الأزتيك. وكان الأزتيك يسمون تلك السنة ب (قصب 1) لأن اليوم الأول من ‏تلك السنة من تلك السنة يحمل هذا الاسم، وكانت السنة تسمى باسم اليوم الأول منها.‏

والسنة "قصب 1" كان لها أهمية خاصة في معتقدات الأزتيك، إذ أن آلهة الضوء، نجمة الصباح " ‏كويتسالكواتل " والذي كانت سنة ولادته في عام قصب يسمى (أمير قصب 1) قد غادر البشرية بعد ‏‏52 عاماً من ولادته، ثم عاد بعد سنة واحدة. وبعد النصر أصبح المعلم العظيم للبشر. وكان يشغل ‏منصب الملك والكاهن الأكبر فيها، وكانت الظروف والأحوال تشابه الجنة، ولكن الناس لم يكونوا ‏يظهروا له الاحترام والتقدير الكافيين، لأن ملك الآلهة في كويتسالكوتابل قد غادرهم، فقد صعد مع ‏المقربين إله إلى سفينة في خليج مكسيكو، ونادى عليه الناس أن يعود في عام القصب لكي تسود ‏العدالة(هكذا الأسطورة).‏

وعندما لاحظ سفراء ملك الهنود موكتيسزوما الثاني في عام القصب التي تقابل عام 1519 ميلادية ‏بخبر عن نزول البيض، إذ لم يكن يشك ولا لحظة واحدة، بأن كويستاكواتل قد عاد مع المقربين إليه، لا ‏سيما وأن الإنزال قد جرى في نفس الموقع(حسب الأسطورة). وكان ملك نجمة الصبح قد ركب زورقه ‏‏(الآلهة البيض) كانت لهم لحى، وحتى كويستاكواتل كانت له لحية، وهذا يعني شيئاً كثيراً للهنود الذين ‏لم يكونوا يطلقوا لحاهم، وقد نزلت حيوانات ضخمة، ربما هي آلهة، إذ أن الهنود لم يكونوا يعرفون ‏الخيول التي ظهرت لهم كمخلوقات من العالم العلوي، كما كان قصف المدفعية الأسبانية قد من عزز ‏قناعتهم من أن القادمين يتمتعون بقوة الآلهة.‏

وما لم تكن تلك علامة مقبضة للنفس، التي أكدت هذه الإحداث. فالملك موكيتزوما ما يزال يتذكر ‏شخصياً ذلك اليوم الذي جلب فيه له الصيادون طيراً مائياً كان يحمل فوق رأسه مرآة وبوسع المرء أن ‏يشاهد في هذه المرآة السماء والنجوم. ولكن حين تطلع الملك في المرآة، شحب لونه، إذ علم أن هناك ‏كثير من المحاربين يقتربون وهم يمتطون ظهور حيوانات كبيرة غير معروفة عام 1509، وكانت ‏هناك نار كبيرة يتصاعد لهيبها من الأرض إلى السماء. وعندما شاهدها الملك، هكذا يحدثنا المؤرخ:  " ‏لم يظهر احتراماً وتقديراً للسلطة، وأعطى، في الحال الأوامر بإيقاف القتال والحرب ". والآن قد حلت ‏سنة قصب، وها هو كويتساكوابل قد جاء مع لإحلال العدل.‏

وعندما يقرأ المرء التقارير الأسبانية عن احتلال المكسيك يتساءل، لماذا لم يرسل ملك الأزتيك جيشاً ‏كبيراً إلى الساحل ليطردوا ال 500 أسباني برغم تسليحهم الحديث. وهذه الأفكار يناقشها الناس اليوم ‏فقط، ولكن الأزتيك كانوا يعيشون في عالم كان القرار فيه للآلهة النجوم، ونحن نعلم بالتأكيد، بأن ‏الحرب إنما تتم بتوجيه من الآلهة إلى الجن والعفاريت، ولكن كل شيئ يتحدث هنا ضد مثل هذا ‏القرار.‏

انتهى النص

‏وهنا يكمن السر لماذا لم يقاوم الأزتيكيون احتلال الغزاة الأسبان لبلادهم، رغم أن ذلك كان بمقدورهم، ‏لسوء حظ الشعب أن الكهنة لم يوافقوا.. فهم تحت وهم أسطورة أنه الإله المختفي قد عاد، والشيء ‏بالشيء يذكر.... لمن شاء أن يتذكر....!‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,624,890

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"