ضحايا أحداث الشغب وحقائق مغيبة

إسماعيل ياشا

اليوم الرابع من أيام عيد الأضحى المبارك، كان الفتى الكردي ياسين بورو، البالغ من العمر 16 عاما، يقوم مع أصدقائه بتوزيع لحوم الأضاحي على الأسر الفقيرة الكردية في مدينة ديار بكر. وفي طريقهم صادفوا مجموعة من المتظاهرين الملثمين الذين خرجوا تلبية لدعوة أطلقها حزب الشعوب الديمقراطي للاحتجاج على هجوم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف إعلاميا بـ «داعش» على مدينة عين العرب «كوباني» ذات الأغلبية الكردية. 

وهاجم المتظاهرون ياسين وأصدقاءه بالأسلحة والسكاكين والسواطير، وهرب الشباب ليلجؤوا إلى أحد المباني ولكن المجموعة قامت بملاحقتهم بحجة أنهم من تنظيم «داعش». ورغم محاولة ياسين وأصدقائه لإقناع المجموعة الغاضبة بأنه لا علاقة لهم على الإطلاق بالتنظيم المذكور إلا أن المتظاهرين لم يستمعوا إليهم وقتلوهم بعد تعذيبهم وألقوا جثثهم من الطابق الثالث.

عائلة الفتى ياسين ذهبت إلى المستشفى للتعرف على جثة ابنها ولكن مسؤولي المستشفى لم يعرضوا عليهم الجثة بسبب اعتقادهم بأنها لا يمكن أن تكون عائدة لفتى عمره 16 عاما، وبعد يومين راجعت العائلة المستشفى مرة أخرى، وتعرفت على الجثة من ملابس ابنها وشامة على رجله. ويقول أبوه: إن الجثة كانت في حالة يصعب التعرف عليها بسبب التمثيل والتشويه، ويضيف مستنكرا «حتى الذئب لا يفعل هذا في الغنم».

حسن قوكغوز، الشاب الكردي البالغ من العمر 26 عاما، كان يقوم هو الآخر بتوزيع لحوم الأضاحي مع ياسين بورو وأصدقائه، حين قتل على يد مجموعة من المتظاهرين الذين زعموا أنهم خرجوا لنصرة مدينة عين العرب «كوباني».

وكان حسن قبل أيام من مقتله ساعد أسرة كردية هربت من «كوباني» في استئجار شقة وأعطاها جزءا من أثاث بيته.

وتحمّل والدة حسن رئيسَ حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش مسؤولية مقتل ابنها. ورحل حسن تاركا وراءه طفلا صغيرا في عامه الثاني من عمره وزوجة حاملا في الشهر الثامن.

يعقوب تشليك، شاب كردي يبلغ من العمر 23 عاما ويعمل راعيا للغنم ويقيم في قرية جبلية تابعة لمدينة ساسون في محافظة باتمان، ويعاني قليلا من التخلف العقلي. وكان يهرب في بعض الأحيان إلى مدينة باتمان دون أن يخبر عائلته. وكان ذاك اليوم الذي خرجت فيه التظاهرات قد ذهب إلى مدينة باتمان. وعندما أراد أن يعود إلى قريته في وقت متأخر لم يجد حافلة وقرر أن يقضي الليلة في مسجد محطة الحافلات.

وبعد صلاة العشاء دخل المسجد اثنان من مؤيدي حزب العمال الكردستاني وتوجس يعقوب منهما خيفة وغادر المكان ليذهب إلى القسم النسائي للمسجد ولكنهما ذهبا وراءه وسألاه «هل أنت داعشي؟» وقال لهما: «لا، أنا راعٍ مسكين من ساسون»، إلا أنهما لم يباليا بهذا الجواب وهاجما الشاب وطعناه بالسكين 16 مرة كاد المسكين يفقد حياته لولا عناية الله وحفظه. ويقول يعقوب «سقطت على الأرض ونزلت مني دماء كثيرة، وبعد فترة جاء حارس المحطة واتصل بالشرطة ونقلوني إلى المستشفى، ولن أذهب بعد اليوم إلى أي مكان من دون الاستئذان من عائلتي». وبعد هذه الحادثة، قامت عائلته بحلق لحية الشاب حتى لا يتعرض لأذى بشبهة الانتماء لــ «داعش».

هذا جزء من قصص ضحايا أحداث الشغب التي شهدتها تركيا قبل حوالي أسبوعين، ومهما كان قتلهم قد تم بوحشية وبشاعة فلن تجدوا غالبا أسماءهم وصورهم في وسائل الإعلام العالمية، لأنهم لم يقتلوا على يد قوات الأمن ولم يكونوا من مؤيدي حزب العمال الكردستاني ولا من «الطائفة الكريمة» ولا من الأقلية المسيحية، ولن تشكِّل قصصهم مادة إعلامية يمكن استخدامها ضد الحكومة التركية.

حزب الشعوب الديمقراطي الذي دعا أنصاره إلى الخروج للشوارع هو المسؤول بالدرجة الأولى عن كل ما حدث.

في تصريحاته لصحيفة «حرِّيت» التركية، اعترف النائب الكردي ألتان تان بمسؤولية حزبه وقال «كان علينا أن نفكر بنتائج دعوتنا لأنصارنا بالنزول إلى الشوارع. هل يمكن لأنصارنا أن يلتزموا بحدود الديمقراطية؟ وهل يمكننا ردعهم إذا لم يلتزموا؟ وكان علينا أن نفكر ملياً بهذا، وأن نكلمهم بأسلوب ولغة تبعدهم عن النهب والتدمير والاعتداء على الأموال العامة والخاصة». كما اعترف بأن أنصار حزبه «الشعوب الديمقراطي» أول من بدؤوا بالهجوم على مقرات حزب «هدى» الكردي الإسلامي.

عملية السلام الداخلي يجب أن تستمر بخطوات سريعة لتصل تركيا إلى الهدف المنشود في أقرب وقت ممكن ولكنها في الوقت نفسه يجب أن لا تتحول إلى الاستسلام للمخربين والإرهابيين، وأن تقوم قوات الأمن بحماية حقوق المواطنين وحرياتهم حتى لا يستفرد بالشعب الكردي حزب أو تيار ليفرض عليه آراءه وسياساته بقوة السلاح.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,049,871

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"