إنتقد كثيرون مشروع القرار الذي قدمته مصر، نيابة عن المجموعة العربية، الى مجلس الأمن يوم 18/12/2017، الذي إعتبر اي قرار او عمل يهدف الى تغيير الوضع في القدس باطل ولاغ.
وقال المنتقدون إن عدم اشارة المشروع الى الولايات المتحدة هو ثغرة قادت أميركا الى استخدام الفيتو، ولو أشير في مشروع القرار الى قرار الحكومة الأميركية نقل سفارتها الى القدس لإعتبرت الولايات المتحدة طرفا في النزاع، ولما حقَّ لها التصويت عليه بموجب المادة (27) الفقرة (3) من ميثاق الأمم المتحدة.
وللرد على هذا الرأي أقول:
أولا: مجلس الامن جهاز سياسي وهو الذي يفسر صلاحياته وقراراته، وبالذات الخمسة الدائمون، لذلك يصعب الاحتجاج بحرفية النص، ولدينا سوابق كثيرة فسّر المجلس فيها صلاحياته خلافا للنص، ومنها جاء في نفس المادة 27 الفقرة (3)، التي اشترطت التصويت الإيجابي (affirmative vote) لتسعة أعضاء بضمنهم الأعضاء الدائمون الخمسة من أجل صدور القرارات، لكن الخمسة الدائمون قرروا ان التصويت بالامتناع هو (تصويت إيجابي) خلافا للنص، وطبعا المثل الأشهر هو تجاهل الخمسة الدائمون للمادة 42 الفقرة 2 من الميثاق تنص على ان يعمل مجلس الامن وفق مقاصد الميثاق، وقرارات مجلس الأمن بشأن العراق منذ 1990، بدءاً بقرار الحصار الشامل على العراق (661) خرقت اغلب مبادئ وبنود الميثاق وبخاصة تلك التي تؤكد على الحقوق الأساسية للإنسان، وتدعو الى الدفع بالرقي الاجتماعي والاقتصادي للشعوب جميعها وتتذرع بالوسائل السلمية وفقا لمباديء العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية، والاستكثار من الحل السلمي للمنازعات المحليّة.
ثانيا: موضوع المادة 27/3 كان احد المواضيع التي نوقشت بين الأربعة الكبار في اجتماع يالطا سنة 1945، وقرروا وضع مبدأ عدم مشاركة طرف النزاع في التصويت وحددوه في المسائل التي لا تنطوي على استخدام الوسائل القسرية، لكنهم أعادوا تفسير ما إتفقوا عليه لإسباب مصلحية، وإستندوا في ذلك الى مبررات قانونية- سياسية حول تفسير المقصود بالنزاع (Dispute) وما الفرق بينه وبين (الحالة) او (Situation) ومن يقرر من هي اطراف النزاع وكيف يجري تحديدها، وكذلك قولهم وجود تعارض ضمني بين المادة 27/3 ومسؤوليات مجلس الأمن، وخاصة الخمسة الدائمون، في حفظ السلم والأمن الدوليين، وإتخذت الدول الخمس دائمة العضوية هذا الجدل مبرراً لتعطيل انطباق المادة 27/3 عليها.
ومن الامثلة الصارخة على تعطيل هذه المادة، هو تصويت روسيا بالفيتو على مشروع قرار قدمته (44) دولة بشأن شبه جزيرة القرم يوم 14/3/2014، وتساءل وقتها كثير من القانونيين الغربيين عن سبب عدم طلب الأربعة الدائمون الآخرون من روسيا عدم المشاركة في التصويت بموجب المادة 27/3 مع انها طرف اصيل في النزاع، بل هي جذر النزاع لاحتلالها شبه جزيرة القرم، وكان واضحا أن السبب الواضح هو ان الخمسة الدائمون متفقون على تجميد هذه الفقرة لخشيتهم جميعا على صلاحياتهم التي منحوها لإنفسهم في الميثاق، كمنتصرين في الحرب العالمية الثانية.
ثالثا: لم تطبق الفقرة 27/3 إلاّ في حالات نادرة قررت دول أعضاء في مجلس الأمن طوعاً، وأشدد على كلمة طوعاً، على التنازل عن حقها في التصويت.
رابعا: وبناء عليه، فإن ذكر أميركا بالاسم او عدم ذكرها في مشروع القرار العربي، المقدم من مصر، ما كان يؤدي الى تخلي أميركا عن حقها في التصويت، بل كانت التفاتة ذكية من معدي مشروع القرار بعدم ذكر الولايات المتحدة بالاسم، والتركيز على المبدأ، وبذلك توجهت الرسالة لأميركا ولغير أميركا، وواضح ان شموليّة الرسالة أثبتت صحتها، ورأينا نفس الصياغة في قرار الجمعية العامة المقدم من المجموعة العربية ومن دول منظمة التعاون الاسلامي الذي صوتت عليه الجمعية العامة في دورتها الاستثنائية الطارئة يوم 21/12/2017، ورأينا كيف أن شمولية الرسالة مطلوبة عندما دعمت (7) دول موقف الولايات المتحدة و (اسرائيل) في ذلك التصويت، كما رأيناه في قرار إحدى (الحدائق الخلفية) للولايات المتحدة وهي غواتيمالا، نقل سفارتها الى القدس.
خامسا: إن تصعيد الجوانب القانونية والسياسية في صراع الامتين العربية والاسلامية الحالي مع الصهيونية العالمية وحليفتها العنصرية الغربية يستوجب تعزيز وحدة الموقف الدولي ضد قرار الادارة الأميركية، ومن يتبعها، المنتهك للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن يبقى استرجاع الحقوق مرهون بوحدتنا قبل ضعف أعدائنا.