كشفت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير بقلم جيمس ريزن نشرته بتاريخ 12 تشرين الأول/ اكتوبر 2014 بأنه بعد احتلال القوات الأمريكية للعراق سنة 2003، بدأت قوافل سيارات الحمل تصل بصورة منتظمة إلى مطار قاعدة اندروز الجوية خارج واشنطن لتفريغ حمولتها غير الاعتيادية التي احتوت على أكداس من الأوراق النقدية فئة 100 دولار.
وكانت هذه المبالغ النقدية قد سحبت من حسابات الحكومة العراقية التي كانت محجوزة في الولايات المتحدة، والتي تم في ما بعد تحميلها على متن طائرات الشحن الأمريكية نوع سي – 17 المتجهة إلى بغداد، حي كانت تأمل الولايات المتحدة بأن تقدم مساعدة عاجلة للحكومة العراقية الجديدة في بغداد واقتصادها المنهار.
وفي غضون سنة ونصف السنة من عمليات النقل الجوي تلك، كانت الولايات المتحدة قد ارسلت إلى العراق جواً مبالغ تتراوح ما بين 12 – 14 مليار دولار، في حين تم ارسال مبلغ خمسة مليارات دولار أخرى الى الحكومة العراقية عبر تحويلات مصرفية. وقد أصبح مصير هذه المبالغ الهائلة بعد وصولها إلى بغداد واحدا من الأسئلة التي لا زالت تبحث عن جواب في أعقاب الفوضى التي حلت بالبلاد بعد الاحتلال الأمريكي.
وقد عهدت مسؤولية الاجابة على ذلك السؤال إلى ستيورات باوين، وهو أحد اصدقاء الرئيس جورج بوش، الذي عين سنة 2004 كمفتش عام للتحقيق في قضايا الفساد والهدر في العراق. وقبل غلق مكتبه في السنة الماضية، بات السيد باوين على قناعة بأنه نجح ، وإن بشكل جزئي، في انجاز مهمته.
لقد وجد باوين بأن الحكومة العراقية ربما كانت قد انفقت هذه الأموال بطريقة ما. غير أن باوين لم يتمكن لسنوات طويلة من التعرف على مصير مليارات الدولارات المفقودة قبل أن يحرز مفتشوه اختراقا في التحقيق عندما اكتشفوا بأن مبلغا يتراوح ما بين 1.2 – 1.6 مليار دولار كان قد سرق ونقل إلى قبو سري في ريف لبنان لفترة من الوقت.
يقول باوين "لا أعرف كيف وصل هذا المبلغ إلى لبنان. لو كنت أعلم ذلك لتمكنت من تحقيق مزيد من التقدم في التعرف على مصيره".
وقد احتفظ باوين بهذا السر لفترة طويلة حيث لم يصرح به إلى وسائل الاعلام، لكن احباطه كان يتزايد كلما لاحظ تلكؤ اجراءات المتابعة والتعرف على مصير الأموال المسروقة، حتى تضاعفت هذه الاحباطات عندما لاحظ إن ادارة الرئيس بوش لم تتخذ أي اجراء لدى معرفتها بسرقة هذا المبلغ ووصوله إلى لبنان.
واضاف باوين بأن محققيه اوجزوا المسؤولين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي. آي .أي ومكتب التحقيقيات الجنائية الأمريكي إف. بي. آي بشأن النتائج التي توصلوا إليها، غير أنه يعتقد بأن سبب عدم اتخاذ اي اجراء يرجع إلى حقيقة "أن الأموال المسروقة عراقية وان اللصوص عراقيين وأن الأموال ولم تكن من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين".
كما أن الحكومة العراقية هي الأخرى لم تحاول استعادة الأموال، وابقت المعلومات سراً، إذ بيّن باوين بأنه تحدث إلى رئيس الوزراء في حينه نوري المالكي حول المبلغ المفقود وعن النتائج التي توصلت اليها تحقيقاته لكن المالكي لم يتخذ أي اجراء، واكتفى بالتعبير عن غضبه حيال الطريقة التي ادارت فيها الولايات المتحدة عملية نقل الأموال جواً.
وفي مقابلة من رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة، بول بريمر، دافع الأخير عن طريقة التعامل مع أموال العراق قائلا بأن العراق كان بأمس الحاجة لهذا الاموال، مؤكدا بأن الأموال نقلت جواً سنة 2004 قبيل انتهاء مهام سلطة الائتلاف وتسليم زمام الأمور إلى حكومة عراقية مؤقتة. وقال بريمر أنه في الاسبوعين الأخيرين من شهر حزيران/ يونيو 2004 طلبت سلطة الائتلاف المؤقتة 4-5 مليارات دولار نقدا لكي ترسل لها من نيويورك إلى بغداد جواً على وجه السرعة، مشيرا إلى ان الحكومة العراقية كانت مفلسة في ذلك الوقت وان الموظفين العراقيين لم يتسلموا رواتبهم لمدة ثلاثة أشهر. وفي حين أكد بريمر أن بحوزة سلطة الائتلاف سجلات دقيقة تشير إلى الجهات التي تم تسديد المبالغ اليها، نفى باوين صحة ما قاله بريمر، مشيرا إلى أن السجلات الدقيقة كانت شحيحة وأن المسؤولين الحسابيين في لجنته التقوا بالعديد من الخبراء في سلطة الائتلاف المؤقتة وأنهم علموا من هؤلاء الخبراء بأن الرقابة على أموال صندوق التنمية الخاص بالعراق كانت غير كافية، مضيفاُ "نحن لم نختلق هذا الأمر، بل علمناه من كوادر سلطة الائتلاف المؤقتة".
كما نقل باوين عن مسؤولين سابقين في وزارة الخزانة الأمريكية قولهم بأنهم لم يعلموا بأمر الرحلات الخاصة بنقل الأموال وأن الحكومة العراقية كانت قد أصدرت عملتها المحلية الخاصة بها في شهر تشرين الأول/ اكتوبر من ذلك العام وعليه لم يروا ضرورة لمزيد من شحنات النقد إلى العراق.
اضاف باوين بأن تحقيقات مكتبه اتخذت منحى جادا عندما تلقت معلومات شديدة الحساسية مطلع سنة 2010 جاء فيها بأن أموالا عراقية مسروقة مخبأة في قبو محصن تحت الأرض في ريف لبنان.
وجاء في المعلومات التي وفَّرها أحد المخبرين بأن مع تلك الأموال توجد أيضا سبائك ذهبية تقدر قيمتها بنحو 200 مليون دولار تعود جميعها للحكومة للعراقية.
وأوضح باوين أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لم تبد اهتماما كبيرا بالامر، أما مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي فقد رأى انه لا يمتلك صلاحية التدخل في هذا الامر. واضاف بأن السلطات الأمريكية لم تسمح له بالسفر إلى لبنان لمتابعة تحقيقاته وأن اثنين من مساعديه سافرا إلى لبنان لمواصلة تحقيقاتهم وأرادا زيارة القبو السري للاطلاع مباشرة على الأموال غير أن السفارة الأمريكية لم تسهِّل مهمتهما.
ولدى لقاء هذين المساعدين بالمدعي العام اللبناني الجنرال سعيد مرزا واطلاعه على الأمر وافق ميرزا على التعاون مع المحققين الأمريكيين غير أنه عدل عن رأية في وقت لاحق، فيما رفضت السفارة الأمريكية في بيروت السماح للمحققين المذكورين بزيارة القبو للإطلاع بشكل مباشر على الأموال بحجة أن العملية خطيرة.
أخيرا، قال المفتش الخاص باوين الذي انتهت مهمته سنة 2013 بأنه يعتقد بأن جزءا من الأموال على الاقل تم تحويلها من ذلك القبو السري وأنه من المستحيل معرفة مصيرها حاليا.