المنهج الإرهابي!‏

جاسم الشمري

هنالك قضايا في الملف العراقي شائكة ومحيرة، تناولها يجعلك تسير على حبل رفيع ‏لأنك في أي لحظة ستكون في خانة العملاء للوطن، أو المتعاطفين مع الإرهاب، ‏ومنها مسألة التركيز على الكوارث التي لحقت بالمناطق التي سيطر عليها مقاتلوا ‏‏"داعش"، وجعلوا أهلها بين مطرقتهم من جهة وسندان المليشيات والقوات الحكومية ‏والدولية من جهة أخرى.‏

 

الكاتب والصحفي والإعلامي الذي لا ينقل الحقيقية خائن لمبادئه، وقيمه، لأن نقل ‏الحقيقة هي الأصل في العمل الصحفي والإعلامي، ولا يمكن تصور بناء الأمم ‏والأوطان عبر بوابات التملق والتزلف وخداع الجماهير، لأن توصيف الحالة ‏الايجابية، أو السلبية بدون رتوش هو جزء من الإنصاف ونصف العلاج.‏

لنتفق بداية على أننا جميعاً ضد الإرهاب، المتمثل بقتل المدنيين العزل وتهجيرهم ‏وتخويفهم وسرقة أموالهم، وكل من يقوم بهذا الفعل فهو إرهابي لا يمكن التعاطف ‏معه، أو الوقوف معه.‏

ما حصل في الموصل والرمادي والفلوجة وديالى وصلاح الدين ومناطق حزام بغداد ‏من قتل وتهجير وتدمير وتخويف بحجة مقاتلة "داعش" لا يختلف كثيراً عن إرهاب ‏أي منظمة إرهابية في العالم، وهذا يؤكد أن المنهج الإرهابي متشابه، وهذا الإرهاب لا ‏يمكن أن يقود لبناء الدولة. ‏

الدولة التي تحترم مواطنيها وتحافظ على حياتهم لا تقبل بإرهابهم بحجة أنها تكافح ‏الإرهاب.‏

وفي هذا الملف سننقل شهادات محايدة تؤكد حجم كارثة العراق، وليطلع العالم على كم ‏المآسي والحروب الانتقامية الجارية بحجة مقاتلة "داعش" والقضاء على إرهابه، ‏ونترك الحكم بعدها للتاريخ ولمحبي السلام والكارهين للإرهاب.‏

الأمم المتحدة انضمت للأطراف المؤيدة لحجم الكارثة في الموصل، حيث أكدت ‏المنظمة الدولية (يوم 6/ تموز، 2017) بأن "نسبة الدمار التي حلت بالمدينة فاقت كل ‏التوقعات، وأن التوقعات كانت بأن تصل تكلفة إعادة أعمار مدينة الموصل إلى 500 ‏مليون دولار، لكن بعد مشاهد الدمار تلك فإن تكلفة إعادة الإعمار ستكلف مبلغ أعلى ‏بكثير، وإن نسبة الدمار التي لحقت بالموصل وبحسب مصادر عراقية، بلغت نحو ‏‏70%، وإن ستة من أحياء غرب الموصل قد دمرت بالكامل، كما أن أكثر من 11 ‏ألف منزل تم هدمها".‏

نسب الخسائر البشرية والدمار في الموصل بلغت - وفقاً لحكومتها المحلية- لأرقام ‏مذهلة " وقد قتل – وفقاً لمصادر عراقية وألمانية- أكثر من 16 ألف مدني، وجرح ‏أكثر من 30 ألف آخرين، ويمثل الرجال والنساء 61% من الضحايا، وتجاوزت ‏خسائر المدينة 41 مليار دولار. شملت تدمير 9 مستشفيات من أصل 10، و 76 ‏مركزاً صحياً من أصل 98، وتدمير 6 جسور على نهر دجلة، وتدمير 308 مدرسة، ‏وتدمير 12 معهداً طبياً وتقنياً وفنياً، وتدمير جامعة الموصل وكلياتها، وتدمير 10 ‏آلاف و700 منزلاً حتى الآن، وتدمير 4 محطات للكهرباء،  وتدمير 6 محطات ‏للمياه، وتدمير معمل أدوية نينوى، وغير ذلك من الدوائر الخدمية في المدينة".‏

تخيلوا الأرقام المذكورة آنفاً " نسبة الدمار بلغت نحو 70%، وتدمير ستة أحياء غرب ‏الموصل بالكامل، وأكثر من 11 ألف منزل تم هدمها، ومقتل أكثر من 16 ألف مدني، ‏وجرح أكثر من 30 ألف آخرين، وغير ذلك"! فهل يُعقل أن هذه القوات جاءت ‏لتحرير الموصل، أم لتدميرها، والانتقام من أهلها؟!‏

أين "تحرير" الموصل مع هذا التدمير، وهل سيسلمونها لأهلها حجراً على حجر، ‏ويقولوا لهم تفضلوا: حررنا لكم مدينتكم!‏

بأي منطق يكون هذا التدمير تحريراً، وكيف يمكن لأهالي الموصل والأنبار وغيرهما ‏أن يقبلوا بهذا "التحرير التدميري" وهم يرون بيوتهم ومناطقهم وأملاكهم محطمة ‏ومسروقة، وهم بين قتيل ومهجر ومعتقل؟!‏

القضاء على الإرهاب لا يكون بتدمير المدن على رؤوس ساكنيها وإنما بتجفيف منابع ‏تغذية الإرهاب، وأوضح تلك المنابع استمرار الظلم والتهميش وانتشار المليشيات وقتل ‏الأبرياء وغياب القانون، وكل هذه العوامل الآكلة للوحدة الوطنية يجب علاجها، ثم ‏بعد ذلك نتحدث عن الإرهاب ومكافحته!‏

المنهج الإرهابي يُحارب بالعدل والإنصاف لضمان الحاضنة الشعبية، ولا يحارب ‏بالتدمير والتهميش والقتل على الهوية!‏


نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,049,990

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"