كيف يمكن القضاء على تنظيم «داعش» في سوريا؟

علي حسين باكير

بعض الأمور لا تحتاج إلى اختراع، فهناك بديهيات للتعامل معها، ولا شك أنّ محاربة تنظيم «داعش» لا تحتاج إلى اختراع وصفة، وإنما تحتاج إلى إرادة سياسية صادقة تبتغي معالجة المرض وليس تسكين الألم إلا إذا كان الهدف هو وراثة المصاب بالمرض، فيمكن حينها التفنن في ادعاء علاجه وانتظار موته لوراثته.

من هذا المنطلق، لا يمكن القضاء على «داعش» من دون التعامل مع نظام الأسد، فإعطاء «داعش» الأولوية مع تجاهل تام لجرائم الأسد التي تفوق بمئات المرات جرائم «داعش» كمّا وبشاعة يعطي رسالة خاطئة مفادها أننا نقاتل داعش لمصالحنا الخاصة وليس لهدف سامٍ أو لإنقاذ ضحايا داعش من وحشية التنظيم. وإذا كان هذا هو الأساس، فعندها سيكون لكل مصلحته أيضا، ومصلحة السوريين بالتأكيد بعد أربع سنوات من المجازر التي تعرضوا لها ليست مع نظام الأسد، حتى وإن اضطروا أن يكونوا مع الشيطان نفسه.

إعطاء الأولوية لمحاربة تنظيم «داعش» مع ترك النظام حرا في الاستمرار بالقتل بالطائرات والصواريخ والبراميل المتفجرة والكلور يعني تخيير الناس بين «داعش» والأسد، وسيختارون بالتأكيد أي أحد باستثناء الأسد، وهذا يعني أن سياسة التحالف المتّبعة تعزز من موقع «داعش» عندما يتعلق الأمر بخيارات المظلومين. التعامل مع الأسد قد يأخذ أشكالا متعددة، ولطالما تذرعت الولايات المتّحدة بأنه لا حل عسكري للأزمة السورية، وأن على الأطراف التوصل إلى حل سياسي.

لا يزال موقف الولايات المتّحدة على حاله بهذا الخصوص ولم يشهد أي تغيّر بتاتا، وعلى فرض أن واشنطن كانت صادقة فيه أيضا، فإن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه من دون الضغط على النظام وتغيير موازيين القوى على الأرض ضده.

إبقاء سلاح الطيران والبراميل المتفجرة ورقة بيد الأسد لن تخدم الهدف النهائي، ناهيك عن أن قتال تنظيم «داعش» دون اتخاذ أية خطوات مماثلة تجاه الأسد لن يؤدي
سوى إلى تقوية الأسد.

ثانيا: لا يمكن القضاء على داعش إلا من خلال المجتمع السني، وهذا يتطلب بدوره أمرين: الأول، تأمين البيئة المناسبة لإعادة المهجرين والنازحين إلى مناطقهم التي تحوّلت إلى مناطق خالية، مما سرع من عملية سقوطها بيد «داعش»، وذلك يتم من خلال التحضير لمناطق آمنة معززة بإعطاب أو تعطيل أو تدمير المطارات أو ما تبقى من الطائرات لدى الأسد أو شل حركتها عبر منطقة حظر طيران حتى تعود الناس وهي آمنة على أنفسها من النظام السوري. أما الثاني، فهو تسليح المعارضة السورية بما يمكنها كمّا ونوعا من مواجهة الأسد وتنظيم «داعش». ورغم أنها عملية صعبة جدا، فإن الثوار أثبتوا قدرتهم على الصمود بأسلحة متواضعة جدا في وجه عدة أعداء يفوقونهم قوة دفعة واحدة.

«داعش» تمتلك أسلحة أميركية وصينية حديثة وبكميات كبيرة، وهذه لا يمكن مواجهتها إلا بما يقابلها على الأقل من حيث الحداثة كما ونوعا. وفي ظل الفيتو الأميركي المستمر على تسليح المعارضة بأسلحة نوعيّة وكذلك رفض إقامة منطقة آمنة أو عازلة، فإن المهمّة الأميركية تبدو بعيدة كل البعد عن أهداف المعارضة السورية والشعب السوري.

ثالثا: مواجهة الموارد المالية لتنظيم «داعش» أمر مهم، لكن قصف منشآت النفط وأماكن تخزين القمح لن يضر بالتنظيم فقط، بل سيؤثر على حياة الناس العاديين في المناطق المنكوبة، والذين هم في أمس الحاجة إلى الوقود والقمح لآسيا، والشتاء قد بدء عمليا وسيواجهون ظروفا هي الأصعب على الإطلاق حتى اليوم.

لا بد من تمكين الحكومة السورية المعارضة من ممارسة مهامها داخل سوريا، وتوسيع قدراتها على التمويل الذاتي من خلال تسليمها حقول النفط والمصافي بدلا من تدميرها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعابر الحدودية. ضرب هذه المصادر الحيوية دون تأمين بديل للشعب المقهور والمحروم، والذي يعاني الجوعَ في الداخل مع تراجع تقديمات الأمم المتحدة قد يؤدي لزيادة نقمة الناس، ليس على داعش وإنما على واشنطن والتحالف الدولي، ما يعني أنّ التحالف يقوم عبر هذه الطريقة بتأمين آلية تجنيد جديدة لتنظيم «داعش»!

رابعا: الضربات الجوية أمر مهم لإضعاف تنظيم داعش، لكنّها الآن تفتقد إلى المعلومات الدقيقة، ولذلك فإن عددا كبيرا منها أخطأ أهدافه، وهذا يفترض ويتطلب التنسيق مع عناصر بشرية على الأرض لإعطاء الحيثيات المناسبة والدقيقة، وفي هذه الحالة نتحدث عن المعارضة السورية. الضربات الخاطئة أو تلك التي تصيب المدنيين وتعزز من حالة النقمة، وقد تدفع العديد من الناس إلى التحوّل إلى صف «داعش»، آلية أخرى من آليات التجنيد لـ»داعش».

خامسا: محاربة الإرهاب تفترض انسجاما مع النفس ومبدئية في التعامل، لا يجوز تصنيف بعض الجماعات كإرهابية وشن حروب ضدها فيما يتم إعفاء جماعات إرهابية أخرى كتلك التابعة لإيران في سوريا من تبعات أعمالها الإجرامية، وغض النظر عن جرائمها لمجرّد أنّها مدعومة من قبل دولة، أو لمجرد أن هناك حاجة لها كحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الانفصالي الذي سبق له التعامل مع النظام السوري وقمع ثوارا عربا وأكرادا واشتبك مع المعارضة السورية المسلحة، وإلا فإن كل ما سيتم فعله سيفسر على أنه التقاء مع هذه المجموعات الإرهابية في الأهداف «أي القضاء على المجموعات السُّنّية فقط» وهو الأمر الذي سيعزز من الشعور بالقهر والتآمر ووجود صفقات على باعتبار أن محاربة طرف واحد هي في حقيقة الأمر إفساح في المجال للطرف الآخر للتسيد عمليا على الأرض.

من دون أخذ هذه العناصر بعين الاعتبار، فإن أي عملية عسكرية ضد داعش في سوريا ستفشل حتما، وإن بعثرت التنظيم وأضاعته على المدى التكتيكي، إلا أن مفاعيلها الاستراتيجية ستؤدي إلى إنتاج «داعش» أخرى أكثر توحشا.

 

نشر المقال هنا.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,627,613

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"